مقدمة لقصص الأنبياء
مقدمة لقصص الأنبياء
13 نوفمبر 2016
حديث (أكرموا الخبز)
حديث (أكرموا الخبز)
14 نوفمبر 2016
مقدمة لقصص الأنبياء
مقدمة لقصص الأنبياء
13 نوفمبر 2016
حديث (أكرموا الخبز)
حديث (أكرموا الخبز)
14 نوفمبر 2016

عيسى بنُ مريم عليه السلامُ

عيسى بنُ مريم عليه السلامُ

الحمد لله والصلاة والسلامُ على رسول الله.

أما بعد،
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الدينَ عندَ اللهِ الإسلامُ﴾ سورة ءال عمران.

الله سبحانهُ وتعالى أرسلَ الأنبياءَ جميعًا من أولِّهِم آدم إلى آخِرِهم محمد صلواتُ ربي وسلامُهُ عليهم أجمعين بدينٍ واحدٍ هو الإسلام، فلا دينَ مقبول عند الله إلا الإسلام ولا دينَ صحيحَ إلا الإسلام دينُ آدم الإسلام دينُ إدريس ونوح وهود وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى ومحمد، جميعُ النبيينَ والمرسلينَ جاءوا بدينِ الإسلام.

هذا الدينُ العظيمُ هو الدينُ الذي رضيهُ اللهُ لعبادِهِ وأمرَنَا باتباعِهِ، لذلكَ يقولُ اللهُ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه وهو في الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ سورة ءال عمران.

فلا دينَ سماويَّ إلا الإسلام، الدينُ السماوِيُّ واحِدٌ هو الإسلامُ، لا يجوزُ أن يقالَ الأديانُ السماويةِ، هذا الكلامُ لا يجوزُ لأنَّ معناهُ أن عيسى جاءَ بدينٍ يختلفُ عما جاءَ به محمد ويختلِفُ عن الدينِ الذي جاءَ به موسى وعنِ الدينِ الذي جاءَ به آدم وعنِ الدينِ الذي جاءَ به إبراهيمُ ونوح، إنما يقالُ كتبٌ سماوِيَّة أو شرائِعُ سماوية.

لا يقال أديان سماوية ولكن يقالُ شرائع سَماوية كما قالَ سيدنا رسولُ الله ‏صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((‏أنا أَوْلَى النَّاسِ ‏بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ‏في الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ ‏لِعَلاتٍ ‏‏أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ)). الأنبياءُ دينُهُم واحدٌ وهو الإسلامُ ((وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ ‏لِعَلاتٍ)) يعني شبهَهُم بالإخوةِ لعلاتٍ وهمُ الذينَ أبوهم واحدٌ ولكن أُمَّهاتُهُم شتى، رجلٌ واحدٌ تزوجَ أكثرَ من امرأةٍ واحدةٍ عندَهُ من كلِّ امرأةٍ أولاد، هؤلاءِ الأولاد أبوهم واحدٌ ولكن أمهاتُهُم شتى يقالُ لهم إخوةٌ لعلاتٍ، فالرسول شبه الأنبياء بالإخوةِ لعلاتٍ من حيثُ إنهم ((‏‏أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ)) وهو الإسلامُ أما شرائِعُهُم فمختلفةٌ.

المبدأُ الجامِعُ لكلِّ أهلِ الإسلامِ هو عبادةُ اللهِ وحدهُ وأن لا يشرَكَ به شيئًا، فعيسى عليه صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عبدُ اللهِ ورسولُهُ جاءَ بالإسلامِ كسائِرِ الأنبياءِ، أيدَهُ اللهُ بالمعجزاتِ كسائِرِ الأنبياءِ، أيدَهُ اللهُ بالمعجزاتِ التي تدُلُّ على صِدقِ دَعْواهُ بأن اللهَ هو الذي أرسلَهُ وأنزلَ عليهِ كتابًا وهو الإنجيل، هذا الشرعُ الذي كانَ يعملُ به المسلمونَ في أيامِ عيسى عليه السلام.

