أقوالُ العلماءِ في التبرّكِ برَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
16 نوفمبر 2016فتوى مفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد أحمد عليش المالكي فيمن أثبت الصوم على الحساب
16 نوفمبر 2016دليل أهل السنة على جواز لُبْس الحرز الموافق للشرع
كان الصحابة والتابعون ومن اتبعهم بإحسان من أهل العلم والفقه رضي الله عنهم يكتبون آيات من القرآن الكريم وأسماء الله الحسنى ويعلقونها على صبيانهم وغيرهم مثال المرضى وغيرهم، وهذا ما فعله خصوصاً الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لأحد أبنائه، أما المجسمة يدّعون أنهم حنابلة ثم يحرّمون ما فعله الإمام أحمد رضي الله عنه من ذلك، فلا دليل لهم ألبتة.
ودليل أهل السنة والجماعة على جواز لبس الحرز الذي فيه قرآن وأسماء من أسماء الله الحسنى قول الله تعالى (ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هو شِفاءٌ ورحمَةٌ للمؤمنين) (الإسراء 82).
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه (كنَّا نُعَلِّمُ صبياننا الآياتِ من القرآن، ومن لم يَبلُغْ نكتبها على ورقة ونُعَلِّقُها على صدره) رواه الترمذي.
قَالَ الحَافِظ ابْنُ عَبْد البَّر (ت 463 هـ) (قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (لَا بَأْسَ بِتَعْلِيقِ الْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَعْنَاق الْمَرْضَى عَلَى وَجْهِ الْتَّبَرُّكِ بِهَا، إِذَا لَمْ يُرِدْ مُعَلِّقُهَا بِتَعْلِيقِهَا مُدَافَعَةَ الْعَيْنِ).
وَهَذَا مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ، وَلَوْ نَزَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ جَازَ الرَّقْيُ عِنْدَ مَالِكٍ وَتَعْلِيقُ الْكُتُبِ) (1).
فلينظر المؤمن إلى قول الصحابي ابن الصحابي (كنا) أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة ذلك وتوافقهم عليه مجمع على جوازه إجماعاً سكوتياً على مرّ عصور أمة الإسلام لم يعارض ذلك سنّي.
شرح زائد:
روى أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنَّ الرُّقى والتمائم والتِّوَلة شرك)، هذا ليس المراد منه الحرز الذي فيه قرآن أو ذكر الله، ففرق كبير في اللغة العربية بين أن يقال تمائم وتولة ويقال قرآن.
وفي فتح الباري شرح البخاري يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله (هذا كله (أي الحديث الذي أوردناه وما أشبهه) فى تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه) فأما ما فيه ذكر الله فلا نهيَ فيه، فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره يريد أسماء الله وذكر الله.
وانظر إلى قول الحافظ ابن حجر (للتبرك) ومثله في الزرقاني على شرح موطأ مالك رضي الله عنه.
قال الأزهري في تهذيب اللغة (التَّمائم واحدتها تميمةٌ وهي خَرَزَات كانت الأعراب (يعني الكفار من أهل البادية في الجاهلية) يُعلقونها على أولادهم يَتَّقون بها النَّفْس والعَيْن بزعمهم، وهو باطل، وجعلها ابن مسعود من الشرك لأنهم جعلوها وَاقية من المقادير والموت، فكأنهم جعلوا لِلَّهِ شريكاً فيما قَدَّر وكتب من آجال العباد والأعراض التي تصيبهم) انتهى كلام الأزهري وهو من كبار اللغويين.
فمن جعل القرآن من جملة تمائم الجاهلية فهو ضالّ مفتر، كيف يجرؤ على تشبيه كتاب الله وما يعتقده المسلمون فيه من البركة، بخرزات مشركي الجاهلية! أيّ جرأة على الباطل هذه!!
وقال ابن منظور في لسان العرب (وفـي الحديث مَنْ عَلَّق تَمِيمةً فلا أَتَمَّ اللَّه له، ويقال هي خَرزة كانوا يَعْتَقِدون أَنها تَمَامُ الدَّواء والشِّفاء، قال وأَمّا الـمعاذاتُ إذا كُتِب فـيها القرآن وأَسماءُ اللَّه تعالـى فلا بأْسَ بها) هذا كلام أهل اللغة قد تقدم.
