عقيدة أَئمة السادة المالكية في الغرب الإسلامي
16 يوليو 2022ليس على المرأة أن تقوم قبل الفجر فتنظر في طهرها
24 يوليو 2022مذهبنا معاشر المالكيّة أنّ الحلف الجائز هو بالله وبصفات ذاته والحلف بغيره ممنوع
لا يجوز تعظيم أحدٍ كتعظيم الله
الله تعالى هو المعبود بحق الذي لا يجوز ان يتذلّل نهاية التذلّل إلا له، فلا يجوز عبادة أحدٍ من خلق الله لا مَلَكٍ ولا نبيٍّ، إنما الأنبياء يُعظمون بما دون تعظيم الله، بمرتبة من التعظيم هي دون تعظيم الله، أقل من تعظيم الله نعظّمهم، ثم الملائكة والأنبياء يعظمون إلى الحد يليق بهم.
الذي يحلف بغير الله معظّماً له كتعظيم الله يكون كافراً، أمّا الذي يعظم غير الله لا على هذا الوجه فلا يكفّر، لكنّ الحَلِفَ بغير الله مكروهٌ على الإطلاق، مكروهٌ الحَلِفُ بالنبي ومكروهٌ الحَلِفُ بجبريل أو بإسرافيل او ميكائيل أو بغيرهم، كذلك الحَلِفُ بالكعبة مكروه أما الحلف بالقرءان فإذا قال والقرءان إذا قصد الكلام الذّاتي ليس مكروهاً، جائزٌ وثبتت اليمين أما وحياةِ القرءان فهذا لغوٌ لا يصح، الحلِف بالقرءان بلفظ والقرءان أو أقسم بالقرءان جائز أما بحياة القرءان فاسدٌ، القرءان لا يُقال له حيٌّ ولا ميّت، الله تعالى هو المتّصف بالحياة الأزلية الأبدية التي لَيست بلحم ودمٍ وروح فالذي يجوز أن نحلف بحياة الله (يقال أقسم بحياة الله أو وحياة الله أو بحياة الله أو نحو ذلك) أما وحياة القرءان فهو ممنوع لأنه كلامٌ لا معنى له، هم الناس الذين يحلفون هذا الحلف يقصدون بقولهم وحياة القرءان وكرامة القرءان ومع ذلك فهذا اللفظ ممنوع، ثم إذا شخص قال وحياة القرءان وكسر يَمينه فليس عليه كفّارة لأنّ يمينه غيرُ شرعيّة،
الذي يقول والقرءانِ أو أقسم بالقرءان يمينُه صحيحة فإذا كسر عليه كفارة واجبة الكفارة وهي إعتاق رقبة او إطعام عشرة مساكين أو كسوتُهم فمن عجز عن ذلك كله فكفارته صيام ثلاثة أيام متواليات أو متفرّقات، أما لو قال واللا بلا هاء لا تثبت يمينه فيمينه غير ثابت فإن كسرَ كلامَه فليس عليه كفارة أما الذي يقول والله بالهاء الساكنةِ أو واللهِ أو واللهَ أو واللهُ تثبت عليه اليمين، أما بدونِ الهاء لا تثبت اليمين بل حرامٌ فمن ترك الهاء فقد حرّف اسم اللهِ فعليه ذنبٌ ثم ليس له ذرّة من الثواب الذي يقول اللا بلا هاء لو قال مليون مرّة لأنه ما ذكر الله ولو كان هو قصده ذِكر الله، لأنه ما ذكره باسمه ذكره بغير اسمه، كثير من الناس يضيّعون أنفاسَهم لأنهم يحرفون اسم الله، الحاصل أن الحلف بغير الله ممنوع حتّى بالكعبة حتى بالرسول حتّى بالعرش في بعض المذاهب مكروه وفي بعض المذاهب حرام عند الإمام أحمد الحلف بغير الله حرام أما عند الإمام الشافعي مكروهٌ كراهية شديدة الحلفُ بغير الله، ومذهبنا السادة المالكيّة (1) أنّ الحلف الجائز هو بالله وبصفات ذاته والحلف بغيره ممنوع كالحلف بالأنبياء والآباء أو بالكعبة أو ما أشبه ذلك من المخلوقات لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا إلا بالله ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) كما في المعونة على مذهب عالم المدينة للقاضي الجليل عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي وذلك لأن الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال (من كَانَ حَالِفاً فَليَحْلِف بالله أو ليَصْمُت) أي ليسكت إن أراد الحلف فليحلف بالله وإلا لا يحلف بشىءٍ من العالم لا يحلف لا بالنبي ولا بالملائكة ليسكت فلما قال الرسول صلى الله عليه وسلَّم من كان حالفاً فلِيحلف بالله أو ليصمت علمنا أن الحلف بغير الله لا يثبت يميناً فمن كسر الحلف الذي هو بغيرِ اللهِ فليس عليه كفّارة أما من يحلف بغير الله معظِـّماً له كتعظيم الله فهذا كفرٌ والعياذ بالله، وهذا معنى حديث من حلف بغير