عَنْ ‏عُبادَةَ بن الصامت‏ ‏رضيَ اللهُ عنه عَنْ النبيِّ ‏صلى اللهُ عليه وسَلمَ ‏قال: ((‏مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إله إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له وأَنَّ ‏مُحَمَّدًا ‏عَبدُهُ ورسولُهُ وأنَّ ‏عِيسَى ‏عبدُ اللهِ ورسولُهُ وكلِمَتُهُ ألقاها إلى ‏مَرْيَمَ ‏ورُوحٌ منه والجنةَ حَقٌّ والنارَ حَقٌّ أدْخَلَهُ اللهُ الجنةَ على ما كان مِنَ العَمَلِ)) رواه البخاري ومسلم.

هذا حديثٌ صحيحٌ يشتَمِلُ على أمورٍ في العقيدةِ ومعناهُ يتضمَّنُ أنَّ الإنسانَ إذا ماتَ وهو يشْهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وتجنَّبَ عبادَةَ غيرِهِ. اعترفَ واعتقَدَ وعَلِمَ عِلْمَ يقينٍ أن لا معبودَ بحقٍّ إلا اللهُ لا أحدَ يستحِقُّ العبادةَ إلا اللهُ، لا أحدَ يستحقُّ أن يُتذلَّلُ له نهايةَ التذللِ إلا اللهُ تعالى، وشهِدَ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أن يشهد أن الله تعالى أرسَلَهُ بالإسلامِ كسائِرِ الأنبياءِ والمرسلينَ ولكنَّ اللهَ جعلَ محمدًا هو خاتم النَّبيينَ فلا نبيَّ بعدَهُ، وشهِدَ أن عيسى عبدُ اللهِ ورسولُهُ، أي أن عيسى بنَ مريم هو عبدُ الله ورسولُهُ أرسلَهُ اللهُ تعالى بالإسلامِ، ((وكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مريمَ)) أي بِشارَتِها التي بَشَّرَتْها الملائِكَةُ إلى مريمَ، فعيسى عليه السلامُ خلقهُ الله تعالى من أمٍّ بلا أب الله، سبحانهُ قادرٌ لا يعجِزُهُ شيء، الله الذي خلق آدمَ من غيرِ أمٍّ ولا أبٍ قادرٌ على أن يخلُقَ عيسى بأمٍّ بلا أب، فالملائكةُ بشرَتْها بسيدِنا عيسى عليه السلام، حملت مريم بإذنِ اللهِ تعالى ومشيئتِهِ الملَكُ جبريلُ عليه السلامُ نفخَ في أعلى جيبِ مريم فدخلَ الروحُ في فمها فاستقرَّ في بطنها وهذا دلالةٌ على عظيمِ قدرةِ الله القادِرِ على كلِّ شيء. ((وَروحٌ منهُ)) معناهُ أن عيسى روحٌ صادِرٌ من اللهِ خلقًا وتكوينا مُشرَّفٌ عندَ اللهِ، ((والجنَّةَ حقٌّ)) أي باعتقادِ بأنَّ الجنَّةَ الآن موجودةٌ وهي باقِيَةٌ لا انتهاءَ لها، ((وَالنّارَ حَقٌّ)) أي الاعتقادُ بأنها موجودةٌ وأنها باقيَةٌ إلى ما لا نهايَةَ لها، وهما دارُ جزاءٍ، الجنَّةُ دارُ جزاءٍ للمؤمنينَ والنّارُ دارُ جزاءٍ للكافرينَ.

قولهُ: ((وَروحٌ منهُ)) ليسَ مَعناها أَنَّ الَمسيحَ جُزءٌ مِنَ اللهِ إنَّما مَعناها روحٌ وُجِدَت بِإيجادِ اللهِ أَي اللهُ أوجدَها مِنَ العدَمِ لَيسَ معنَاهَا أَنها جُزءٌ مِنَ اللهِ كَمَا ادعى بَعضُ مُلوكِ النَّصارَى احتَجَّ بهذهِ الآيةِ عَلى أنَّ الَمسيحَ جُزءٌ مِنَ اللهِ فَرَدَّ عَليهِ القَاضِي أَبو بَكرٍ الباقِلاني بهذِهِ الآيَةِ: ﴿وسَخَّرَ لَكُم مَّا في السَّمَواتِ وما في الأَرضِ جَمِيعًا منه (13)﴾ سورَة الجاثِيَة، فَسَكَتَ ذلِكَ الَملِكُ لأنَّ كَلَمةَ ﴿منهُ﴾ في النصَّينِ مَوجودَةٌ، فكما أَنها لا تَدُلُّ في الآيَةِ على ما في السمٰواتِ وما في الأرضِ جُزءٌ مِنَ اللهِ كذلك لا تَدُلُّ كَلَمةُ ﴿منهُ﴾ في آيَةِ ﴿وَروحٌ مِنهُ﴾ على أَنَّ عِيسى جُزءٌ مِنَ اللهِ.

