قاطعُ الرَّحِمِ وَرَدَ الحديثُ الصَّحِيحُ في حَقِّهِ أنه لا يدخلُ الجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلين

استئصال العضو من الإنسان الميت وزرعه في جسم مريض مضطر إليه
استئصال العضو من الإنسان الميت وزرعه في جسم مريض مضطر إليه
29 يونيو 2023
العرش له حدٌّ ومقدار والربُّ لا تُدركه الأبصار
العرش له حدٌّ ومقدار والربُّ لا تُدركه الأبصار
1 يوليو 2023
استئصال العضو من الإنسان الميت وزرعه في جسم مريض مضطر إليه
استئصال العضو من الإنسان الميت وزرعه في جسم مريض مضطر إليه
29 يونيو 2023
العرش له حدٌّ ومقدار والربُّ لا تُدركه الأبصار
العرش له حدٌّ ومقدار والربُّ لا تُدركه الأبصار
1 يوليو 2023

قاطعُ الرَّحِمِ وَرَدَ الحديثُ الصَّحِيحُ في حَقِّهِ أنه لا يدخلُ الجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلين

قاطعُ الرَّحِمِ وَرَدَ الحديثُ الصَّحِيحُ في حَقِّهِ أنه لا يدخلُ الجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلين

صلة الأرحام

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، له النِّعْمَةُ وله الفضلُ وله الثَّنَاءُ الحَسَن، صلواتُ الله البَرِّ الرَّحيم، أمَّا بعدُ، فإنَّ الله تعالى يقولُ في سورةِ النِّساء (واتقُوا اللهَ الذي تَسَاءَلُونَ به والأرحامَ) أيْ واتقُوا الأرحامَ أنْ تَقْطَعُوهَا، ويقولُ في سورةِ محمَّد (فهل عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الأرضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولـٰـئكَ الذينَ لعَنَـهُمُ الله فأَصَمَّهُمْ وأَعمَى أبصارَهم).
ورَوَى الطَّبَرَانيُّ والبَزَّارُ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلْيَصِلْ رَحِمَه) وقال أيضًا لأَحَدِ أصحابه (أَطْعِمِ الطَّعَامَ وصِلِ الأرحامَ وصَلِّ باللَّيْلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخلِ الجَنَّةَ بسلامٍ) رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ في صحيحه بإسنادٍ صحيح.

والمرادُ بالرَّحِمِ الأقاربُ كالجَدَّاتِ والأجدادِ والخالاتِ والعَمَّاتِ وأولادِهم والأخوالِ والأعمامِ وأولادِهم، فأرحامُ الشَّخْصِ كُلُّ قرابةٍ له من جهةِ الأبِ ومن جهةِ الأُمِّ إنْ كانتْ قَرَابَةً تَرِثُ وإنْ كانتْ قَرَابَةً لا تَرِثُ، ومعنى الصِّلَةِ زِيارتهُم لمنِ استطاعَ ومراسلتُهم لمنْ لم يستطعْ والإحسانُ إلى المحتاجِ منهم إنِ استطاع، فمَنْ عَلِمَ أنَّ في رَحِمهِ مَنْ هُوَ فقيرٌ محتاجٌ وكانَ عندَه ما يَزِيدُ ويَفْضُلُ عن حاجاتهِ ولم يُسَاعِدْهُ مَعَ عِلْمهِ بحال رَحِمهِ فإنَّ هذا قاطعُ رَحِم، وقطيعةُ الرَّحِمِ من الكبائرِ بالإجماع وهي من معاصي البَدَنِ، وتحصلُ بإيحاشِ قلوبِ الأرحامِ وتنفيرِها إمَّا بتركِ الإحسانِ بالمالِ في حالِ الحاجةِ النَّازلةِ بهم أو تركِ الزِّيارَةِ بلا عُذْرٍ، وقاطعُ الرَّحِمِ وَرَدَ الحديثُ الصَّحِيحُ في حَقِّهِ أنه لا يدخلُ الجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلين، قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم (لا يدخلُ الجنَّةَ قاطع) أيْ قاطعُ رَحِم، رواه البُخَارِيُّ ومسلم، أيْ لا يدخلُها مَعَ الأَوَّلين، معناه لا يدخلُ الجَنَّةَ إلَّا في ءاخِرِ مَنْ يدخلُها بعدَ أنْ يأخذَ نصيبَه من العذاب، وهذا في غيرِ الكافرِ أمَّا الكافرُ فلا يدخلُ الجَنَّةَ أبدًا، لا مَعَ الأَوَّلينَ ولا مَعَ الآخِرِين، أهلُ الجَنَّةِ ليسَ كُلُّهُمْ يدخلونهَا دُفْعَةً واحدةً، إنما أَوَّلُ مَنْ يدخلُ الجَنَّةَ رسولُ الله ثمَّ أنبياءُ الله ثمَّ الصُّلَحَاءُ ثمَّ غيـرُ الصُّلَحَاء ممَّنْ عَفَا الله عنهم ثمَّ الآخِرُون.

