صَلاة الضُّحَى
4 نوفمبر 2016هل يجوز للمصلي أن يقرأ من المصحف؟
4 نوفمبر 2016أقوال العلماء في تحريك الإصبع في التشهد
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ، أما بعد، فقد جاء في شَرْح صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (باب صفة الجلوس فى الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِىٍّ الْقَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِىُّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنِى عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِى الصَّلاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَىَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ.
حديث ابن الزبير (وأشار بإصبعه السبابة ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى) وذكر فى حديث ابن عمر أنه عقَد ثلاثًا وخمسين وأشار بالسبابة، ظاهر الروايتين الخلاف إذ ليس فى عقد ثلاث وخمسين وضع إبهام على الوسطى، إِلا أن يُريد على حرف إصبعه الوسطى فتتفق الروايتان، وفى كتاب أبى داود من حديث وائل بن حُجر وقبض ثنتين وحلق حلقة.
اختلف العلماء فى هذه الهيئة فرأى بعضهم التحليق اتباعاً لحديث وائل بن حُجر، وأنكره بعض علماء المدينة وأخذ بحديث ابن عمر وذهب بعضهم أن يُحَلِّقَ فيضعَ أنملة الوسطى بين عقدتى الإبهام، وأجاز الخطّابى التحليق برؤوس أنامل الوسطى والإبهام حتى تكون كالحلقة لا يفصل بين جوانبها شىء.
وقوله (وأشار بإصبعه السبابة) وهو كقوله الذى فى الحديث الآخر (التى تلى الإبهام) واختلف العلماء فى الإشارة بالإصبع وفى صفتها بحسب اختلاف الآثار فى ذلك وفى علة ذلك، فجاء فى الحديث (لأنها مذَبَّة الشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه)، وقيل (معناه) يتذكر بذلك أنه فى الصلاة، وقيل لأنها من التذلل والخضوع، وقيل بل المراد بها الإشارة للتوحيد، وقيل إشارة إلى صورة المحاسبة ومحاكاة المناجاة، ومنع بعض العراقيين فى تحريكها جملة، واختلف المذهب عندنا فى صفة تحريكها ووقته، وقيل تمد من غير تحريك، وقيل تحرك عند الشهادة وهما بمعنى، وهذا يكون معنى مدها عند الشهادة وهو تحريكهما، ومن ذهب إلى أنها مقمعة ومذبَّةٌ للشيطان وليتذكر بها وصَلَ تحريكها، وقد روى عن مالك أنه كان يحركها ويُلِحَّ بها، وأَحاديث مسلم إنما فى جميعها (وأشار بإصبعه) انتهى كلام القاضي رحمه الله.
وفي الثمر الداني شرح رسالة القيرواني للأبي الأزهري المالكي واختلف في تحريكها فقال ابن القاسم يحركها وهو المعتمد وقال غيره لا يحركها، وعلى القول بأنه يحركها فهل في جميع التشهد أو عند الشهادتين فقط قولان اقتصر في المختصر على الأول، وظاهر كلام ابن الحاجب أن الثاني هو المشهور، وعلى القولين فهل يمينـًا وشمالا أو أعلى وأسفل قولان.
وفي شرح التلقين للإمام الكبير أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي (المتوفى 536 هـ) كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها (فصل) والجواب عن السؤال الثاني أن يقال ذكر ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابع يده إلا التي تلي الإبهام وقال بعض المتأخرين هذا يقتضي إطلاقه أن هذا الفعل كان في جميع الجلوس ولو اختلف حكم الجلوس لفصله ابن عمر وقال غيره إنما يختار هذا في جلوس التشهد وأما الجلوس بين السجدتين فإنه يبسط كفيه على فخذيه.
وقد اختلف المذهب في الأصبع إذا بسطت هل تحرك أم لا؟ فقال ابن القاسم رأيت مالكًا يحركها في التشهد ملحًا وقيل لا يحركها بل يجعل جانبها الأيسر مما يلي السماء واختلف في تعليل كون هذه الأصبع مخالفة لشكل الأصابع فقيل مَقْمعةً للشيطان وقال الداودي ليذكر أنه في الصلاة وقيل إشعارًا بالتوحيد وقال بعض أصحاب مالك من علل بالمقمعة أو نفي السهو حركها ومن علل باستشعار التوحيد لم يحركها وذكر عن يحيى ابن عمر أنه كان يحركها عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وعندي أن ابن عمر إنما حركها عند هذا الموضع لأنها حركة تستعمل في تقرير الأمر وثبوته ألا ترى أن الإنسان إذا حادث صاحبه حرك إصبعه كالمقرر بها والمحقق حديثه فلما افتتح المصلي الشهادتين رأى ابن عمر أن ذلك مما يحتاج إلى التقرير فكأنه قرر على نفسه وحقق عندها صحة ما أخذ فيه.
وروى أبو داود عن عبد الله بن الزبير أنه ذكر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يشير بإِصبعه إذا دعا، ولا يحركها.
وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عن مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، رافعاً إصبعه السبابة قد حناها شيئاً.