قال بعضُ العلماءِ أنَّ في هذا الحديثِ خُصوصيَّةٌ وهو أنَّ من قالهُ أي داوَمَ على قولِهِ لا بُدَّ أنْ يوفِّقَهُ اللهُ للعملِ الصالحِ وإلى الابتِعادِ عن المعاصيَ عن الكبائِرِ فتكونُ خاتِمَتُهُ خاتمةً حسنَةً ويَدْخُلُ الجنَّةَ من غيرِ عذابٍ.

وقولهُ: ((على ما كانَ مِنْ العَمَل)) أي مِنْ صَلاح أو فَساد، لكنَّ أَهل التوحِيد لا بد لهم مِنْ دخول الجَنَّة.

أما السيدة مريم عليها السلامُ فكانت امرأةً طاهرةً صالحة وليةً من بني إسرائيل في زمن نبي اللهِ زكريا عليه السلامُ. في القرآن، يوجدُ سورة سورة مريم إشارة إلى مريم أم المسيح.

لما أتمت مريم عليها السلام أيام حملها وهي في بيت لحم اشتد بها المخاض ثم ألجأها وجع الولادة إلى جذع نخلة يابسة وقيل كانت نخلة مثمرة، فاحتضنت ذلك الجذع وولدت عيسى عليه السلام، وناداها جبريل عليه السلام من مكان من تحتها من أسفل الجبل يطمئنها ويخبرها أن الله تبارك وتعالى جعل تحتها نهرًا صغيرًا، ويطلب منها أن تهز جذع النخلة ليتساقط عليها الرطب الجني الطري، وأن تأكل وتشرب مما رزقها الله تعالى، وأن تقر عينها بذلك وأن لا تكلم إنسًا، فإن رأت أحدًا من الناس تقول له بالإشارة أنها نذرت للرحمن صومًا أي صمتًا، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام، فهزت مريم عليها السلام جذع النخلة فتساقط عليها الرطب الجني الناضج فأكلت عليها السلام منه وشربت من ذلك النهر الذي أجراه الله تبارك وتعالى بقدرته لها في مكان كان لا يوجد فيه نهر، وكل ذلك إكرامًا من الله سبحانه وتعالى لمريم على إيمانها وصلاحها وعنايةً بوليدها السيد المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام.

أتت السيدة مريم عليها السلام قومها تحمل مولودها عيسى عليه السلام على يدها في بيت لحم فلما رءاها قومها قالوا لها: لقد فعلت فعلة منكرة عظيمة، فإن أباك لم يكن رجل سوء ولم تكن أمك زانية، وظنوا بها السوء وصاروا يوبخوها ويؤنبوها وهي ساكتة لا تجيب لأنها أخبرتهم أنها نذرت للرحمن صومًا، ولما ضاق بها الحال أشارت إلى عيسى عليه السلام أن كلموه فعنده ما تبغون، عندها قالوا لها متعجبين: ما أخبر الله به بقوله{كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والازدراء إذ لا تردين علينا بكلام، عند ذلك أنطق الله تبارك وتعالى بقدرته الرضيع -عيسى- عليه السلام وكان عمره أربعين يومًا{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}وهذا إعتراف منه عليه السلام بالعبودية لله تبارك وتعالى وهذه أول كلمة نطق بها عيسى وهو في المهد{آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}وهذا إخبار عما قضى الله تعالى له وحكم له به ومنحه إياه مما سيظهر ويكون، وفي ذلك تبرئة لأمه مما نسبوا إليها واتهموها به: فإن الله تعالى لا يعطي النبوة لمن هو كما زعموا ثم قال لهم عيسى عليه السلام ما أخبره الله تعالى به{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}أي نفاعًا حيثما توجهت معلمًا للخير، وذلك أن عيسى عليه السلام كان يدعو حيث كان إلى عبادة الله تعالى وحده وأن لا يعبد شيء غيره.

