تعظيم الإمام مالك لحديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
كان الناسُ إذا أَتَوا الإمامَ مالكًا خرجتْ إليهم جاريةٌ له فتقولُ لهم يقولُ لكُم الشيخُ تريدونَ الحديثَ أوِ المسائلَ؟ فإذا قالوا المسائل خرجَ إليهم، وإنْ قالُوا الحديثَ دخلَ مُغْتَسَلَه واغتسلَ وتَطَيَّبَ ولبسَ ثيابًا جُددًا وتعمَّمَ ووضعَ رداءَه، فيخرجُ فيجلسُ على مِنَصَّةٍ وعليه الخشوعُ ولا يزالُ يبخر بالعودِ حتى يفرغَ من حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكان رحمه الله لا يجلسُ على تلكَ المنصةِ إلا إذا حدَّثَ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقيل في ذلك لمالك فقال أُحِبُّ أنْ أُعَظِمَ حديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأنْ لا أُحدِّثَ به إلا على طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا.
الإمَامُ مَالِكٌ كانَ بَحْرًا فِي الحَدِيثِ لَو أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ كُلَّ مَا يَحْفَظُهُ لكَانَ المُوَطَّأ أَوْسَع مِن مُسْنَدِ أَحْمَدَ، الأحَادِيثُ التِي تُوْهِمُ الجِسْمِيَّةَ للهِ تَرَكَهَا مَا ذَكَرَها (أحاديث مسند أحمد كما قال السيوطي في تدريب الراوي هي أربعون ألفًا ومِنها حوالي عشرة ءالاف مكرَّرة).
الإمامُ مَالِكٌ والإمامُ أَبُو حَنِيفَةَ والإمَامُ الشَّافِعِيُّ كانَ هَمُّهُم الاسْتِنْبَاطَ، لِذَلِكَ مَا تَوَسَّعُوا فِي الرِّوَايَةِ مِثْلَمَا تَوَسَّعَ أَحْمَدُ، مَالِكٌ لَو أَرَادَ أنْ يَذْكُرَ كُلَّ مَا يَحْفَظُ لَأَلَّفَ عِشْرِينَ مُجَلَّدًا مِن كَثْرَةِ مَا يَحْفَظُ لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ علَى غَيْرِ ما يُوْهِمُ التَّجْسِيمَ إلا حَدِيثَ النُّزُولِ فَإِنَّه أَوْرَدَه لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَصِحَّتِها وَهُو حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ. مَالِكٌ أَسَانِيدُ الحَدِيثِ تَدُورُ عَلَيهِ.