الله فقد أشرك أي إن حلف بغير الله معظما له كتعظيم الله، أما إذا كان حلف بغير الله ممّا يعبُده الكفّار ولا يقصد تعظيمه كتعظيم الله فلا يكفر لكن حرام، كان في الحجاز في الجزيرة العربية أوّلَ ما بعث الرسول كان أهل مكّة مشركين كانوا يعبدون الأوثان، كان حول الكعبة في الجانب الشمالي من الكعبة يوجد مكان يقال له الحَطِيْم هناك كان المشركون وضعوا ثلاثمائة وستّين صنماً يعبدونها من دون الله تعالى، كان من بين أولئك أصنام يعظّمونها أكثرَ من غيرها من الأصنام، منها صنم يسمونه اللاَّت وصنمٌ يسمونّه هُبل كانوا يعدّونه وثنًا ذكراً أما العزّى كانوا يعتبرونها وثناً أنثى وكذلك كان لهم وثن ءاخر اسمه مناف هؤلاء الأصنام الثلاثة كانوا عند مشركي مكة لهم مَزِيّة كبيرة، لهم مرتبةٌ كبيرة وكذلك كان لهم صنم كبير يسمّونه هبل، بعض أصحاب رسول الله بعدما أسلم وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولكن كان زمانُه منذ أسلم قريباً لم يكن طويلاً حلف ذات يومٍ باللاّتِ بهذا الصنم المشهور الذي له عندهم مرتبةٌ كبيرة فشعَرَ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (مَن حَلَفَ باللاَّتِ فَليَقُل لا إلهَ إلاّ الله) هكذا قال، لو كان هذا الذي سمعه الرسول حلف باللاّت ذلك الصّنم المشهور على نيّة تعظيمه كتعظيم الله كان الرسول قال له أسْلِم من جديد، لو كان حَلَف به كما كانوا يحلفون به قبل إسلامهم كان الرسول قال له اسلم من جديد، لكن هو على حسب ما ألِفَ، كان متعوّداً على ذلك، ما قصد أن يعظِـّمه كما كان يعظّمه لما كان على عبادة الأوثان، لما كان على الشرك كان يعظمه كتعظيم الله لكن هذه المرة لما قال واللاّت ما كان يعظّمه كتعظيم الله، من حلف بغير الله معّظماً له كتعظيم الله فقد كفر فهو مشرك، وأما من حلف بغير الله لا مُعَظّماً له كتعظيم الله فلا يكفر، قال الشافعي رضي الله عنه (من حَلفَ بغيرِ اللهِ أخشى أن يكون معصية) ما قال معصية فيفسَّر كلامُه بالكراهة، أي أنّه أراد أن الحلف بغير الله مكروه لكن كراهة شديدة عنده لأنه قال أخشى أن يكون معصية وقال الإمامُ أحمد (إنّ الحَلِفَ بغير الله معصية).
رحم الله من كتبه ومن نشره.
(1) جاء في المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس لأبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي (المتوفى 422 هـ) كتاب الأيمان والنذور (الحلف الجائز هو بالله وبصفات ذاته والحلف بغيره ممنوع كالحلف بالأنبياء والآباء أو بالكعبة أو ما أشبه ذلك من المخلوقات لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا إلا بالله ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت).
وفي التاج والإكليل لمختصر خليل للشيخ أبي عبد الله المواق المالكي العبدري الغرناطي (المتوفى 897 هـ) كِتَابُ الْأَيْمَانِ، بَابٌ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ، (قوله) (وَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ إنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِالنَّبِيِّ أَوْ بِالْكَعْبَةِ وَالْيَمِينِ بِذَلِكَ مَمْنُوعَةٌ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَكْرُوهَةٌ.
وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي (المتوفى 1230 هـ) بَابِ الْإِخْبَارِ لَا الْإِنْشَاءِ، قوله (وَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) وَالرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَسِرِّ الْإِمَامِ وَالْوَلِيِّ فُلَانٍ مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ مُعَظَّمٍ شَرْعًا فَعَلْتُ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، وَفِي حُرْمَةِ الْحَلِفِ بِذَلِكَ، وَكَرَاهَتِهِ وَهُوَ صَادِقٌ قَوْلَانِ.