نبي اللهِ عيسى عليه السلام كما الأنبياء من قبله ظهرت على يديه معجزات.

اللهُ تعالى أرسل كل الأنبياء وأيدهم بالمعجزات لتكونَ دليلا على صدقهم حتى إذا رأى الناسُ المعجزة عرفوا صدق دعواهم. كثير من معجزات عيسى عليه الصلاةُ والسلامُ كانت في علاج الأمراض، لأن الناس في أيامه عليه السلام شهروا بالطب. نبي الله عيسى شفا هؤلاء الذين كانت عندهم أمراض مزمنة لا يرجى شفائها بالعادة. كان يشفي الأبرص بإذن الله ويبري الأعمى بإذن الله.

قال الله تعالى: ﴿وقَوْلِهِم إنَّا قَتَلْنا الـمَسِيحَ عيسَى ابنَ مَرْيَمَ رَسولَ اللهِ وما قَتَلوهُ وما صَلَبوهُ ولكن شُبِّهَ لَهُمْ وإنَّ الذينَ اخْتَلَفُواْ فيه لَفِي شَكٍّ منه ما لَهُم به مِنْ عِلْمٍ إلا اتِّباعَ الظَّنِّ وما قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)﴾ ﴿بل رَّفَعَهُ اللهُ إليه وكانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ به قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيامَةِ يكونُ عليهم شَهِيدًا (159)﴾ سورة النساء. هذا بعد أن ينزل إلى الأرض.

عَنْ ابن عَبَّاس قال: لَمَّا أرادَ الله تَباركَ وتعالى أَنْ يَرْفَع عِيسَى إلى السَّماء خَرَجَ على أَصْحابه وَهُمْ اِثْنا عَشَرَ رَجُلا فقال لهم: أمَا إنَّ منكم مَنْ سَيَكْفُرُ بِي اِثْنَتَيْ عَشْرَة مَرَّة بَعْد أَنْ آمَنَ بِي، ثُم قال: أَيُّكُمْ يُلْقَى عليه شَبَهِي فَيُقْتَل مَكانِي ويكون رفيقي في الجنَّةِ؟ فقامَ شَابٌّ مِنْ أَحْدَثهُمْ فقال: أَنَا، فقالَ عِيسَى: اجْلِسْ، ثُمَّ أعادَ عليهم فقامَ الشَّابّ فقال: أَنا، فقال عيسى: اجلِس. ثُم أَعادَ عليهم فقامَ الشَّابّ فقال أنا، فقال: نعم أنت ذاك، فأَلْقَى الله عليه شَبَه عيسى عليه السَّلام، قال: وَرَفَعَ اللهُ تعالى عيسى مِنْ رَوْزَنَة كانت في البَيْت إلى السَّماء، قال: وجاءَ الطَّلَب (أي الفوجُ) مِنْ اليهود فأَخَذُوا الشَّبِيه فَقَتَلوهُ ثُمَّ صَلَبوهُ، وكَفَرَ بِهِ بَعْضهمْ اِثْنَتَيْ عَشْرَة مَرَّة بَعد أَنْ آمَنَ بِهِ، فَتَفَرَّقُوا ثَلاث فِرَق: قَالَتْ فِرْقَة: كان فِينا الله مَا شَاءَ ثُمَّ صَعِدَ إلى السَّمَاء، وَهَؤُلاءِ الْيَعْقُوبِيَّة، وَقالتْ فِرْقَة: كَانَ فِينَا اِبْن الله ما شاءَ الله ثُمَّ رَفَعَهُ الله إليه، وهَؤُلاءِ النَّسْطُورِيَّة، وَقالتْ فِرْقَة: كانَ فِينا عَبْد الله وَرَسُوله ما شَاءَ الله ثُمَّ رَفَعَهُ إليه، وهؤُلاءِ المسلِمونَ، فَتَظاهَرَتْ الكافِرَتانِ على الْمُسْلِمَة فَقَتَلُوها، فَلَمْ يَزَلْ الإِسْلام طامِسًا حَتَّى بَعَثَ الله مُحَمَّدًا صَلَّى الله عليه وسَلَّمَ. وقد أخرجه ابن أبي حاتم والنسائي عن ابن عباس بإسناد صحيح. والروزنة نافذة في السطح يصعد اليها في زاوية من البيت تكون.

