الإمام الفقيه أبو محمد عبد الحق بن محمد الصقلّي
27 نوفمبر 2022حديث (الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ)
9 ديسمبر 2022كَيْفَ نَدْعُو الْكَافِرَ إِلَى الإِسْلامِ
كَيْفَ نَدْعُو الْكَافِرَ إِلَى الإِسْلامِ
مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّىْءَ الَّذِى يُمَيِّزُ الإِنْسَانَ عَنِ الْبَهَائِمِ أَنَّ الإِنْسَانَ لَهُ عَقْلٌ، فَلَوْ فَكَّرَ الإِنْسَانُ بِعَقْلِهِ فِى هَذَا الْعَالَمِ لَعَرَفَ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ حَادِثٌ أَىْ مَخْلُوقٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى خَالِقٍ خَلَقَهُ لِأَنَّ الشَّىْءَ لا يَخْلُقُ نَفْسَهُ، فَإِذَا كَانَ لا يُعْقَلُ وُجُودُ كِتَابَةٍ وَبِنَاءٍ مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ فَكَيْفَ يُعْقَل وُجُودُ هَذَا الْعَالَمِ بِلا خَالِقٍ، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ لِهَذَا الْعَالَمِ خَالِقًا خَلَقَهُ أَىْ أَبْرَزَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَهَذَا الْخَالِقُ لا يُشْبِهُ الْعَالَمَ بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لا يُتَصَوَّرُ فِى الْعُقُولِ وَالأَذْهَانِ، لا يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، فَكَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ وُجُودَ وَقْتٍ لَيْسَ فِيهِ نُورٌ وَلا ظَلامٌ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَا وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الرُّوحَ الَّتِى فِى جَسَدِهِ فَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْخَالِقَ الَّذِى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، كُلُّ مَا يَتَصَوَّرُهُ الإِنْسَانُ بِبَالِهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَالْخَالِقُ لا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَ، لَوْ كَانَ يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَلَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَلَصَحَّتِ الأُلُوهِيَّةُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَالْخَالِقُ لَيْسَ جِسْمًا وَلا رُوحًا وَلا رِيحًا وَلا هَوَاءً وَلا غَيْمًا وَلا ضَوْءًا وَلا ظَلامًا مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَجْمِ وَالْكَمِيَّةِ وَاللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالْهَيْئَةِ وَالأَعْضَاءِ وَالْوَلَدِ لا يَسْكُنُ السَّمَاءَ وَلا الْعَرْشَ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَجْمًا يَمْلَأُ فَرَاغًا فَهُوَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الإِيمَانِ بِالشَّىْءِ أَنْ يُتَصَوَّرَ بِالْعَقْلِ أَوْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِوُجُودِ الْخَالِقِ وَإِنْ كُنَّا لا نَرَاهُ بِأَعْيُنِنَا فِى الدُّنْيَا فَهَذَا الْعَالَمُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَلا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ أَحَدٌ إِلَّا هُوَ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ وَلا خَالِقَ سِوَاهُ وَهُوَ وَحْدَهُ الأَزَلِىُّ الَّذِى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ وَلا أَزَلِىَّ سِوَاهُ وَاسْمُ الْخَالِقِ فِى لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ اللَّهُ.
فَإِذَا ءَامَنَ الإِنْسَانُ بِوُجُودِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا ءَامَنَ بِأَنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى كَافَّةِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى الإِسْلامِ أَىْ إِلَى عِبَادَةِ الْخَالِقِ وَحْدَهُ وَأَنْ لا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَأْمُرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِشَرِيعَتِهِ وَيَتَّبِعُوهُ فِى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ فَيَجِبُ الإِيمَانُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِى كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ رَبِّهِ لِأَنَّ خَبَرَ مَنْ ثَبَتَتْ رِسَالَتُهُ بالْمُعْجِزَاتِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا، فَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّكَ صَدَّقْتَ بِوُجُودِ أُنَاسٍ كَانُوا فِى الزَّمَنِ الْمَاضِى مَعَ أَنَّكَ لَمْ تَرَهُمْ فَنَحْنُ أَيْضًا صَدَّقْنَا بِوُجُودِ هَذَا النَّبِىِّ وَأَنَّهُ دَعَا النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ فَالإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَلا دِينَ صَحِيحٌ إِلَّا الإِسْلامُ فَالإِنْسَانُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِى بَلَغَهُ أَصْلُ دَعْوَةِ الإِسْلامِ أَىْ بَلَغَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه إِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الإِسْلامِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِى الإِسْلامِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَمَاتَ عَلَى الإِسْلامِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيُنَعَّمُ فِيهَا أَمَّا إِذَا بَقِىَ عَلَى غَيْرِ الإِسْلامِ إِلَى أَنْ مَاتَ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ فِى نَارِ جَهَّنَمَ عَذَابًا أَبَدِيًّا.
وَالدُّخُولُ فِى الإِسْلامِ يَكُونُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاللِّسَانِ لِلْقَادِرِ عَلَى الإِتْيَانِ بِهَا مَعَ اعْتِقَادِ مَعْنَاهُمَا بِالْقَلْبِ وَالتَّخَلِّى عَنْ كُلِّ مَا يُبْطِلُ الإِسْلامَ كَأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه أَوْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه أَوْ مَا يُعْطِى مَعْنَاهُمَا وَلَوْ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ بِحَرْفِ الْحَاءِ فَقَالَ مُهَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالْهَاءِ يُقَالُ لَهُ قُلْ أَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ أَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّه بِقَافٍ مَعْقُودَةٍ كَمَا يَلْفِظُهَا أَهْلُ الْيَمَنِ وغيْرها مِنْ بِلَاد المُسْلمِين.