كثيرٌ من الناس يسأل بعضهم بعضًا هل الإنسان مخير أو مسيّر؟ وهو سؤال الجواب عنه سهل
10 أبريل 2018التّأمِينُ لدُعَاءِ الخَطِيب
11 أبريل 2018إن قال قائل إذا كان الأمر على ما ذكرتموه من أن الدعاء لا يدفع ضررًا ولا يجلب نفعًا لم يكن جرى به القضاء، فما فائدته وما معنى الاشتغال به؟
في شأن الدعاء للإمام أبي سليمان الخطابي (388هـ) :
فإن قال قائل فإذا كان الأمر على ما ذكرتموه من أن الدعاء لا يدفع ضررًا ولا يجلب نفعًا لم يكن جرى به القضاء، فما فائدته وما معنى الاشتغال به؟
فالجواب أن هذا من جملة الباب الذي وقع التعبّد فيه بظاهر من العلم يجري مجرى الأمارة المبشّرة أو المنذِرة دون العلة الموجِبة، وذلك والله أعلم، لِتكون المعاملة فيه على معنى الترجّي والتعلق بالطمع الباعثَين على الطلب دون اليقين الذي يقع معه طمأنينة النفس، فيُفضي بصاحبه إلى ترك العمل والإخلاد إلى دَعة العُطلة، فإن العمل الدائر بين الظفر بالمطلوب وبين مخافة فوته يحرّك على السعي له والدأب فيه، وأما اليقين فيسكّن النفس ويريحها، كما اليأس يُبلّدها ويُطفئها.
وقد قضى الله سبحانه أن يكون العبدُ ممتحَنًا ومعلّقًا بين الرجاء والخوف اللذين هما مدرَجتا العبودية ليُستخرج منه بذلك الوظائف المضروبة عليه التي هي سِمة كلّ عبد ونصبة كل مربوب مدبَّر، وعلى هذا بُنيَ الامر في معاني ما نعتقده في مبادئ الأمور التي هي الأقدار والأقضية مع التزامنا الأوامر التي تعبّدنا اللهُ تعالى بها ووعدنا عليها في المعاد الثوابَ والعقابَ. ولما عرَض هذا الإشكال سألت الصحابة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أرأيتَ أعمالنا هذه، أشيء قد فُرغ منه أم أمرٌ نستأنِفه، فقال صلى الله عليه وسلم: بل هو أمر قد فُرِغ منه، فقالوا ففيمَ العمل إذًا؟، قال صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خلِق له، قالوا: فنعمل إذًا.
ألا تراه صلى الله عليه وسلم كيف علّقهم بين الأمرين، فرَهَنهم بسابق القدَر المفروغ منه، ثم ألزمهُم العملَ الذي هو مَدرَجة التعبّد لتكون تلك الأفعال أمائر مبشّرة ومنذرة فلم يَبطل الثوابُ الذي هو كالفرع بالعلة التي هي له كالأصل، ولم يَترك أحد الأمرين للآخر. وأخبر مع ذلك أن فائدة العمل هو القدر المفروغ منه، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (فكلّ ميسّـرٌ لما خلق له)، يريد أنه ميسّـر في أيام حياته إلى العمل الذي سبق له القدر به قبل وقت وجوده وكونه، إلا أن الواجب أن تعلم فرق ما بين الميسّر والمسخّر، فتفهّم ذلك.
وكذلك القول في باب الرزق وفي التسبب إليه بالكسب وهو أمر مفروغ منه في الأصل لا يزيده الطلب ولا يُنقصه الترك، ونظير ذلك أمر العمر والأجل المضروب فيه في قوله عز وجلّ [فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] {الأعراف:34}، ثم قد جاء في الطب والعلاج ما جاء وقد استعمله عامة أهل الدين من السلف والخلف مع علمهم بأن ما تقدّم من الأقدار والأقضية لا يدفعه العلاج بالعقاقير والأدوية.
فإذا تأملت هذه الأمور علمتَ أن الله سبحانه قد لطف بعباده فعلّل طباعهم البشرية بوضع هذه الأسباب ليأنسوا بها فيخفف عنهم ثقل الامتحان الذي تعبّدهم به وليتصرفوا بذلك بين الرجاء والخوف، وليستخرج منهم وظيفتي الشكر والصبر في طورَي السرّاء والضرّاء والشدة والرّخاء، ومِن وراء ذلك عِلمُ الله تعالى فيهم، ولله عاقبة الأمور وهو العليم الحكيم لا معقب لحكمه ولا رادّ لقضائه لا يُسأل عمّا يَفعلُ وهُم يُسألون. اهـ كلام الخطابي وهو عجيبٌ لمن تأمله فرحمه الله من إمام بَرّ وعالم بحر.