التصوف والصوفية الحقيقية
8 أغسطس 2017من هو الصوفي؟
8 أغسطس 2017تعريف التصوف
تعريف التصوف
ليعلم ان التصوف جليل القدر، عظيم النفع، انواره لامعة، وثماره يانعة، فهو يزكي النفس من الدنس، ويطهر الانفاس من الأرجاس، ويوصل الانسان إلى مرضاة الرحمن، وخلاصته اتباع شرع الله، وتسليم الأمور كلها لله، والإلتجاء في كل الشئون اليه مع الرضى بالمقدّر، من غير إهمال في واجب ولا مقاربة لمحظور.
وقد اختلف في تعريفه فقيل: التصوف الجِدُّ في السلوك إلى ملك الملوك، وقيل: التصوف الموافقة للحق، وقيل:إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء ءاثارها، وقال بشر بن الحارث: الصوفي من صفا قلبه لله.
وقد سئل الإمام أبو علي الرَوْذباري عن الصوفي فقال: من لبس الصوف على الصفا، وكانت الدنيا منه على القفا، وسلك منهاج المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم)، وسئل الإمام سهل بن عبد الله التُّستَري عن الصوفي فأجاب: من صفا عن الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والمدر، وقال الشيغ محمّد ميارة المالكي في شرح المرشد المعين: في اشتقاق التصوف أقوال إذ حاصله اتصاف بالمحامد، وترك للأوصاف المذمومة، وقيل من الصفاء. اهـ
وقيل غير ذلك من الأقوال التي هي مسطورة في كتب القوم.
حقيقة التصوف:
التصوف مبني على الكتاب والسنة كما قال سيد الطائفة الصوفية الجنيد البغدادي رضي الله عنه: طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه إلا على المقتفين ءاثار رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم). اهـ
وقال الشيخ تاج الدين السبكي: ونرى أن طريق الشيخ الجنيد وصحبه مقوَّم. اهـ
وقال سهل التُّستَري رضي الله عنه: أصول مذهبنا [يعني الصوفية] ثلاثة: الاقتداء بالنبي (صلّى الله عليه وسلّم) في الأخلاق والأفعال، والاكل من الحلال، وإخلاص النيّة في جميع الأفعال. اهـ
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخَالة، وإنما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية قال تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ ( سـورة السجدة/٢٤). اهـ
وقال سيدنا الامام الكبير احمد الرفاعي رضي الله عنه للقطب ابي اسحاق ابراهيم الاعزب رضي الله عنه: ما أخذ جدك طريقًا لله إلا اتباع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فان من صحت صحبته مع سرِّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) اتبع ءادابه وأخلاقه وشريعته وسنته، ومن سقط من هذه الوجوه فقد سلك سبيل الهالكين. اهـ
وقال أيضًا: واعلم ان كل طريقة تخالف الشريعة فهي زندقة. اهـ وقال رضي الله عنه أيضا: الصوفي هو الفقيه العامل بعلمه. اهـ
وقد حكى العارف بالله الشعراني في مقدمة كتابه الطبقات إجماع القوم على انه لا يصلح للتصدر في طريق الصوفية إلا من تبحر في علم الشريعة وعلم منطوقها ومفهومها وخاصها وعامها وناسخها ومنسوخها، وتبحر في لغة العرب حتى عرف مَجازاتها واستِعاراتِها وغير ذلك.
