توجد محاريب في بعض المساجد منحرفة عن القبلة انحرافاً يسيراً، فهل يجزئ استقبال الإمام للقبلة دون المصلّين؟
3 يناير 2024ما حكم صلاة الجمعة لو اقتصر الإمام في الخطبة الثّانية على الدعاء فقط؟
13 يناير 2024هل يصحّ في المذهب المالكي القول بجواز المسح على الجورب؟
هل يصحّ في المذهب المالكي القول بجواز المسح على الجورب؟
الجواب:
الجورب هو ما يُلبس في الرِّجْل، ويكون من قطن أو صوف ونحو ذلك، ويصل إلى الكعبين أو نصف السّاق وهو بهذه الصّفة لا يوجد قول في المذهب المالكي ولو ضعيفا بجواز المسح عليه ولكن وجد خلاف في الجورب المجلّد من جهة ظاهره وهو ما يلي السّماء، ومن جهة باطنه وهو ما يلي الأرض أي من جهة ما يُمشى عليه، فعن الإمام مالك في ذلك قولان، الأوّل جواز المسح عليه نظرا إلى كون ظاهره من جلد، إلحاقا له بالخفّ، والثّاني عدم الجواز، قصرا للرخصة على ما ورد فيها وقد وردت في الخفّ من الجلد دون أن يكون تحته جورب. واختار ابن القاسم القول بالجواز وهو مشهور المذهب، ولا يُعلم فيه خلاف.
وقد اُستُشكِل ما ذكره ابن ناجي في شرحه على قول ابن جلاب (ولا يجوز المسح على الجوربين إذا كانا غير مجلّدين) فالمشهور ما ذكره، وقيل يمسح، حكاه ابن الحاجب، وقَبِلَه ابن عبد السلام [1] ، فهذا الّذي ذكره ابن ناجي لا يصلح أن يكون مستنداً في وجود قول في المذهب يجوّز المسح على الجورب إذا كانا غير مجلّدين، ولو كان ضعيفاً، وذلك من وجهين:
أولاً أنّ محلّ الخلاف في المذهب ليس في الجورب الغير المجلّد، فذلك خارج عن محلّ النزاع، وإنّما الخلاف في الجورب المجلّد، ويسمّى الجرموق، هل يجوز المسح عليه أم لا؟ والّذي يدلّ على ذلك ما ذكره ابن الجلاّب (وقد اختلف قوله (أي الإمام مالك)، في المسح على الجوربين المجلّدين؛ فروي عنه جواز المسح عليهما، وروي عنه المنع منه، والروايتان معاً لابن القاسم) [2] ، أي ذكرهما ابن القاسم في المدوّنة، فقد جاء فيها (كان يقول مالك في الجوربين يكونان على الرِّجْل وأسفلهما جلد مخروز، وظاهرهما جلد مخروز، أنّه يُمسح عليهما، قال ثمّ رجع فقال لا يُمسح عليهما) [3].
ثانياً أنّ ما عزاه ابن ناجي لابن الحاجب وابن عبد السّلام بوجود قول ثان في المذهب بجواز المسح على الجورب الغير المجلّد لا يثبت، فقد جاء في مختصر ابن الحاجب قوله (فلا يمسح على الجورب وشبهه، ولا على الجرموق إلاّ أن يكون من فوقه ومن تحته جلد مخروز، ثمّ قال أي الإمام مالك لا يُمسح عليه، واختار ابن القاسم الأوّل، وهو جورب مجلّد، وقيل خفّ غليظ ذو ساقين، وقيل يمسح عليهما مطلقاً)، وقد ذهب خليل بن إسحاق إلى أنّ قوله (يمسح عليهما مطلقاً) راجع إلى الاختلاف في تعريف الجرموق، فقال ومعنى (مطلقاً) أي سواءٌ قيل إنّه جورب مجلّد أو خفّ غليظ [4] .
بخلاف ما ذكره ابن عبد السلام من أنّ قوله (يمسح عليهما مطلقاً) راجع إلى الجورب غير المجلّد وإلى الجرموق على قول من يرى أن الجورب غير المجلّد والجرموق مترادفان، ولكنّه عقّب عليه باستظهار عدم جواز المسح على كليهما، ما يفهم منه أنّه يقرّ بوجود قول في المذهب بجواز المسح على الجورب غير المجلّد، وهو غير صحيح.
فعلى فرض حمل كلام ابن الحاجب على الجورب وإن كان غير مجلّد، ومع أنّه ذكره بصيغة التّضعيف بـ قيل، فإنّ شارحين آخرين لمختصره قبل الشيخ خليل، وهما ابن راشد القفصي، وابن هارون التونسي قالا لا نعلمه في المذهب [5].
ويؤيّد هذا النّفي نصوص علماء المذهب، وإليك بعضاً منها:
قال ابن عبدوس (روى علىّ عن مالك، أنّه لا يمسح على الجوربين إلاّ أن يُخْرز على موضع القدم جلد فليمسح. وأباه في رواية ابن القاسم وإن خرز عليهما جلد) [6] .
قال الإمام المازري (لا يقاس الجوربين على الخفّين، فإن جلّدا فقد اختلف فيهما لأنّهما أشبها بالتجليد الخفين، فقاسهما مرّة عليهما، ومرّة لم يقس على الرخصة) [7] .
قال ابن راشد القفصي (لا يمسح على الجورب، فإن كان مجلداً ففي المسح روايتان؟ ابن القاسم ولا يمسح على الجرموق إلاّ أن يكون من فوقه ومن تحته جلد مخروز وعن مالك لا يمسح عليه) [8].
قال اللّخمي (واختلف في المسح على الجرموقين، فقال ابن القاسم، قال مالك في الجرموقين أسفلهما جلد مخروز، وظاهرهما جلد مخروز، يمسح عليهما، ثم رجع فقال لا يمسح عليهما) [9].
فالخلاصة، أنّ نسبة القول بجواز المسح على الجورب غير المجلّد إلى المذهب المالكي لا يصحّ.
والله تعالى أعلم.
—————————–
[1] ابن ناجي، شرح التفريع 1/80.
[2] ابن جلاب، التفريع 1/199.
[3] المدوّنة 1/44.
[4] التوضيح 1/222.
[5] التّوضيح 1/222.
[6] النوادر والزيادات 1/96.
[7] شرح التلقين 1/229.
[8] المهذب 1/166. لباب اللباب: 96.
[9] التبصرة 1/166.