جرى في قرطبة على تلقين الميت وهو مذهب مالك رضي الله عنه
31 يناير 2021حديث (إنَّكُم لَتَغْفَلونَ عنْ أفضلِ العبادةِ التواضُع)
6 فبراير 2021أهميَّة مُناظرة أهل الباطل وعدم السُّكوت لهم لمُجرَّد الخشية مِن فسادهم (قصّة الإمام الباقلَّانيِّ مع ملِكِ الدَّيلمِ)
أهميَّة مُناظرة أهل الباطل وعدم السُّكوت لهم لمُجرَّد الخشية مِن فسادهم
يُحكى أنَّ ملِكَ الدَّيلمِ كانَ يجمعُ العُلماءَ على اختلافِ مِللهِم حتَّى انتبَه إلى خُلُوِّ مجلسِه مِمَّن يُناظِرُ عن أهلِ السُّنَّةِ، وكانَ قاضيهِ مُعتزليًّا فأرادَ ثنيَه فقالَ الملِكُ مُحالٌ أنْ يخلوَ مذهب طِبْقُ الأرضِ مِن ناصرٍ لهُ، ثُمَّ أمرَ بإحضارِ أبي الحَسَنِ الباهليِّ وأبي بكرٍ الباقلَّانيِّ، فلمَّا وصلَ كتابُه إليهِما قالَ الباهليُّ ما معناه إنَّ الدَّيلمَ مِن أهلِ الأهواءِ فلا نطأُ بِساطَهم، ولو كانَ غرَضُ الملِكِ خالصًا للهِ، لنهضتُ إليهِ،
فقالَ الباقلَّانيُّ كذا قالَ ابنُ كلابٍ والمحاسبيُّ ومَنْ في عصرِهم إنَّ المأمونَ فاسقٌ، لا يُحضَرُ مجلسُهُ، حتَّى ساقَ أحمدَ بنَ حنبلٍ إلى طرسوسَ وجرى عليهِ بعدَه ما عُرِفَ، ولو ناظرُوه لَكَفُّوْهُ عن هذا الأمرِ وتبيَّنَ لهُ ما هُم عليهِ بالحُجَّةِ، وأنتَ أيضًا أيُّها الشَّيخُ تسلكُ سبيلَهم حتَّى يجريَ على الفُقهاءِ ما جرى على أحمدَ إلى أنْ قالَ وها أنا خارجٌ إنْ لم تخرُج. فقالَ الشَّيخُ: أمَّا إذَا شرحَ اللهُ صدرَك لهذا، فاخرُج.
فانظروا إلى حكمةِ الباقلَّانيِّ كيفَ آثرَ المُناظرةَ على السُّكوتِ لأنَّه عَلِمَ أنَّ قمْعَ أهلِ البِدَعِ يكونُ بإقامةِ الحُجَّةِ عليهِم وقد دخلَ الباقلَّانيُّ مجلسَ الملِكِ فاختارَ أنْ يجلسَ إلى يمينِه كي لا يُرَخِّصَ لهُم في إذلالِهِ فاغتاظَ الملِكُ حتَّى إذَا ناظرَ الباقلَّانيُّ الخصومَ وقمعَ شُبُهاتِ مذاهبِهم قالَ الملِكُ لقاضِيه فكَّرتُ بأيِّ قتلةٍ أقتلُه بجلوسِه حيثُ جلسَ بغيرِ أمري وأمَّا الآنَ فقد علمتُ أنَّه أحقُّ بمكاني منِّي ودفعَ إليهِ ابنَه يعلِّمُه مذهبَ أهلِ السُّنَّةِ.
ومن مآثره أيضا ما ذكره ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من أنه أُرسل من قِبل الملك عضد الدولة إلى ملك الروم، فلما ورد المدينة عُرّف الملك خبره ومكانته من العلم وموضعه وكان هذا الملك يعلم أن المسلمين لا ينحنون أمام مخلوق، فرغب في أن يجعله يركع له إذ كان من عادة رعيته أن تقبل الأرض بين يديه فأمر بأن يوضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لا يقدر أحد أن يدخل منه إلا راكعًا، ليدخل منه الإمام الباقلاني على هذا النحو، فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال الباقلاني من الباب، فسار القاضي حتى وصل إلى المكان، فلما رءاه تفكر فيه ثم فطن للأمر فأدار ظهره، وحنا رأسه راكعًا ودخل من الباب وهو يمشي إلى الوراء مستقبلاً الملك بظهره حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه ونصب ظهره وأدار بوجهه حينئذٍ إلى الملك فعجب من فطنته ووقعت هيبته في نفسه.
ومن أقواله في العقيدة:
قالَ الإمامُ أبو بكرٍ الباقِلانيّ (ما أطلَقَ اللهُ على نَفْسِهِ أطلقناهُ عليه وما لا فَلا) وقال في كتابه تمهيد الأوائل في حق الله تعالى ما نصه (فإن قال قائل أين هو قيل له الأين سؤال عن المكان، وليس هو ممن يجوز أن يحويه مكان ولا تحيط به أقطار).
وفي كتاب الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، إمام المُتَكَلِّمين أبي بكر الباقلاني الأشعري يٌنَزِّه اللهَ تعالى عن أن يكون العرشُ مُستَقَرَّهُ أو مكانَهُ فيقول (ولا نقول إن العرش له (أي لله) قرار (أي مُستَقَرّ أي لا نقول إن اللهَ مُستَقِرٌّ على العرش) ولا مكان لأنَّ الله تعالى كان ولا مكان فلَمَّا خَلَقَ المَكان لَمْ يَتَغَيَّرْ عمَّا كان).
القاضي أبو بكر الباقلاني (338 هـ – 402) هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم الباقلاني، ذكر صاحب معجم المؤلفين أنه ولد سنة ثلاثمائة وثمان وثلاثين هجرية، وهو من أهل البصرة سافر إلى بغداد وسكن فيها، سمع الحديث في بغداد من أبي بكر بن مالك القطيعي وأبي محمد بن ماسي وأبي أحمد الحسين بن علي النيسابوري، وأخذ علم الكلام عن أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن مجاهد الطائي صاحب الأشعري وأخذ عنه أئمة منهم أبو ذر الهروي وأبو عمران الفاسي والقاضي أبو محمد بن نصر، كان الباقلاني رحمه الله تعالى ناصر السنة والدين وإمام المسلمين الذي كان يذب عن الشريعة ألسنة المخالفين والذي صنف سبعين ألف ورقة ردًا على الملحدين، وهو الملقب أيضا بشيخ السنة ولسان الأمة، المتكلم على مذهب أهل السنة والجماعة وأهل الحديث وطريقة أبي الحسن الأشعري، أحد كبار علماء عصره انتهت إليه رئاسة المذهب الأشعري وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته ويُعد من أكابر أئمة الأشاعرة بعد مؤسسها أبي الحسن الأشعري، كما يعد من مجددي المائة الرابعة.