والحكمة في هذا الاجماع الذي حكاه الشعراني ظاهرةٌ لان الشخص إذا تصدَّرَ للمشيخة والإرشاد اتخذه المريدون قدوة لهم ومرجعًا يرجعون اليه في مسائل دينهم، فإذا لم يكن متقنًا لعلم الشرع متبحرًا فيه قد يضل المريدين بفتواه فيحل لهم الحرام ويحرم عليهم الحلال وهو لا يشعر، أيضا فان أغلب البدع القبيحة والخرافات إنما دخلت في الطريق بسبب كثير من المشايخ الذين تصدروا بغير علم ونصبوا انفسهم للإرشاد من غير ان يكونوا مستحقين لهذا المنصب الجليل، ولذلك تجد الكثير من المنتسبين إلى التصوف اليوم والى طرق اهله قد أعماهم الجهل فيظنون أنهم بمجرد أخذهم لطريقة صوفية معيّنة يرتقون إلى اعالي الدرجات، وبمجرد قراءتهم للاوراد يصلون إلى مقام الإرشاد، وفي نفس الوقت يهملون تعلم العلوم الشرعية الضرورية وتطبيقها، فيتخبطون في الجهل والفساد وهم يحسبون انهم يحسنون صنعًا، ويدخلون في طريق القوم البدع الفاسدة والفتاوى الشاذة والأقوال الضالّة التي ما أنزل الله بها من سلطان ويزعمون أن هذا من الأسرار التي لا يطلع عليها الا أهل الباطن ولا يفهمها أهل الشريعة الذين هم اهل الظاهر، وإذا قدّم لهم شخص نصيحة يقولون: انتم اهل الظاهر ونحن اهل الباطن لا تفهمون هذا، فلذلك سمّاهم اهل العلم والصوفية الصادقون بالمتصوفة أي أدعياء التصوف، ويكفي في الرد عليهم قول الإمام الرفاعي: كل طريقة تخالف الشريعة فهي زندقة، وقال رضي الله عنه: شيّدوا أركان هذه الطريقة المحمدية بإحياء السنة وإماتة البدعة. اهـ، وقال: كلّ الآداب منحصرة في متابعة النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قولا وفعلا وحالا وخلقًا، فالصوفي ءادابه تدل على مقامه، زِنوا أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه بميزان الشرع. اهـ،
وقال: أيها الصوفي لم هذه البطالة؟ صِرّ صوفيا حتى نقول لك: أيها الصوفي. اهـ
وقال: لا تقولوا كما يقول بعض المتصوفة: نحن أهل الباطن وهم أهل الظاهر، هذا الدين الجامع باطنه لبّ ظاهره، وظاهره ظرف باطنه لولا الظاهر لما بَطُن، لولا الظاهر لما كان الباطن ولما صح، القلب لا يقوم بلا جسد بل لولا الجسد لفسد، والقلب نور الجسد، هذا العلم الذي سمّاه بعضهم بعلم الباطن هو إصلاح القلب، ثم قال: فإذا تعين لك ان الباطن لب الظاهر والظاهر ظرف الباطن ولا فرق بينهما ولا غنى لكليهما عن الآخر، فقل: نحن من أهل الظاهر وكانك قلت ومن اهل الباطن. أيُّ حالة باطنة للقوم لم يأمر ظاهر الشرع بعملها؟ أيُّ حالة ظاهرة لم يأمر ظاهر الشرع بإصلاح الباطن لها. اهـ
فعلى ما ذكر يتبين أن كل بدعة تراها في الطرق السائرة فلك ان تعرض ما تراه وتسمعه فيها من البدع القولية أو الفعلية على قواعد الشرع فان لم توافقه فانبذها، قال السيد احمد الرفاعي: كل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة، إذا رأيتم شخصًا تربع في الهواء فلا تلتفتوا اليه حتى تنظروا حاله عند الأمر والنهي. اهـ، أي يوزن أفعاله وأقواله بميزان الشرع فان لم يوافقها فيترك، وقال رضي الله عنه: سلّم للقوم أحوالهم ما لم يخالفوا الشرع، فان خالفوا الشرع فكن مع الشرع. اهـ
مشاهير الصوفية:
لكون التصوف مبنيًّا على الكتاب والسنة دخل فيه عظماء العلماء وانضم إلى زمرة أهلهِ فحولٌ من الكبراء كالحافظ أبي نُعَيمٍ، والمحدث المؤرخ أبي القاسم النصرَاباذي، وأبي علي الرَوذباري، وأبي العباسْ الدَينوري، وأبي حامد الغزالي، والقاضي بكارِ بن قتيبةَ، والقاضي رُوَيمْ بن أحمد البغدادي، وأبي القاسمِ عبد الكريم بن هوازن القشيري الجامع بين الشريعة والحقيقة، والشيخ الفقيه محمد بن خَفيفٍ الشيرازي الشافعي، والحافظ ذي المصنفات في الحديث والرجال أبي الفضل محمد المقدسي، والشيخ عز الدين بن عبد السلام، والحافظ ابن الصلاح، والنووي، وتقي الدين السبكي وابنه تاج الدين السبكي، وأبي الحسن الهِيكاري، والفقيه نجم الدين