حديث (خَصْلَتَانِ مَا إِنْ تَجَمَّلَ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهِمَا حُسْنُ الْخُلُقِ وَطُولُ الصَّمْتِ)
22 يناير 2022حديث (عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا)
5 فبراير 2022الْمَلائِكَةُ الْمُوَكَّلِينَ بِكِتَابَةِ عَمَلِ الْعَبْدِ يَكْتُبُونَ مَا يَلْفِظُ بِهِ هَذَا الإِنْسَانُ مِنْ حَسَنَاتٍ أَوْ سَيِّئَاتٍ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا
لِيُفَكِّرِ الْعَاقِلُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿مَّا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (سُورَةَ ق 18) فَإِنَّ مَنْ فكَّرَ فِي ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي الْجِدِّ أَوِ الْهَزْلِ أَوْ فِي حَالِ الرِّضَا أَوِ الْغَضَبِ يُسَجِّلُهُ الْمَلَكَانِ، فَهَلْ يَسُرُّ الْعَاقِلَ أَنْ يَرَى فِي كِتَابِهِ حِينَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْخَبِيثَةُ؟ بَلْ يَسُوؤُهُ ذَلِكَ وَيُحْزِنُهُ حِينَ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ، فَلْيَعْتَنِ بِحِفْظِ لِسَانِهِ مِنَ الْكَلامِ بِمَا يَسُوؤُهُ إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿مَّا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (سُورَةَ ق 18) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَلائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِكِتَابَةِ عَمَلِ الْعَبْدِ يَكْتُبُونَ مَا يَلْفِظُ بِهِ هَذَا الإِنْسَانُ مِنْ حَسَنَاتٍ أَوْ سَيِّئَاتٍ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ يَكُونُ عَلَى الْكَتِفِ الأَيْمَنِ وَالآخَرَ عَلَى الْكَتِفِ الأَيْسَرِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ وَالآخَرَ فِي جِهَةِ شِمَالِهِ.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ الإِنْسَانُ بِمَا لا خَيْرَ فِيهِ، فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الإِنْسَانَ لا يُعْفَى مِنْ كِتَابَةِ أَقْوَالهِ كُلِّهَا مَا كَانَ مِنْهَا حَسَنَةً مِنَ الْحَسَنَاتِ كَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ مِنْ كُفْرٍ وَمَا دُونَهُ، وَيَكْتُبُونَ أَيْضًا الْمُبَاحَاتِ أَيِ الْكَلامَ الَّذِي لَيْسَ بِحَسَنَةٍ وَلا سَيِّئَةٍ كَأَنْ يَقُولَ اعْمَلُوا لِي شَايًا أَوِ اعْمَلُوا لِي طَبِيخًا وَكَقَوْلِهِ كُلْ أَوِ اقْعُدْ أَوِ اذْهَبْ، فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ لا يَتَكَلَّمَ بِالشَّرِّ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْزِنَ لِسَانَهُ هَذَا الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ مَعْصِيَةً مِنَ الْمَعَاصِي سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الْجِدِّ أَوِ الْمَزْحِ أَوْ حَالِ الرِّضَا أَوْ حَالِ الْغَضَبِ، لِأَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِذَا رَأَى فِي كِتَابِهِ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَيْدِي الْمَلائِكَةِ الْقَبَائِحَ مِنْ كُفْرٍ أَوْ مِنْ مَعَاصٍ فَإِنَّهُ يَسُوؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يُوجَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اسْتِغْفَارٌ تُمْحَى بِهِ الْمَعْصِيَةُ إِنَّمَا الِاسْتِغْفَارُ يَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أَيْضًا إِذَا تَابَ الإِنْسَانُ مِنْ كَلامٍ هُوَ مِنَ السَّيِّئَاتِ يُمْحَى ذَلِكَ الْكَلامُ مِنْ صَحِيفَتِهِ أَيْ يَمْحُوهُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِذَلِكَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ (مَا كَانَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ كَلامِ الْعَبْدِ يُمْحَى وَتُثْبَتُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ).
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ) فَإِذَا كَانَ الطَّلاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ جِدُّهُنَّ جِدًّا وَهَزْلُهُنَّ جِدًّا فَبِالأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْكُفْرِ جِدًّا إِنْ كَانَ فِي حَالِ الْمَزْحِ وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الرِّضَا، فَلا يُغْتَرَّ بِقَوْلِ بَعْضِ الْجُهَّالِ السُّقَّاطِ عَنِ الْكُفْرِ الَّذِي يَتَفَوَّهُونَ بِهِ بِلا اعْتِقَادٍ إِنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ وَيَسْتَدِلُّونَ بِالآيَةِ ﴿لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ (سُورَةَ الْبَقَرَة 225) يَزْعُمُونَ أَنَّ الأَيْمَانَ الْمَذْكُورَةَ فِي الآيَةِ الْكَلامُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ النَّاسُ بِلا اعْتِقَادٍ، وَمَا دَرَوْا أَنَّ الأَيْمَانَ هِيَ الْحَلِفُ، وَأَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ هُوَ الْحَلِفُ بِاللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ بِلا قَصْدٍ وَلا إِرَادَةٍ، فَإِنَّهُ لا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ الْحَلِفِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ قَوْلُ وَاللَّهِ، فَهَؤُلاءِ جَمَعُوا بَيْنَ كُفْرَيْنِ الْكُفْرِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ عَمْدًا بِلا اعْتِقَادٍ، وَالْكُفْرِ الَّذِي هُوَ تَبْرِيرُ كُفْرِهِمْ مُسْتَدِلِّينَ بِالآيَةِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، لِأَنَّهُمْ بِهَذَا نَسَبُوا تَحْلِيلَ الْكُفْرِ إِلَى الآيَةِ، وَالآيَةُ بَرِيئَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ وَمِنَ اسْتِدْلالِهِمْ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.