ثمَّ إنَّ صلةَ الرَّحِمِ دَرَجَاتٌ، منها أنْ تكونَ صِلَتُكَ لرَحِمِكَ في أوقاتٍ متقاربةٍ ومنها أنْ تكونَ في أوقاتٍ متباعدةٍ بحيثُ لا يَشْعُرُ رَحِمُكَ بالجفاء لو تباعدتِ الأوقات.
إنْ كانتْ صِلَتُكَ لرَحِمِكَ في أوقاتٍ متباعدةٍ إلى حَدٍّ لا يشعرُ رَحِمُكَ معهُ بالجفاء فقد حَصَلَتِ الصِّلَةُ، أمَّا إذا قَطَعْتَ مُدَّةً تُشْعِرُ رَحِمَكَ بأنكَ جَفَوْتَهُ فقد قَطَعْتَهُ ولم تَصِلَهُ، عادةُ النَّاسِ في هذه الأيامِ جَرَتْ بالصِّلَةِ بالزِّيارة في رَمَضَانَ وفي الأعيادِ وفي أيامِ الحُزْنِ، الرَّحِمِ يراعي هذه الأوقاتَ أكثرَ من غيرِها لأنَّ من تَرَكَ الصِّلَةَ في هذه الأوقاتِ يكونُ أشعرَ رَحِمَهُ بالجفاء.
وممَّا ينبغي للمؤمنِ أنْ يُحْسِنَ إلى رَحِمهِ التي أدبرتْ لأنَّ الله تعالى يحبُّ للمؤمنِ أنْ يَعْمَلَ المعروفَ مَعَ الذي لا يعرفُ له المعروفَ، فالمؤمنُ الذي يُحْسِنُ إلى رَحِمهِ الذي يُحْسِنُ إليه له أجرٌ أَقَلُّ من أجرِ الذي يُحْسِنَ إلى رَحِمهِ التي أدبَرَتْ لأنَّ هذا فيه كَسْرُ النَّفْسِ في طاعةِ الله والله يحبُّ كَسْرَ النَّفْسِ في طاعتهِ، فقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم (ليسَ الواصلُ بالمكافِئ ولكنَّ الواصلَ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ إذا قَطَعَتْ) رواهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حديثٌ حَسَنٌ صحيح، ففي هذا الحديثِ إيذانٌ بأنَّ صِلَةَ الرَّجُلِ رَحِمَهُ التي لا تَصِلُهُ أفضلُ من صِلَتهِ رَحِمَهُ التي تَصِلُهُ لأنَّ ذلكَ من حُسْنِ الخُلُقِ الذي حَضَّ الشَّرعُ عليه حَضًّا بالغًا، وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم (مَنْ أَحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقهِ ويُنْسَأَ لهُ في أَثَرِهِ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاريُّ ومسلم والنَّسيئةُ في الأَثَرِ طولُ العُمُر.

وقد أخرجَ القُضَاعِيُّ في مسندِه أنَّ رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، قال (صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمُر) يعني كانَ في عِلْمِ الله تعالى أنه لولا هذه الصِّلَةُ ما كانَ عُمُرُهُ كذا، ولكنْ عَلِمَ الله تعالى بعِلْمهِ الأزليِّ أنه يَصِلُ رَحِمَهُ فيكونُ عُمُرُهُ أَزْيَدَ من ذلكَ بمشيئةِ الله، فيكونُ المعلومُ المحتومُ أنه يَصِلُ رَحِمَهُ ويعيشُ إلى هذه المُدَّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *