أخذ الأجرة على تعليم القرآن
18 ديسمبر 2021سُورَةُ قُرَيْشٍ مَكِّيَّةٌ فِى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهِىَ أَرْبَعُ ءَايَاتٍ
25 ديسمبر 2021عَلَى مُريدِ رِضَا اللهِ سُبحَانَهُ وسَلامَةِ دِيْنِهِ ودُنيَاهُ أنْ يتَعلَّمَ مَا يَحِلُّ ومَا يَحرُمُ مِنْ عَالِمٍ وَرِعٍ نَاصِحٍ شَفِيقٍ على دِيْنِهِ
ممن يؤخذ العلم وطلب الحلال
عَلَى مُريدِ رِضَا اللهِ سُبحَانَهُ وسَلامَةِ دِيْنِهِ ودُنيَاهُ أنْ يتَعلَّمَ مَا يَحِلُّ ومَا يَحرُمُ مِنْ عَالِمٍ وَرِعٍ نَاصِحٍ شَفِيقٍ على دِيْنِهِ فَإنَّ طلَبَ الحَلالِ فَرِيضَةٌ على كُلِّ مُسلمٍ.
يَجِبُ تعَلُّمُ علمِ الدّينِ الذي يُعرَفُ بهِ الحلالُ والحرامُ تَلَقِّيًا منْ أهلِ المعرفةِ والثّقَةِ فَلا يَجُوزُ استِفتَاءُ مَنْ ليسَ لهُ كفَاءَةٌ في عِلمِ الدِّينِ ولا استِفتَاءُ العالِمِ الفَاسقِ فقد قال الإمامُ الْمُجتَهِدُ التّابِعيُّ الجَلِيلُ محمّدُ بنُ سِيرِينَ رضي الله عنه (إنَّ هَذا العِلمَ دِينٌ فَانْظُروا عَمَّن تَأخُذُونَ دِيْنَكُم) رواهُ مسلمٌ في مقَدّمَةِ صَحِيحهِ (أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح: باب بيان أن الإسنادَ من الدين) فالذي يُريدُ أن يَسألَ عن أَمرٍ دِينيّ ليسَ لهُ أنْ يَسأَلَ أيَّ شَخصٍ بل يَسألُ أهلَ العَدْلِ والثِّقَةِ، يَسأَلُ الثّقَاتِ هَل هذا المفتي أهلٌ للفَتوى فإنْ قالَ لهُ العالِمُ الثِّقَةُ فلانٌ ثِقَةٌ أهلٌ للفَتوى يجوزُ أن يَستَفتِيَه، أمّا أن نَهجمَ بدُونِ أن نَعرفَ أنّه ثِقَة تَقيٌّ فنَستَفتِيَه فلا يجُوز، فالعلمُ يؤخَذُ مِنَ الثّقَاتِ لا مِنَ الكُفّارِ والفُسّاقِ ووَسَائِل التّواصُل التي لا يُدرَى مَن وضَعَها، وكَم فيها مِن مَزالِق ومَهالِك للنّاسِ وهُم لا يَشعُرُون، فإنْ كانَ هُناكَ عَالِمَانِ ثِقَتانِ قالَ بَعضُ العُلَماءِ يَنظُرُ إلى مَنْ هوَ أعلَمُ فيَستَفتِيْهِ.
ولا يؤخَذُ العِلمُ إلا بالتّلَقّي إمّا سمَاعًا مِنْ فَمِ العالمِ وإمَّا أن يَقرأ علَيه وهو يَسمَعُهُ فيُقِرُّهُ علَيهِ أي مع تَفهِيمِ العَالِم للقَارئ إذا كانَ لم يَفهَمْه قَبلَ القِراءَةِ على العَالِم، أمّا مجَرّدُ المطَالعَةِ كَما يَفعَلُ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ فهَذا ليسَ طَريقًا نَافِعًا وخُصُوصًا أنّ أكثَر الكتُب المطبُوعَةِ اليَوم فيها تَحريفٌ بسَبَب النّاسِخِ والطَّابِع الذي همه المال لا ضَبطَ النّقلِ والتّحقِيق، فالطَّرِيقُ النّافِعُ هوَ الذي مضَى علَيهِ العُلمَاءُ السَّلَفُ والخلَفُ، كَثِيرٌ مِن الكتُب والتّفاسِير اليَوم فيها طَامّاتٌ مُهلِكَاتٌ يُدرِكُ ذلكَ المحَقِّقُ المدَقِّقُ الذي صَارَ مِن أَهلِ التّميِيز في العِلْم إذْ مَن يتَحرَّى الضَّبطَ في نَقلِه اليَومَ نَادِرٌ وقَلِيل.
الحَافظُ أبو سَعِيدٍ العَلائيُّ خَلِيلُ بنُ كَيْكَلْدِي هو أحَدُ مشَايِخ الحَافِظِ زَينِ الدِّين العِرَاقيّ تَلقّى الحَديثَ مِنْ سَبعِمِائةِ عَالمٍ سَمَاعًا، سَماعُ لفظِ العالم معَ تفَهُّم المعَاني هو الأفضَلُ ولا سِيّما الحَديثُ والقرءان.
القُرءانُ تَلَقّيهِ مِنْ طَريقَينِ إمَّا أن يَسمَعَ الطّالِبُ مِنْ لَفظِ المقرئ ثم يَقرأَ علَيه فيُقرُّهُ وهذا أفضَلُ وإمّا أن يَقرأ الطّالِبُ على الْمُقرئ والْمُقرئُ يَسمَعُهُ فيُقرُّهُ، ومِنْ فسَادِ طَريقِ التَّلَقّي اليَومَ عندَ أكثَرِ النّاسِ كَثُرَ التّحرِيفُ والافتراءُ على الدِّينِ وإدخَالُ مَا لَيسَ منهُ فيهِ، العِلمُ يُحَصَّلُ بالجِدّ والاجتِهَادِ أمّا الكَسَلُ فإنهُ يُنافي تَحصِيلَ العِلم، المحدّثونَ لا يَعتَبِرونَ مُحدِّثًا مَنْ لم يتَلقَّ مِن أفواهِ المحدِّثِين، كذلكَ الفِقهُ لا يكونُ الرّجُلُ فَقِيهًا إنْ لم يتَلَقَّ مِنْ أفواهِ الفُقَهاءِ، يقول الحافِظُ الخطِيبُ البَغدادِيُّ رحمه الله (الفقيه والمتفقه 1 – 97) مَنْ أخذَ الحَدِيثَ منَ الكتُبِ لا يُسَمَّى مُحَدِّثًا بل يُسمَّى صَحَفِيًّا، ومَن أخَذَ القُرءانَ مِنَ المصحَفِ يُسمَّى مُصحَفِيًّا ولا يُسمَّى قَارئًا، فمَن كانَ قَويَّ الهمّةِ لا يَعتَمِدُ على مُطَالعَةِ نَفسِهِ إلّا على التّلَقِّي مِن أَهلِ المعرفةِ.
جَابرُ بنُ عبدِ الله الأنصَاريُّ رضي الله عنه سافرَ مِنَ المدينَةِ إلى مِصرَ لأنّهُ بلَغَهُ أنّ رَجلًا صحَابِيًّا اسمُهُ عبدُ الله بنُ أُنَيْس مُقِيمًا في مِصرَ رَوى حَديثًا عن رسول الله فسَافرَ منَ المدينَةِ إلى مِصرَ لِيَسمَعَ مِنهُ فلَقِيَهُ فقالَ جئتُ لِكَذَا، فأَقرَّهُ ذلكَ الصّحَابيُّ أنّهُ سمِعَه مِن رسول الله، رَوى هَذه القِصّةَ بتَمامِها البخاريُّ في الأدب، أخرجها في كتابه الأدب المفرد باب المعانقة (ص 209 – 1) هكَذا كانوا يَهتَمُّونَ لتَلَقِّي العِلْم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدُّرر الكامنة عن رجل يقال له تُومَا قال كانَ طَبيبًا، ولكنْ تَطَبُّبُه مِنَ الكتُب، وقَد وقَع التَّصحِيفُ في بَعضِ كتُبِه، فكَانَ يَقرأُ الحيّةُ السَّودَاءُ شِفاءٌ مِن كُلّ داءٍ تَصَحّفَت كَلِمَةُ (حَبَّة) إلى (حَيّة) فماتَ بسَبَبِ تَطَبُّبِه خَلقٌ كثيرٌ (انظر في كتاب الدُرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني 2 – 63).
ومما حَصَل لبَعضِهِم بسَبب اعتِمَادِهِم على المطَالعَةِ في الكتُب بدُونِ مُعَلِّمٍ مَا ذُكِرَ عَن رَجلٍ شُوهِدَ يَطُوفُ بالكَعبَةِ وهوَ يَحمِلُ سِكِّينَةً وفَأرًا فقِيلَ لهُ مَاذا تَفعَلُ، فقَال هَكذا قرأتُ في الكتُب أنّ الذي يَطُوفُ يَطُوفُ بسِكِّينَةٍ وفَأرٍ، فقِيلَ له: الكَلِمَةُ لَيسَتْ بسِكّينَةٍ وفَأرٍ بل بسَكِينَةٍ ووَقَار.
ومما حَصَل في زمَانِنا هَذا أنّ امرَأةً ذهَبَت للحَجّ ثم بَعدَ الرّميِ لجَمرَةِ العقَبَة استَوقَفَت بَعضَ الحجاج فقالَت لهُ أينَ المحَلّاتِ التي تَبِيعُ الحَلْوَى أُرِيدُ الحَلوَى، فقال لها لأيّ شَىءٍ، فقالت له أُرِيدُ أنْ أتَحَلَّى التَّحَلّي الأوَّل، وذَلكَ لأنّها سمِعَت بالتّحَلُّل الأوّل في الحجّ فظَنَّت أنّ المعنَى هوَ أَكلُ الحَلْوَى، ومَعنَى قوله (إنَّ طَلبَ الحَلالِ فَرِيضَةٌ على كُلِّ مُسلِم) أنّهُ لا يجوزُ تنَاولُ رِزقٍ مِن طَريقٍ حَرام بل على مَنْ أرادَ تَحصِيلَ المالِ لحَاجَةِ نَفسِهِ أو حَاجَةِ عِيَالِهِ أنْ يَسعَى للتّحصِيلِ بطَرِيقٍ مُبَاحٍ شَرْعًا، وليسَ مَعنَى ذلكَ أنّهُ يَحرُمُ على الشّخصِ أنْ يَمكُثَ مِن دُونِ تَعاطِي عَمَلٍ فلَو تَركَ الشّخصُ العَملَ وهوَ قادِرٌ عليهِ غَيرَ مُعتَمِدٍ على السُّؤالِ مِن شَخصٍ مُعَيَّنٍ أو على الشَّحَاذةِ بل كانَ غيرَ متَعرِّضٍ لذَلكَ واثقًا بربّه أنّهُ يَسُوقُ إليهِ رِزقَهُ فَلا إثمَ علَيه وقَد روى التّرمذيُّ في سننه كتاب الزهد باب في التوكل على الله بإسنادٍ صحِيح أنّ رجلًا شَكَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَاهُ لأنّهُ لا يَحتَرِفُ مَعهُ فقالَ له (لعَلَّكَ تُرزَقُ به) الشّاهِدُ في الحديثِ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنكِر على الأخِ تَركَ الاحترافِ معَ أخيه.
قال النسفي في بحر الكلام (ص – 191) وقالَ أَهلُ السُّنّةِ والجَماعة إنْ كانَ لهُ قُوتٌ فالكَسبُ لهُ سُنّةٌ ومُبَاحٌ وإنْ لم يَكُنْ لَهُ قُوتٌ ولَهُ دِرهَمٌ يَشتَرِي بهِ القُوتَ فالكَسْبُ لهُ رُخصَةٌ وإنْ كانَ مُضطَرًّا ولَهُ أَهلٌ وعِيَالٌ فالكَسْبُ علَيهِ فَرِيضَةٌ.
ومَعنَى الحديثِ أنّه ليسَ فرضًا على الإنسَانِ أن يَعمَلَ عَملًا إنّما الفَرضُ علَيه أنْ لا يَأكُلَ الحَرامَ ولا يَشْحَذَ وهوَ قَادرٌ على أنْ يَكفِيَ نَفسَه عن الشّحَاذَةِ ولا يُضَيِّعَ زَوجتَهُ وأولادَهُ ومَنْ تَجِبُ علَيهِ نفَقَتُهُم لِتَكَاسُلِهِ عنِ العَمل، وأمّا حَديثُ (طَلَبُ الحَلَالِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ الفَرِيضَةِ) فقد رَواه البيهقيُّ وغَيرهُ بإسنَادٍ ضَعِيف، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10 – 74)، والبيهقي في شعب الإيمان (6 – 420).