الخَبوشاني الشافعي، والفقيه المحقق سراج الدين أبي حفص عمر المعروف بابن الملقِّن الشافعي، والحافظ جمال الدين محمد بن علي الصابوني، والحافظ شرف الدين أبي محمد عبد المؤمن الدمياطي، والحافظ أبي طاهر السِّلَفي، والمسند المعمّر جمال الدين أبي المحاسنْ يوسف الحنبلي، وقاضي القضاة شمس الدين أبي عبد الله محمد المقدسي، والمفتي شرف الدين أبي البركات محمد الجُذامي المالكي، والإمام بهاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضائل هبة الله بن سلامة، والحافظ أبي القاسم سليمان الطبراني صاحب المعاجم المعروفة، والمفتي جمال الدين محمد المعروف بابن النقيب، وقاضي القضاة الشيخ عز الدين عبد العزيز، ووالده قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله محمد، ووالده شيخ الإسلام برهان الدين ابراهيم بن سعد بن جماعة الكِناني الشافعي، والشيخ أبي عبد الله محمد بن الفُرات، وقاضي القضاة تقي الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين بن رُزَيْن الحموي الشافعي، وشيخ الإسلام صدر الدين أبي الحسن محمد، وشيخ شيوخ عصره عماد الدين أبي الفتح عمر، وشيخ الإسلام معين الدين أبي عبد الله محمد، والشيخ المفسّر النحوي أبي حيان الاندلسي، وقطب الدين القَسطلاني المشهور، والمفسر كمال الدين ابن النقيب، والحافظ أبي موسى المَديني، والعلامة نجم الدين أبي النعمان بشير بن أبي بكر حامد الجُبعْبري التبريزي، والحافظ جلال الدين السيوطي، والشيخ عبد الواحد بن عاشرٍ الانصاري المالكي، والعلامة المحققِ الشيخ أحمد بن المبارك اللّمْطي، وغيرهم خلق كثير مما تضيق عن ذكرهم هذه الأسطر، فلا تجد عالمًا كبيرًا ومحققا شهيرا إلا ودخل في طريق القوم والتمس بركتهم ونال الحظوة بسبب الانتسابِ اليهم، فمن قرأ تراجم العلماء والمحدثين وتتبع سيرتَم واستقصى أخبارهم أدرك ذلك، ومن انكر ذلك فهو جاهل متعنت لا اعتداد به ولا عبرة بما يقول.
ويكفي في بيان فضل الصوفية ما ذكر عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي حمزة الصوفي: ماذا تقول يا صوفي. اهـ
فالصوفي عند من يعرفه هو العامل بالكتاب والسنة يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات ويترك التنعم في المأكل والملبس ونحو ذلك، فهذه الصفة في الحقيقة صفة الخلفاء الأربعة، فلذلك صنف الحافظ أبو نُعيم كتابه الضخم المسمى (حلية الأولياء) أراد به ان يميز الصوفية المحققين من غيرهم لمّا كثر في زمانه الطعن من بعض الناس في الصوفية، ودعوى التصوف من طائفة أخرى هم خلاف الصوفية في المعنى، فبدأ بذكر الخلفاء الأربعة، وقد صنف خلق كثير من العلماء كتبًا في هذا الشان منها طبقات الصوفية للمحدث الحافظ أبي عبد الرحمن محمد السُلَميّ النيسابوري، وطبقات الصوفية للحافظ البارع أبي سعيد النقّاش الحنبلي، وطبقات الصوفية للحكيم الترمذي، وطبقات الصوفية للحافظ ابن الملقّن الشافعي وكل هؤلاء من اهل الحديث.
وقد أكثر الحافظ البيهقي الرواية عن شيخه أبي علي الرَوذْباري أحد مشاهير الصوفية الذي كان تلميذ الجنيد رضي الله عنه.
قال الشيخ منصور البُهوتي الحنبلي في كتابه كشاف القناع (۱) ما نصه: ونقل إبراهيم بن عبد الله القلانسي أن الإمام أحمد قال عن الصوفية [أي الصادقين]: لا أعلم أقوامًا أفضل منهم، قيل: انهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة، قيل: فمنهم من يموت ومنهم من يُغشى عليه فقال ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾(سورة الزمر/٤٧) ولعل مُراده سماع القرءان، وعذرهم لقوة الوارد، قاله في الفروع. اهـ وصاحب الفروع هو شمس الدين بن مفلح الحنبلي (٢).
فيتبين من هذا كله ان طرق أهل الله كالرفاعية والقادرية وسائر الطرق المستقيمة أسست على وفق القرءان الكريم والحديث الشريف.
—————————————–
(۱) كشاف القناع عن متن الإقناع (۱٨٤/٥).
(٢) تلميذ ابن تيمية