غَزْوَةُ أُحُدٍ
2 فبراير 2019تأويل علماء أهل السنة لحديث الجارية (من صحيح مسلم بشرح الحافظ الفقيه يحيى بن شرف النووي الشافعي توفي 676 هـ)
4 فبراير 2019غَزْوَةُ خَيْبَرَ
غَزْوَةُ خَيْبَرَ
مُنْذُ أَنْ بَدَأَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِظْهَارِ دَعْوَتِهِ كَانَ الْيَهُودُ لا يَتْرُكُونَ فُرْصَةً إِلَّا وَيَغْتَنِمُونَهَا لِإِيذَائِهِ وَإِيذَاءِ أَصْحَابِهِ عَلَنًا وَفِى الْخَفَاءِ يَكِيدُونَ الْمَكَائِدَ وَيُضْمِرُونَ الْخُبْثَ وَالْكَرَاهِيَةَ وَالْحِقْدَ وَيُعْلِنُونَهَا فِتَنًا وَحُرُوبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَلَكِنَّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ الَّتِى حَصَلَتْ فِى السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلْهِجْرَةِ كَانَتْ حَرْبًا فَاصِلَةً أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا النَّصْرَ فِى تَفَوُّقِ الْمُسْلِمِينَ رَغْمَ قِلَّتِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمُ الْمُدَعَّمِ بِعُدَدِهِ وَعَتَادِهِ.
سَبَقَ مَعْرَكَةَ خَيْبَرَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ وَالَّذِى اتُّفِقَ فِيهِ أَنْ لا يُسَاعِدُوا أَحَدًا عَلَى مُحَارَبَةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفْقَدَ الْيَهُودَ مُسَانَدَةً كَثِيرَةً مِنَ الْعَرَبِ فَكَانَ الْحَلُّ عِنْدَهُمْ بِأَنْ تَتَجَمَّعَ وَتَتَحَالَفَ كُلُّ قُوَاهُمْ لِتَقْوَى شَوْكَتُهُمْ فِى مُوَاجَهَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا مَا تَمَّ حَيْثُ تَحَصَّنَ كَثِيرٌ مِنْ يَهُودِ الْحِجَازِ فِى نَاحِيَةٍ تُدْعَى خَيْبَرَ تَبْعُدُ نَحْوَ مِائَةِ مِيلٍ شَمَالَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ.
وَخَيْبَرُ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْضٍ وَاسِعَةٍ ذَاتِ وَاحَاتٍ خِصْبَةٍ يَكْثُرُ فِيهَا النَّخِيلُ وَتَضُمُّ حُصُونًا مَنِيعَةً لِلْيَهُودِ مُقَسَّمَةً إِلَى ثَلاثِ مَنَاطِقَ قِتَالِيَّةٍ مُحَصَّنَةٍ وَمَعَ كُلِّ هَذِهِ الْقُوَّةِ الظَّاهِرَةِ فَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ جُبَنَاءَ أَثْنَاءَ الْمَعَارِكِ لا يُحَارِبُونَ إِلَّا مِنْ دَاخِلِ حُصُونِهِمْ وَمِنْ وَرَاءِ الْجُدْرَانِ وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الأَمْرِ فَوَضَعَ سَيَّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطَّتَهُ عَلَى أَسَاسِ مُفَاجَأَتِهِمْ وَهُمْ فِى حُصُونِهِمْ وَأَثْنَاءَ شُعُورِهِمْ بِالأَمْنِ.
خَرَجَ جَيْشُ الْمُجَاهِدِينَ بِقِيَادَةِ أَشْجَعِ الْخَلْقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّجَاهِ خَيْبَرَ فِى أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ الَّذِينَ عَشِقُوا الشَّهَادَةَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَفِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ وَنَزَلُوا وَادِيًا اسْمُهُ الرَّجِيعُ لِيَمْنَعُوا قَبِيلَةَ غَطَفَانَ مِنْ مُسَاعَدَةِ الْيَهُودِ فِى حَرْبِهِمْ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ فِى خَيْبَرَ فَلَمَّا خَرَجَتْ قَبِيلَةُ غَطَفَانَ وَتَرَكَتْ دِيَارَهَا سَمِعُوا خَلْفَهُمْ حِسًّا فَظَنُّوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَتَوْهُمْ مِنْ خَلْفِهِمْ فَرَجَعُوا خَائِفِينَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَدِيَارِهِمْ وَلَمْ يُحَارِبُوا الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَكْمَلُوا سَيْرَهُمْ إِلَى خَيْبَرَ. وَأَثْنَاءَ الْمَسِيرِ الطَّوِيلِ شَغَلَ الْمُسْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَارَ الصَّحَابِىُّ الْجَلِيلُ عَامِرُ بنُ الأَكْوَعِ يُنْشِدُ لَهُمْ يُشَجِّعُهُمْ عَلَى الْمُضِىِّ لِلْجِهَادِ قَائِلًا
وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا *** وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا *** وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا
فَدَعَا لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ عِنْدَمَا سَمِعَ مَا فِى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنَ الْحَمَاسِ وَالتَّشْجِيعِ.
وَوَصَلَ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ لَيْلًا إِلَى مَشَارِفِ خَيْبَرَ وَظَهَرَتْ حُصُونُهَا فَعَسْكَرُوا حَوْلَهَا وَوَقَفَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَ أَصْحَابِهِ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى وَفِى الصَّبَاحِ اسْتَيْقَظَ أَهْلُهَا لِيَجِدُوا أَنَّهُمْ مُحَاصَرُونَ وَمُحَاطُونَ بِعَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ فَدَبَّ فِى نُفُوسِهِمُ الرُّعْبُ وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ ثُمَّ نَادَى النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْتٍ ارْتَجَّتْ لَهُ حُصُونُ الْكُفْرِ وَقَالَ (اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ) فَرَدَّدَهَا الصَّحَابَةُ خَلْفَهُ فَأَيْقَنَ الْيَهُودُ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ.
رُمِيَتِ السِّهَامُ كَشُهُبِ النَّارِ فَوْقَ أَوَّلِ الْحُصُونِ وَهُوَ يُدْعَى حِصْنَ نَاعِم مَا دَفَعَ بِأَهْلِهِ إِلَى الْهَرَبِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى مَا جَاوَرَهُ مِنْ حُصُونٍ وَقُتِلَ عِنْدَهُ الصَّحَابِىُّ الْجَلِيلُ مَحْمُودُ بنُ مَسْلَمَةَ قَتَلَهُ يَهُودِىٌّ اسْمُهُ مَرْحَب بِضَرْبَةٍ فِى رَأْسِهِ. وَفِى أَثْنَاءِ الْمَعْرَكَةِ أَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ النَّخِيلِ الْمُحِيطِ بِالْحُصُونِ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْيَهُودُ إِذَا مَا هَجَمُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَغَاظَهُمْ هَذَا كَثِيرًا ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ تَسَلَّمَ الرَّايَةَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَغَارَ عَلَى بَعْضِ الْحُصُونِ وَتَبِعَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى غَارَاتٍ سَرِيعَةٍ فَأَسَرَ يَهُودِيًّا مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ أَعْلَمَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْيَهُودَ خَرَجُوا مِنْ حِصْنِ النُّطَاةِ وَتَسَلَّلُوا إِلَى حِصْنٍ ءَاخَرَ اسْمُهُ الشَّقُ فَحَاصَرُوهُ وَتَرَامَى الطَّرَفَانِ فَأَخَذَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْنَةً مِنْ حَصَى وَرَمَى بِهَا الْحِصْنَ فَاهْتَزَّ بِأَهْلِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ غَرِقَ فِى الأَرْضِ فَدَخَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَخَذُوهُ.
بَقِىَ حُصُونٌ مِنْهَا الصَّعْبُ وَالْوَطِيحُ وَالسُّلالِمُ وَالْقَمُوصُ وَقَدْ تَحَصَّنَ بِهَا الْيَهُودُ أَشَدَّ التَّحَصُّنِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَقْوِيَةِ الْحِصَارِ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَحَابَتِهِ الْمُجَاهِدِينَ (لَأَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرَّارٍ) ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ قَدْ أُصِيبَ بِمَرَضٍ فِى عَيْنَيْهِ فَتَفَلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا فَشُفِىَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأَخَذَ الرَّايَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ بِمَنْ مَعَهُ فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَحَدِ الْحُصُونِ الْبَاقِيَةِ خَرَجَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْيَهُودِ فَقَاتَلَهُمْ إِلَّا أَنَّهُ تَلَقَّى ضَرْبَةً فَوَقَعَ التُّرْسُ مِنْهُ عِنْدَهَا حَصَلَتْ لَهُ كَرَامَةٌ عَظِيمَةٌ كَوْنُهُ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَقَدْ تَنَاوَلَ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ وَجَعَلَهُ تُرْسًا أَبْقَاهُ فِى يَدِهِ يُقَاتِلُ بِهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ أَلْقَى الْبَابَ وَجَاءَ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لِيَقْلِبُوا هَذَا الْبَابَ فَمَا اسْتَطَاعُوا.
اسْتَمَرَّ الْقِتَالُ وَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ هَجْمَةً قَوِيَّةً عَلَى حِصْنِ الصَّعْبِ بِقِيَادَةِ الصَّحَابِىِّ الْفَاضِلِ حَبَّابِ بنِ الْمُنْذِرِ فَخَرَجَ مِنْهُ يَهُودِىٌّ مُتَعَجْرِفٌ هُوَ نَفْسُهُ مَرْحَب الَّذِى قَتَلَ الصَّحَابِىَّ مَحْمُودَ بنَ مَسْلَمَةَ وَنَادَى مَنْ يُبَارِزُنِى فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّحَابِىِّ مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ شَقِيقِ مَحْمُودٍ لِيُبَارِزَهُ وَيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَخِيهِ وَدَعَا لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِلًا (اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ) فَتَقَاتَلا طَوِيلًا ثُمَّ عَاجَلَهُ مُحَمَّدٌ بِضَرْبَةٍ قَاصِمَةٍ قَتَلَتْهُ وَقِيلَ إِنَّ الَّذِى قَتَلَ الْيَهُودِىَّ مَرْحَب هُوَ سَيِّدُنَا عَلِىُّ بنُ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَصْمُدْ حِصْنُ الصَّعْبِ طَوِيلًا حَتَّى فُتِحَ وَدَخَلَهُ الْمُسْلِمُونَ مُنْتَصِرِينَ وَكَانَ فِى الْحِصْنِ الْكَثِيرُ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ حَاجَتَهُمْ مِنْهُ بَعْدَ مَا نَالَهُمُ الْكَثِيرُ مِنَ التَّعَبِ وَالْجُوعِ وَوَجَدُوا فِيهِ الْكَثِيرَ مِنَ السُّيُوفِ وَالدُّرُوعِ وَالنِّبَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعَتَادِ الْحَرْبِىِّ الَّذِى اسْتَعْمَلُوهُ فِى حَرْبِهِمْ فَنَفَعَهُمْ نَفْعًا كَبِيرًا.
وَتَجَدَّدَ الْقِتَالُ إِذْ مَا زَالَتْ بَعْضُ الْحُصُونِ لَمْ تَسْقُطْ وَبَقِىَ الْيَهُودُ يَهْرُبُونَ إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى حِصْنٍ ءَاخَرَ هُوَ حِصْنُ الزُّبَيْرِ فَلَحِقَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ وَحَاصَرُوهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ الْمَاءِ عَنْهُمْ لِإِجْبَارِهِمْ عَلَى الْخُرُوجِ فَمَا كَانَ مِنَ الْيَهُودِ إِلَّا أَنْ فَتَحُوا الْحِصْنَ وَخَرَجُوا مِنْهُ يُقَاتِلُونَ وَجْهًا لِوَجْهٍ فَقُهِرُوا وَكَانَ النَّصْرُ حَلِيفًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَتَدَاعَتْ حُصُونُ خَيْبَرَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ وَسَقَطَ حِصْنُ الْوَطِيحِ وَالسُّلالِمِ وَكَانَا ءَاخِرَ مَا افْتُتِحَ فَلَمَّا أَيْقَنَ الْيَهُودُ بِالْهَلاكِ سَأَلُوا النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوقِفَ الْحَرْبَ وَاسْتَسْلَمُوا عَلَى أَنْ لا يُقْتَلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَيَتَخَلَوْا عَنْ حُصُونِهِمْ كُلِّهَا بِمَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالٍ وَمَتَاعٍ.
وَهَكَذَا غُلِبَ الْيَهُودُ وَذَهَبَتْ قُوَّتُهُمْ وَأَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ فِى مَأْمَنٍ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّمَالِ إِلَى جِهَةِ بِلادِ الشَّامِ بَعْدَمَا أَصْبَحُوا فِى مَأْمَنٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ.
وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ حَدَثًا عَظِيمًا اهْتَزَّتْ لَهُ أَرْكَانُ قُرَيْشٍ فَقَدْ كَانَ نَبَأُ انْتِصَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ مُذْهِلًا وَمُرَوِّعًا عِنْدَ قُرَيْشٍ إِذْ كَانُوا لا يَتَوَقَّعُونَ انْهِيَارَ حُصُونِ خَيْبَرَ الْمَنِيعَةِ وَلا الْيَهُودُ أَنْفُسُهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ غَزْوَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ.
فَانْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا عَشَرَةَ أَضْعَافِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعَهُمُ السِّلاحُ الْكَثِيرُ وَفِى حُصُونٍ مَنِيعَةٍ هُزِمُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْقَلِيلِى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ الَّذِينَ كَانُوا فِى أَرْضٍ مَكْشُوفَةٍ غَيْرَ مُحَصَّنِينَ وَلا يَمْلِكُونَ السِّلاحَ الْكَافِىَ وَلا الطَّعَامَ الْمَخْزُونَ وَهَذَا لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَنْصُرُونَ دِينَ اللَّهِ تَحْتَ لِوَاءِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ يَنْصُرْ دِينَ اللَّهِ فَاللَّهُ نَاصِرُهُ.