أما من شبه فعل الصحابة بفعل مشركي البوادي من أهل الجاهلية، فهذا لا هو وافق اللغة ولا هو وافق دين الله تعالى.
وفي السنن الكبرى للبيهقي رحمه الله قال (كانَ سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ يَأْمُرُ بتعليقِ القرآنِ، وقالَ لا بأسَ بِهِ، قال الشيخ (البيهقي) رحمه الله وهَذَا كُلُّهُ يرجعُ إلى ما قُلْنَا من أنهُ إِنْ رَقَى بما لا يُعْرَفُ، أو على ما كانَ من أهلِ الجاهليةِ من إضافةِ العافيةِ إلى الرُّقَى لم يَجُزْ، وإِنْ رَقَى بكتابِ الله أو بما يُعْرَفُ من ذِكْرِ الله متبركاً بِهِ وهو يَرَى نزولَ الشفاءِ من الله تَعَالى، فلا بأسَ بِهِ، وبالله التوفيقُ).
انظر إلى قول الإمام البيهقي رحمه الله (متبركاً به) وفيه كذلك أن سعيدَ بنَ جُبَيْرٍ (وهو مجتهد من تلامذة ابن عباس رضي الله عنهم) كانَ يَكْتُبُ لابْنِهِ المعَاذَةَ، قالَ وسألتُ عطاءً فقالَ مَا كُنَّا نَكْرَهُهَا، إِلاَّ شيئاً جاءَنَا مِنْ قِبَلِكُمْ). انتهى
وكل المجسمة نفاة التوسل لو جمعوا جميعهم أجمعين فهم بعيدون جداً من أن يصلوا إلى تلامذة أمثال البيهقي، ناهيك عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وكلهم من كبار المجتهدين من السلف الصالح رضي الله عنهم، وسيأتي كلام الشعبي وهو كذلك مجتهد من كبار علماء السلف قال بما لا لبس فيه إن ذلك لا بأس به، نقله الإمام أحمد في كتاب العلل ومعرفة الرجال وأقرّه، بل هو من فعل الإمام أحمد بن حنبل لأحد أبنائه.
ففي ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻷﺑﻲ ﺩﺍﻭﺩ ﺍﻟﺴﺠﺴﺘﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻧﺼﻪ (ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻗﺎﻝ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺩﺍﻭﺩ ﻗﺎﻝ ﺭﺃﻳﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﺑﻦ ﻷﺣﻤﺪ (أي ولد من أولاد الإمام احمد) ﻭﻫﻮ ﺻﻐﻴﺮ ﺗﻤﻴﻤﺔ (ﺃﻱ ﺣﺮﺯ) ﻓﻲ ﺭﻗﺒﺘﻪ ﻣﻦ ﺃﺩﻳﻢ (والأديم الجلد)).
وفي كتاب العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد كذلك يروي عنه ابنه عبد الله بإسناده إلى الشعبي وهو أحد الأئمة المجتهدين من السلف كذلك قال (لا بأس بالتعويذ من القرآن يعلق على الإنسان).
وقال الحافظ المجتهد ابن المنذر في الأوسط (ورخص بعض من كان في عصرنا (أي من المجتهدين أهل العلم) للجنب والحائض في مس المصحف ولبس التعويذ (انظر إلى قوله لبس التعويذ) ومس الدراهم والدنانير التي فيها ذكر الله تعالى على غير طهارة).
فظهر أن هذا قول جملة من مجتهدي السلف رضي الله عنهم لا يخالف فيه إلا جاهل مبتدع.
ولو أردنا أن نجمع أكثر من ذلك من نقول المذاهب الأربعة وغيرها لجمعنا الشيء الكثير، ولكن دليلاً واحداً مما تقدّم يكفي من يخاف الله تعالى.
(1) التَّمْهيد لِلْحَافِظ ابن عَبْد البَر (17 /161)، النَّاشر وَزَارَة الأَوْقَاف وَالشُّؤُون الإسْلاَمِيَّة الـمَمْلَكَة الـمَغْربِيَّة.