حديث (إنَّ هذا الدّينَ بدأَ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأَ فطُوبـَى للغُـرَباءِ)
31 ديسمبر 2020الإمام الفقيه المالكي يحيى بن عمر
2 يناير 2021معنى قول بعض العلماءِ (لازمُ المذهبِ مذهبٌ) وقول بعضهم (لازمُ المذهبِ ليسَ مذهبًا) وكيف يجمع بينهما وكيف خلط بعض الجهال بينهم (1)
معنى قول بعض العلماءِ (لازمُ المذهبِ مذهبٌ) وقول بعضهم (لازمُ المذهبِ ليسَ مذهبًا) وكيف يجمع بينهما وكيف خلط بعض الجهال بينهم (1)
ولكي نفهم هذا الأمر علينا معرفة أمور وهي ما هو المذهب؟ وما معنى لازم المذهب؟ وما هو اللازم الخفي؟ وما هو اللازم البَيِّن؟ وهل إذا قال الشخص كلامًا يؤاخذ بكل لوازمه؟
كثير من الناس يختلط عليهم هذا الأمر فبعض أهل الضلالِ يقولونَ (ما يلزمُ من قولِ مسلمٍ أو من فعلهِ إن كان يؤدي إلى الكفرِ لا يكفُرُ عليهِ) ويستدلون على زعمهم بقولَ بعض العلماءِ (لازم المذهبِ ليس بمذهبٍ) ولبيان ذلك نشرع في بيان ما قدمنا فنقول:
أولًا: المذهب هو ما ذهب إليه المجتهد أو العالم أو الشخص من صريح كلامه فما صرح به يقال له مذهبه بناء على ما ظهر له من دلالات.
فمثاله أنّ مالكاً قال إذا نوى الصّيام لجميع الشهر (أي شهر رمضان) من أول ليله أجزأه خلافاً لأبي حنيفة والشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم (وإنما لامرئ ما نوى) فعم، ولأن النية وقعت لهذا الصوم في زمان يصلح جنسه لنية الصوم من غير أن يتخلل النية وللصيام المنوي زمان يصلح جنسه لصوم سواه فجاز ذلك أصله إذا نوى لليوم الأول من ليلته وإذا نوى لكل يوم من ليلته، هذا يقال له ما ذهب إليه وهو ما يسمى مذهبه، ذكر ذلك القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي (422 هـ) في الإشراف على نكت مسائل الخلاف.
وأن الشافعي قال بوجوب التبييت في صيام الفرض بناء على أدلة ظهرت له وهو خلو أول النهار عن نية هي مفسدة له فقوله بوجوب التبييت في صيام الفرض هذا يقال له ما ذهب إليه وهو ما يسمى مذهبه.
وثانيًا: لازم المذهب هو ما ليس بصريح قوله لكنه يلزم من قوله أو ما كان مؤدى قوله وقد يكون خفيًا غير واضح مبهمًا أو بيِّنًا واضحًا جليًا وقد يكون في القطعيات وقد يكون في غيرها.
وقد يكون هذا اللازم ينفك عنه أو لا ينفك عنه ومع أن الأصل في اللازم عدم انفكاكه عن الملزوم لكنه يطلق عليه لازم من باب التجوز إذ اللازم في الحقيقة ما لا ينفك عن الملزوم، فما ينفك عنه في الحقيقة لا يقال له لازم إلا من باب التجوز وهو ما يسمى بالتابع أو الرديف فهذا التابع قد ينفك عنه أو يتخلف لفقد شرط أو وجود مانع وهو ما يعبر عنه بعض الفقهاء بلازم المذهب ويقولون لازم المذهب ليس بمذهب لجواز تخلف اللازم عن الملزوم، أما اللوازم في الحقيقية وهي اللوازم العقلية فلا تتخلف عن ملزومها.
فعلى ما ذكرنا نعرف هنا الفرق بين ما ذهب إليه وبين ما التزمه وبعد هذا فهل يؤآخذ بلوازم كلامه فيقال له حينها يلزم من قولك كذا، فهنا منشأ الخبط والخلط لمن لم يفهم كلام العلماء ولم يفرق بين اللازم الخفي واللازم البيِّن وبين ما هو لازم في الحقيقة وبين ما صورته صورة اللازم.
ولنضرب مثلًا لكل منها ليتضح الفرق بينها (اللازم الخفي واللازم البيِّن وبين ما هو لازم في الحقيقة وبين ما صورته صورة اللازم) فمن اللازم البيِّن الواضح الجلي الذي لا ينفك عن ملزومه أن نقول مثلًا وجود النهار يلزم منه طلوع الشمس فلو قال جاهل لا يلزم من اعترافي بوجود النهار طلوع الشمس لأن لازم المذهب ليس بمذهب لصار ضحكة للناظرين ولقال له الناس هذا جنون وهي من السفسطة التي هي انكار المحسوسات.
أما لو قيل مثلًا الطوفان في الليل يلزم منه أن يكون الطائف خرج للسرقة فيقال له لا يلزم منه ذلك فقد يكون خرج للحراسة أو للتصدق خفية فهذا من اللازم الخفي الذي يقبل الانفكاك عن ملزومه فإن لم يصرح بأنه يلتزمه أو يعرض عليه فيلتزمه لا يؤآخذ بملزومه.
والفرق بين هذا والذي قبله أي بين اللازم الخفي واللازم البيِّن أن اللازم البيِّن يكون من اللوازم العقلية فيمتنع انفكاكه عنه وهو واضح لا ينكره إلا من ينكر المحسوسات ويكون هزأة للساخرين.
وبعد هذه المقدمة نشرع في بيان ما ضل به البعض فزعموا أنه لا يكفر المرء بالتلفظ بكلمة الكفر ولو كان عالمًا بمعناها وقالها مختارًا ما لم يعتقد لوازمها ومنهم لا يُكفِّرون القائلين بالجهةِ في حقِّ اللهِ ولا يُثبِتون لهم التجسيم لمجرد أنهم يقولونَ نحنُ لسنا مُجسمة وكذلكَ منهم لا يُكفِّرونَ القائلينَ بأن كلامَ اللهِ الذي هو صفةُ ذاتهِ مخلوقٌ والعياذ بالله مما قالوا، كل هؤلاء ضلُّوا لأنهم فهموا قولَ بعض العلماءِ (لازم المذهبِ ليس بمذهبٍ) على غير وجهها وأنزلوها غير منزلها.
ولتوضيح هذه المسألة نقول قال بعضُ العلماءِ (لازمُ المذهبِ مذهبٌ) وقال بعضٌ (لازمُ المذهبِ ليسَ مذهبًا) ومحل الخلافِ ما إذا لم يكن اللازمُ بيِّنًا، أما إذا كان اللازمُ بيِّنًا فهو مذهبٌ له جزمًا، ولتوضيح ذلك نقول أن كلام العلماء ينقسم لقسمين رئيسيين:
(1) قال بعضُ العلماءِ (لازمُ المذهبِ مذهبٌ) أي إذا كان اللازم بيِّنًا.
(2) وقال بعضٌ (لازمُ المذهبِ ليسَ مذهبًا) أي إذا كان اللازم غير بيِّن.
يتبع في الجزء الثاني.