الغَزالةُ التي كلَّمَت الحبيبَ محمّد
17 ديسمبر 2019الشّحاذة المحَرّمة
24 ديسمبر 2019لا يجوز تحريف القرءان في القراءة ولا عذر للجاهل
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطّاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
الله تعالى امتدح قومًا فقال فيهم (الَّذِينَ ءاتَينَاهُمُ الكِتَابَ يَتلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) (البقرة 121)، قال ابن مسعود (والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يُحلّ حلاله ويُحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئًا على غير تأويله) وفي كلامه رضي الله عنه فوائد منها منع تحريف القرآن لفظًا ومعنى، وجواز التأويل لمقتضى عقلي أو نقليّ على ما يوافق اللغة والشريعة، قاله الفخر الرازي وغيره، وهذه الآية وغيرها من الأدلة الشرعية تدلّ على أنه لا يجوز قراءة القرآن الكريم بطريقة مخلة بما يجب مراعاته من التشكيل وحركات أواخر الكلمات وإخراج الحروف من مخارجها، فمن لم يراع ذلك فقد خرج بالإثم بدلا من الأجر والثواب، وفي الجزرية في علم التجويد يقول ابن الجزري رحمه الله (من لم يصحّح القران آثم، وهذا صريح من أحد أئمة هذا الفن في أن ترك تصحيح القراءة فيه إثم فضلا عن أن يكون فيه أجر وثواب).
ففي شَرْح صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (المتوفى 544 هـ) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر بالقرآن والذى يتتعتع فيه (حدَّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِىُّ جَمِيعًا عَنْ أَبِى عَوَانَةَ قَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (المَاهِرُ بِالقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ وَالَّذِى يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌ لَهُ أَجْرَانِ).
وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ الدَّسْتَوَائىِّ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ فِى حَدِيثِ وَكِيعٍ (وَالَّذِى يَقْرَأُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ، لَهُ أَجْرَانِ).
قال القاضى (يحتمل والله أعلم أَنَّ له فى الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة، لاتصافه بوصفهم بحمل كتاب الله، ويحتمل أن يكون المراد أنه عامل بعملِ السفرة وسالك مسلكهم كما يقال فلان مع بنى فلان إذا كان يرى رأيهم ويذهب مذهبهم كما قال لوط (وَنجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِين) وقد جاء فى بعض الأخبار أن من تعلَّمه من صغره وعمل به خلطه الله بلحمه ودمه وكتبه عنده من السفرة الكرام البررة، وقوله والذى (يتتعتع) فيه وهو عليه شاق له أجران معنى يتتعتع أى يتردد فى تلاوته عيًّا، والتعتعة فى الكلام العىّ والتردد، وأصله الحركة، قال الإمام (المازري) يحتمل أن يريد بالأجرين الأجر الذى يحصل له فى قراءة حروف القرآن وأجر المشقة التى تناله فى القراءة)) انتهى كلام القاضي رحمه الله.
قال الحافظ المنذري في شرحه على مسلم (قوله أي النبيّ صلى الله عليه وسلم (والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) والتعتعة فيه لأن القراءة عليه شاقة وصعبة إما لكونه في بداية التعلم والحفظ أو لاختلاف لغته عن اللغة العربية لكونه أعجمياً مثلاً. ولمّا كانت القراءة عليه شاقة فله أجران، أجر بالقراءة وأجر التعتعة في التلاوة والمشقة في القراءة، أو التعتعة بسبب ثقل اللسان خلقة وطبيعة، وقيل الذي يتتعتع هو الذي يتردد في التلاوة لضعف حفظه وإتقانه، لكن والله تعالى أعلم، الأول هو الأصح والأقوى لأنّ الإنسان إذا قصّـر في الحفظ والمراجعة وحصل له تردد في التلاوة والقراءة، فإن هذا لا يكون له فيه مزية أو فضل لأنه أهمل المراجعة والحفظ، وكون الذي يتتعتع له أجران، لا يدل على أنه أفضل درجة من الماهر، فقد يكون للماهر أجور أكثر منه وذلك لمهارته.
ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم كم للماهر من الأجر، وإنما قال (هو مع السفرة الكرام البررة)، وهي بشارة عظيمة بلا شك لكل من اعتنى بكتاب الله وحفظه وأتقنه وأكمل قراءته وأتمّه، فإنه يكون مع ملائكة الرحمن السفرة الكرام البررة) انتهى من كلام المنذري رحمه الله، ويؤيد ما ذكرناه حديث مسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ) أي مردود.
فمن أراد أن يقرأ القرآن فليتعلم ذلك لأنه مسؤول عما ينطق به، ولا يكفي أن يقول نيتي قراءة القرآن مع الغلط في التنزيل فإنه يكون مأزورا غير مأجور وقد قال الله تعالى (وَلا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسـئُولا) (الإسراء 36)، والخلاصة أن الجهل ليس عذرا.
قال الله تعالى (وَلا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ) أي لا تخض فيما لا تعلم ولو بالقول.