قَوْلُ اللَّه تَعَالَى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)
24 يوليو 2022حُكْمُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ وَالِاعْتِرَاضِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
24 يوليو 2022حكم ما يسمى بالجمعية التي يفعلها مجموعة من الأفراد فيما بينهم بأن يدفع كل واحد منهم في صندوق مبلغا معينا متفقا عليه مسبقا ثم يقرعون فيما بينهم لينتفع بالمبلغ الجملي واحد من هذه الجماعة كل مرة على حسب القرعة بصفة دورية؟
حكم ما يسمى بالجمعية التي يفعلها مجموعة من الأفراد أو الموظفين فيما بينهم بأن يدفع كل واحد منهم في صندوق مبلغا معينا متفقا عليه مسبقا ثم يقرعون فيما بينهم لينتفع بالمبلغ الجملي واحد من هذه الجماعة كل مرة على حسب القرعة بصفة دورية؟
هذه المعاملة تدخل عند المالكية تحت قاعدة تسمى بأمهات الربا واسمها (أسلِفني حتى أُسلفَك) أو أقرضني حتى أُقرضك وهي علة التحريم عندنا لأن صورة هذا النوع من القرض هي صورة القرض الذي يجر منفعةً والمنفعة في هذه المعاملة تتمثل في الإقراض بنية أن يقرضوك فخرج عن كونه قرضا للمواساة والإحسان وهذا الشرط هو في الحقيقة جالبٌ للنفع لكونهم تسابقوا لعمل هذه المعاملة والإقراع لها فيدخل تحت القاعدة المجمع عليها بين الفقهاء وهي كل قرض جر منفعةً فهو ربا وقد يقول قائل بأن هؤلاء الأفراد لا يشترطون هذا الشرط عند اتفاقهم على إنشاء هذه الجمعية ولا يتلفظون به والجواب أن هذا الشرط وإن لم ينصوا عليه لفظا ولكنه معروف في عُرفِ هذه المعاملة والقاعدة هي أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وبهذا التكييف للمسألة يتبين أنها تدخل تحت قاعدة أسلفنى وأسلفك كما تقدم وهى إحدى القواعد المحرِّمة بلا خلاف كما صرح الحطاب قائلا ما نصه (ولا خلاف فى المنع من أن يسلف الإنسان شخصًا ليسلفه بعد ذلك) وقال فى موضع ءاخر (السلف إذا جرَّ منفعة لغير المقترض فإنه لا يجوز سواء جر نفعًا للمقرض أو غيره).
وقال الفقيه الأصولي شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافى فى شروط السلم (الشرط الثانى السلامة من السلف بزيادة لنهية عليه السلام عما جر نفعًا من السلف ثم قال شرع الله تعالى السلف للمعروف والإحسان ولذلك استثناه من الربا المحرم فيجوز دفع أحد النقدين فيه ليأخذ مثله نسيئه وهو محرم فى غير القرض لكن رجحت مصلحة الإحسان على مصلحة الربا فقدمها الشرع عليها على عادته فى تقديم أعظم المصلحتين على أدناهما عند التعارض فإذا وقع القرض ليجر نفعًا للمقرض بطلت مصلحة الإحسان بالمكايسة فيبقى الربا سالما عن المعارض فيما يحرم فيه الربا فيحرم للربا ولكونهما خالفا مقصود الشرع وأوقعا ما لله لغير الله). انتهى كلام القرافى (1).
وقال الحافظ ابن عبد البر (وقد أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة فى السلف ربا ولو كانت قبضة عن علف أو حبة كما قال ابن مسعود) (2).
وقال الحافظ الفقيه الباجى فى المنتقى معلقًا على قول مالك إنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف ما نصه (وأجمع الفقهاء على المنع من ذلك وتلقّى الأمة له بالقبول والعمل به يدل على صحة معناه وذلك يقوم له مقام الإسناد ووجه ذلك من جهة المعنى أن الغرض أنه ليس من عقود المعاوضة وإنما هو من عقود البر والمكارمة فلا يصح أن يكون له عوض فإن قارن فقد فرض عقد معاوضة وكان له حصة من العوض فيخرج عن مقتضاه فبطل وبطلب ما قارنه من عقود المعاوضة) (3).
وقال الدردير عند قول خليل كسفتجة إلخ ما نصه (فيحرم سلفها ليأخذ بدلها إن جرى شرط أو عرف) وعلق الدسوقى قائلا (قوله ليأخذ بدلها لأنه سلف جر منفعة لأنه إنما قصد نفع نفسه إلى أن قال قوله فقط أي لا نفع المقرض أو نفعهما معًا كقرض الملتزمين بالبلاد فلاحيهم البذر ليزرعوا ويدفعوا لهم الخراج أو نفع أجنبى من ناحية المقرض بحيث يكون نفعه كنفعه فيمنع فى الثلاثة) (4).
ونقل المواق فى شرحه لمختصر خليل عن ابن يونس أنه قال من أبواب الربا ما جر من السلف نفعًا (5).
وقال ابن عاصم فى تحفة الحكام
وشرطه أن لا يجر منفعة *** وحاكم بذاك كل منعه
قال شارحها التسولى (وشرطه) أي القرض (أن لا يجر منفعة) للمقرض أو لأجنبى فإن جرها لأحدهما أو لهما امتنع.
وقال ميارة فى شرح بيت ابن عاصم المذكور (والقرض المؤدى والموصل إلى جر المنفعة كل الفقهاء على منعه) (6).
وقد سئل مالك رضى الله عنه عن رجل له على ءاخر عشرة دنانير من سلف أو بيع فحل أجلها فطلبها منه فأعسر بها فقال ءاخر لصاحب الدنانير أنظره بها وأنا أسلفك عشرة دنانير فقال مالك لا خير فيه.
قال القاضي الفقيه ابن رشد (لأنه أسلف الذى له الحق لغرض له فى منفعة الذى عليه الحق فهو سلف جر نفعًا إذ لا يحل السلف إلا أن يريد به المسلف منفعة الذى أسلفه خالصًا لوجه الله خاصة لا لنفسه ولا لمنفعة من سواه) (7).
وقال ابن جزى الكلبى إنما يجوز القرض بشرطين أحدهما أن لا يجر نفعًا فإن كانت المنفعة للدافع منع اتفاقًا للنهى عنه وخروجه عن باب المعروف وإن كانت للقابض جاز وإن كانت بينهما لم يجز لغير ضرورة … إلخ).
وما نص عليه فقهاء المالكية نص عليه أيضا فقهاء المذاهب الأخرى فهذا ابن قدامة الحنبلى يقول فى المغنى وإن شرط فى القرض أن يؤجره داره أو يبيعه شيئًا أو أن يقرضه المقرض مرة أخرى لم يجز لأن النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف ولأنه شرط عقد فى عقد فلم يجز (8).
وقال بهاء الدين المقدسى الحنبلى (9) ولا يجوز شرط شىء ينتفع به المقرض.
والله أعلم.
(1) الذخيرة للقرافى (٥/٢٣١).
(2) التمهيد للحافظ ابن عبد البر (٤/٦٨).
(3) المنتقى شرط موطإ مالك للباجى (٥/٢٩).
(4) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير (٣/٢٢٦).
(5) التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق (٤/٥٤٦).
(6) الإتقان والإحكام فى شرح تحفة الحكام لميارة (٢/١٩٦).
(7) البيان والتحصيل لابن رشد (٧/١٠٨).
(8) المغنى لابن قدامة (٤/٢٦٠).
(9) فى العدة (٢٣٩).