حكم الأخذ من اللحية
16 نوفمبر 2016حُكمُ كتابة الفاتحةِ على قَبرِ الميّت
16 نوفمبر 2016مسئلة اختلاط النساء بالرجال
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ
اعلم أنه لا ينبغي الغُلوُ في الدين بل يجبُ الاعتدال، فلا يجوز تحليلُ ما حرمَ الله ولا تحريمُ ما أحلّ الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنّ محرِّمَ الحلالِ كمُستحِلِّ الحرام) ففي هذا الحديث الأمر لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاعتدال، فيجب على المسلم أن يكون قولُه معتدلا في التحليل والتحريم، قال الله تعالى (قُل يا أهلَ الكتابِ لا تَغلُوا في دينِكُم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إيّاكُم والغُلوّ فإنّ الغُلوّ أهلكَ مَنْ كانَ قبلَكُم)، ثم إن بعض الناس غَلَوْا بمسألة اجتماع الرجال بالنساء في هذا الزمن في بعض البلاد فحرموا ما لم يحرّمِ الله وهو مجرد اجتماع الرجال بالنساء من غير خلوة ومن غير تلاصق ومن غير كون النساء كاشفات الرؤوس، وليس لهم دليل في ذلك إلا اتباع الهوى.
ثم اختلاط الرجال بالنساء هو على وجهين، وجه جائز ووجه محرم، فالوجه الجائز هو الاختلاط بدون تلاصق بالأجسام ولا خلوةٍ محرمة، والوجه المحرّم ما يكون فيه تلاصق وتضامٌ كما بيّن ذلك العلماء في كتبهم.
فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة أنّ رجلا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يضيّفُ هذا)؟ فقال رجلٌ من الأنصار أنا. فانطلق به إلى امرأتِهِ فقال أكرمي ضيفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوتُ صبياني، فقال هيّئي طعامَكِ وأصبِحي سراجَكِ ونوّمي صبيانكِ إذا أرادوا عشاءً، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجَها ونوّمَت صبيانها، ثم قامت كأنها تُصلحُ سراجَها فأطفأتهُ، فجعلا يُريانِهِ أنهما يأكلان فباتا طاوييْنِ، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنّ الله رضي من فعلهما.
فهذا نص صريح صحيح في أن الصحابي جلس هو وزوجته مع الضيف كما يجتمع الناس على الطعام من التقارب، وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.
وفي صحيحِ مُسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يَدْخُلَنّ أحدُكُم على مُغيبةٍ إلا ومَعهُ رجلٌ أو رَجُلان) ففي هذا الحديث دليلٌ على جواز اختلاط المرأةِ بالرجال الأجانب لأن الحديثَ صَرّحَ بذلك.
وجاء في الموطأ أنه سئل الإمام مالك رحمه الله هل يجوز أن يأكل الرجل وزوجته مع رجل ءاخر فقال مالك (لا بأس بذلك إذا كان ذلك على ما يعرف من أمر الناس). اهـ
فإذا كان جلوسها مع زوجها ورجل أجنبي للطعام جائزًا فكيف بجلوسها في مجلس تتعلم فيه أمور دينها تتلقى فيه من رجل؟! وقد ثبت في الصحيح أن الرجال كانوا يسألون السيدة عائشة رضي الله عنها عن الأحكام والأحاديث مشافهة ذكر ذلك الحافظ العسقلاني وغيره، ومن المعروف أن العديد من المحدثات في الماضي تخرجن على العديد من الحفاظ والمحدثين ثم حدثن الرجال فقد أخذ الحافظ ابن عساكر أفضل المحدثين بالشام في زمانه عن ألف رجل وثلاثمائة امرأة، هذا الحافِظُ ابْنُ عَساكِر أَخَذَ عِلمَ الحَدِيث عَنْ أَلْفٍ مِنَ الحُفّاِظ، تَلَقَّاه عَنْ طَرِيق الـمشافَهَة وَأَخذَ عَنْ ثلاثِمِائَة امرَأَة مِنَ الـمحَدِّثات، فِي الـماضِي كانَ يُوجَد نِساء مُحَدِّثات كَما يُوجَد رِجال مِنَ الـمحدِّثِين.
وذكر الشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي في فتاويه الكبرى والشيخ أحمد بن يحيى المالكي المعروف بأبي العباس الونشريسي في كتابه الذي جمع فيه فتاوى فقهاء المغرب المسمى المعيار الـمُعْرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والـمغرب، وكان من أهل القرن العاشر توفي سنة 914هـ (إن الاختلاط المحرم ما كان فيه تضام وتلاصق بالأجسام).
قال ابن حجر في الفتاوى الكبرى (الخلطة المحرمة هي التضامّ يعني التضام المتعمد أما غيرُ المتعمد فلا إثم فيه لأنهُ يحصل في المطاف وفي منى وغير ذلك التضام من الزحمة من غير تعمد).
والحمد لله رب العالمين، والعزة للإسلام، والله تعالى أعلم وأحكم.