قال الإمام النووي في كتابه المجموع (وهل يحركها عند الرفع بالإشارة؟ فيه أوجه (الصحيح) الذي قطع به الجمهور أنه لا يحركها فلو حركها كان مكروها ولا تبطل صلاته لأنه عمل قليل (والثاني) يحرم تحريكها فإن حركها بطلت صلاته حكاه عن أبي علي بن أبي هريرة وهو شاذ ضعيف (والثالث) يستحب تحريكها حكاه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون، وقد يحتج لهذا بحديث وائل بن حجر رضي الله عنه أنه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر وضع اليدين في التشهد قال ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها، رواه البيهقي بإسناد صحيح، قال البيهقي يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها فيكون موافقا لرواية ابن الزبير وذكر بإسناده الصحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا لا يحركها، رواه أبو داود بإسناد صحيح وأما الحديث المروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان) فليس بصحيح قال البيهقي تفرد به الواقدي وهو ضعيف). اهـ
وفي كتاب تحفة الأحوذي للمباركفوري كتاب الصلاة عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاءَ في الإشارةِ (في التشهد) (قد جاء في تحريك السبابة حين الإشارة حديثان مختلفان، فروى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن الزبير قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها) قال النووي إسناده صحيح)، فهذا الحديث يدل صراحة على عدم التحريك وهو قول أبي حنيفة وحديث وائل بن حجر يدل على التحريك وهو مذهب مالك.
قال البيهقي يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها حتى يعارض حديث ابن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بلفظ (كان يشير بالسبابة ولا يحركها ولا يجاوز بصره إشارته).
قال الشوكاني في النيل ومما يرشد إلى ما ذكره البيهقي، رواية أبي داود لحديث وائل فإنها بلفظ (وأشار بالسبابة). انتهى
فائدة:
فهذه بعض الأحاديث والنقول الواردة في سنية رفع الأصبع في التشهد وكيفيتها ففي سنن أبي داود عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها.
وفي صحيح ابن حبان عن زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب قال أخبرني أبي أن وائل بن حجر الحضرمي أخبره قال قلت لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فنظرت إليه حين قام … ثم جلس فافترش فخذه اليسرى وجعل يده اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى وعقد ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد فرأيت الناس عليهم جل الثياب تتحرك أيديهم تحت الثياب.
وفي صحيح ابن خزيمة عن زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب قال أخبرني أبي أن وائل بن حجر أخبره قال قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله … ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها. قال أبو بكر ليس في شيء من الأخبار يحركها إلا في هذا الخبر، زائدة ذكره.
وفي المجموع شرح المهذب للنووي وقد يحتج لهذا بحديث وائل بن حجر رضي الله عنه أنه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر وضع اليدين في التشهد قال (عند رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها) رواه البيهقي بإسناد صحيح، قال البيهقي يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها، فيكون موافقـًا لرواية ابن الزبير، وذكر بإسناده الصحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا لا يحركها رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وفي نيل الأوطار للشوكاني قال البيهقي يحتمل أن يكون مراده بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها حتى لا يعارض حديث ابن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بلفظ (كان يشير بالسبابة ولا يحركها ولا يجاوز بصره إشارته) قال الحافظ وأصله في مسلم دون قوله (ولا يجاوز بصره إشارته) انتهى وليس في مسلم من حديث ابن الزبير إلا الإشارة دون قوله ولا يحركها وما بعده ومما يرشد إلى ما ذكره البيهقي رواية أبي داود لحديث وائل فإنه بلفظ أشار بالسبابة.
وفي روضة الطالبين للنووي وعلى الأقوال كلها يستحب أن يرفع مسبحته في كلمة الشهادة إذا بلغ همزة (إلا الله)، وهل يحركها عند الرفع وجهان الأصح لا يحركها، ولنا وجه شاذ أنه يشير بها في جميع التشهد. قلت وإذا قلنا بالأصح إنه لا يحركها فحركها لم تبطل صلاته على الصحيح.
وفي مغني المحتاج للخطيب الشربيني والرفع عند الهمزة لأنه حال إثبات الوحدانية لله تعالى، وقيل يشير بها في جميع التشهد ولا يحركها عند رفعها لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفعله رواه أبو داود من رواية عبد الله بن الزبير وقيل يحركها لأن وائل بن حجر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، قال البيهقي والحديثان صحيحان، قال الشارح وتقديم الأول النافي على الثاني المثبت لما قام عندهم في ذلك. اهـ
وفي المغني للمقدسي ويشير بالسبابة يرفعها عند ذكر الله تعالى في تشهده لما رويناه ولا يحركها لما روى عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه ولا يحركها، رواه أبو داود.
وفي كشاف القناع للبهوتي الحنبلي ويشير مرارًا كل مرة عند ذكر لفظ (الله) تنبيهًا على التوحيد ولا يحركها لفعله صلى الله عليه وسلم.
وفي مجمع الزوائد للهيثمي وعن نافع أن ابن عمر كان إذا صلى أشار بأصبعه وأتبعها بصره وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لهي أشد على الشيطان من الحديد) رواه البزار وأحمد وفيه كثير بن زيد وثقه ابن حبان وضعفه غيره.
وفي المجموع للنووي وأما الحديث المروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان) فليس بصحيح قال البيهقي تفرد به الواقدي وهو ضعيف.
والله أعلم.
1 Comment
في في الثمر الداني شرح رسالة القيرواني للأبي الأزهري المالكي واختلف في تحريكها فقال ابن القاسم يحركها وهو المعتمد وقال غيره لا يحركها، وعلى القول بأنه يحركها فهل في جميع التشهد أو عند الشهادتين فقط قولان اقتصر في المختصر على الأول، وظاهر كلام ابن الحاجب أن الثاني هو المشهور، وعلى القولين فهل يمينـًا وشمالا أو أعلى وأسفل قولان.