فكما أخبرَ اللهُ تعالى في القرآنِ الكريم: ﴿وإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)﴾ حتى فيما بينهم حصل اختلافٌ لما دخلوا قالوا نعرف أن عيسى كان معه اثني عشر رجلا من تلاميذِهِ ولا يوجدُ إلا إحدى عشر أين الثاني عشر، وقال بعضُهُم هذا ليس عيسى، وقال بعضُهُم هذا وجهُ عيسى لكن جسد ذاكَ الشاب، فعيسى عليه السلام رفعَهُ اللهُ تعالى إلى السماءِ من غيرِ وفاةٍ ولا نومٍ، هكذا قال الحسن وابنُ عباسٍ والضحاك، هكذا قال جمعٌ من علماء السلفِ من الصحابةِ ومن التابعينَ ومَنْ تبعَهُم بإحسنٍ. أما ما يرويه بعضُهُم من أن يهوديا جاء مع اليهود ليدلهم ووعدوه مبلغ كذا من المال ثم لما أدخلهم إلى البيت ألقي عليه شبه المسيح فظنوه هو المسيح فقتلوه فهذا غير ثابت لكنه مشهور عند المؤرخين والصحيح هو ما قاله عبد الله بن عباس.

وأما قول الله تعالى: ﴿إِذْ قال اللهُ يا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ ومُطَهِّرُكَ مِنَ الذِينَ كَفَرُواْ وجاعِلُ الذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الذِينَ كَفَرُواْ إلى يومِ القِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فيما كُنتُمْ فيه تَختَلِفونَ (55)﴾ سورة ءال عمران، فبحسبِ اللفظِ ﴿مُتَوَفيكَ﴾ مقدم أما بِحسب المعنى ﴿متوفيك﴾ مؤخر و﴿رافِعُكَ﴾ مقدمٌ، فالترتيب بِحسَبِ المعنى: ﴿إنِّي رافِعُكَ إِلَيَّ﴾ أي إلى محل كرامتي أي المكان الذي هو مشرف عندي وهو السماء ﴿ومُطَهِّرُكَ﴾ مِنَ الذِينَ كَفَرُوا أي اليهود ﴿ومُتَوَفِّيكَ﴾ أي بعد إنزالك إلى الأرض أي مُمِيتُكَ بعد إنزالكَ إلى الأرض هذا هو القول الصحيح الموافق للأحاديث وهكذا فسرَ عبدُ اللهِ بنُ عباس تُرجُمان القرءان الآية، أي من باب المقدم والمؤخر كما في قوله تعالى: ﴿والذي أَخْرَجَ الـمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوَى (5)﴾ سورة الأعلى، الغثاء اليابس المتكسر والأحوى الأخضر والنبات أول يكون أحوى أي أخضر ثم يكون غثاء أي يابسا متكسرا.

و ورد في الشريعة أن من علامات قرب قيام الساعة نزول عيسى عليه السلام من السماء إلى الأرض فأحاديث نزوله عليه السلام من السماء مشهورة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام لما ينزل من السماء ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، ثم يعيش في الأرض أربعين سنة يحكم خلالـها بشريعة القرءان شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعم بعد نزول عيسى عليه السلام الأرض الإسلام والأمن والسلام ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب.

وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:لَيَهْبِطَنَّ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا وَلَيَسْلُكَنَّ فَجًّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَلَيَأْتِيَنَّ قَبْرِي حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَلَأَرُدَنَّ عَلَيْهِ.
ويقيم في الأرض حاكمًا أربعين سنة ثم يموت فيدفن في الحجرة النبوية قرب قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *