نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(2)
14 نوفمبر 2016نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام (4)
14 نوفمبر 2016نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(3)
هجرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى بلاد الشام (فلسطين) ودخوله مصر واستقراره في الأرض المقدسة:
أصر قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الكفر والضلال ولم يؤمن به إلا نفر قليل منهم، ولما لم يجد إبراهيم عليه السلام منهم إقبالًا إلى الهدى والإيمان أراد أن يهاجر إلى بلد يتمكن فيه من عبادة الله ودعوة الناس فيه إلى الإيمان والإسلام، علَّه يجد هناك ءاذانًا صاغية وقلوبًا واعية تقبل الحق والإيمان وتُقرّ بوحدانية الله الملك الديان مالك السموات والأرض.
قال تعالى حكاية عن نبيه إبراهيم عليه السلام:{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}سورة الصافات، وذلك حين أراد هجرة قومه بعد هذا الإصرار والعناد منهم على كفرهم وضلالهم، أي إني ذاهب إلى حيث أمرني ربي عز وجل وهو الشام، أو المعنى إلى حيث أتمكن فيه من عبادة ربي عز وجل.
وقال تعالى في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {26} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}سورة العنكبوت.
وهاجر سيدنا إبراهيم عليه السلام مع زوجته سارة وابن أخيه لوط إلى أرض الشام، وبعث الله تعالى سيدنا لوطًا رسولا إلى أهل سدوم في أطراف الأردن المؤتفكة، وكانت هجرة إبراهيم عليه السلام إلى بر الشام بأمر الله فيها بركة، ثم وهبه الله تبارك وتعالى بهجرته هذه في سبيل الله الأولاد الصالحين وجعل في ذريته النبوة والكتاب، يقول الله تبارك وتعالى:{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ{71}وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ{72}وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}سورة الأنبياء.
رحيل إبراهيم عليه السلام إلى مصر:
يقال: إنه لما ضاقت سُبُل العيش في الشام وعمَّ القحط رحل إبراهيم عليه السلام إلى مصر وكانت معه زوجته سارة، وكان على هذه الأرض ملك كافر جبار متسلط، وكان قابضًا على زمام الحكم في هذه البلاد.
وكان من جملة الفساد الذي عند هذا الملك الخبيث أنه كان إذا دخلت إلى بلدته وأرضه امرأة جميلة يأخذونها إليه ليفعل الفاحشة بها، فلما دخل إبراهيم عليه السلام مع زوجته سارة إلى أرض الجبار وكانت سارة من أحسن وأجمل النساء وكانت لا تعصي إبراهيم عليه السلام. وصف حسن وجمال سارة عليها السلام لهذا الملك الجبار الخبيث فأرسل إلى إبراهيم فقال له: من هذه المرأة التي معك؟
ففطن إبراهيم عليه السلام إلى مقصده الخبيث ومأربه وخشي إن أخبره أنها زوجته أن يبيت له الشر فيقتله ليتخلص منه فيستأثر بسارة من بعده.
فقال له إبراهيم: أختي أي أختي في الإسلام.
فظن الملك الجبار أنها غير متزوجة، فطلب منه أن يحضرها إليه في قصره، وذهب إبراهيم عليه السلام إلى زوجته سارة وأخبرها بما جرى مع هذا الملك الجبار وقال لها: يا سارة ليس على وجه الأرض زوجان مؤمنان غيري وغيرك وإنَّ هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني.
ودخلت سارة على هذا الملك الجبار بعد أن قامت وتوضأت ودعت الله تعالى أن يكفيها شر هذا الملك الجبار، فلما رءاها هذا الملك أعجب بها ومدَّ يده إليها ليتناولها بيده لكنه أُخِذ ويبسَت يده، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله تبارك وتعالى فانفكت يده بعد يبسها وعادت الى طبيعتها، ولكنَّ هذا الخبيث طاوع نفسه الخبيثة وأمرته أن يمد يده إلى سارة ليتناولها مرة ثانية، فلما أهوى إليها يبست له مثل المرة الأولى أو أشد، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضرك فدعت سارة الله تعالى فأطلق الله يده.
فلما رأى هذا الخبيث ما رأى ردها إلى إبراهيم عليه السلام، ودعا بعض حجبته فقال لهم: إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بجنية.
ووهب لسارة وأخدمها هاجر، فأقبلت سارة عليها السلام بهاجر إلى زوجها إبراهيم عليه السلام وهو قائم يصلي، ثم لما سألها إبراهيم عما جرى معها قالت له: كفى الله كيد الكافرين وأخدمني هاجر، وقد روى هذه القصة بنحوها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة موقوفًا، والبزار في مسنده والإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا.
فائدة:
روى البخاري أنَّ سارة زوجة إبراهيم عليه السلام توضأت لما أتى إبراهيم أرض الجبار، وهذا يدلُّ على أن الوضوء كان موجودًا قبل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وفي شريعة الأنبياء السابقين.
مولد إسماعيل عليه السلام وقصة ماء زمزم:
مكث إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع زوجته سارة في فلسطين واستقر بها وكانت زوجته عقيماً لا تلد وكان يحزنها أن ترى زوجها ليس له ولد قيل: كان قد بلغ من العمر ستًا وثمانين سنة وهي قد جاوزت السبعين، فوهبت سارة هاجر وأعطتها لزوجها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقبل إبراهيم ذلك فلما أعطت سارة هاجر لإبراهيم عليه السلام صارت ملكه وحلالًا له في شريعة الله لانها كانت أمة مملوكة.
فلما دخل إبراهيم بهاجر ولدت له غلامًا زكيًا هو سيدنا إسماعيل عليه السلام الذي كان من نسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ففرح إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا المولود الجديد كذلك فرحت زوجته سارة لفرحه.
ولما بلغ إبراهيم مع ابنه إسماعيل وأمه هاجر مكة وكانت هاجر ترضع ابنها إسماعيل، وضعها إبراهيم مع ابنه عند دوحة – وهي الشجرة الكبيرة- فوق زمزم في أعلى المسجد، في ذلك المكان القفر وليس بمكة يومئذ أحد ولا بنيان ولا عُمران ولا ماء ولا كلأ، تركهما هناك وترك لهما كيسًا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم لما أراد العودة إلى بلاد فلسطين وقفَّى راجعًا لحقته هاجر أم اسماعيل وهي تقول له: يا إبراهيم أين تتركنا في هذا المكان الذي ليس فيه سمير ولا أنيس؟ وجعلت تقول له ذلك مرارًا، وكان يريد أن يطيع الله فيما أمره عند ذلك فقالت له: ءالله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت له بلسان اليقين وبالمنطق القويم: إذًا لا يضيعنا، ثم رجعت.
ولما ابتعد إبراهيم عن ولده وأم إسماعيل هاجر قليلًا وعند الثنية التفت جهة البيت ووقف يدعو الله تبارك وتعالى ويقول:{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}سورة إبراهيم.
مكثت هاجر أم إسماعيل مع ولدها إسماعيل حيث وضعهما إبراهيم عليه السلام وصارت ترضع ولدها إسماعيل وتشرب من ذلك الماء الذي تركه لهما إبراهيم، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعل يبكي ويتلوى من شدة العطش، وجعلت تنظر إليه وهو يتلوى، وانطلقت كراهية أن تنظر اليه في هذه الحالة وصارت تفتش له عن ماء، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فصعدت عليه، ثم استقبلت الوادي وصارت تسعى سعي المجهود حتى وصلت إلى جبل المروة، فصعدت عليه ونظرت فلم تجد أحدًا، فأخذت تذهب وتجيء بين الصفا والمروة سبع مرات، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، فقالت: أغثنا إن كان عندك غواث؟
فرأت ملكًا وهو جبريل عليه السلام يضرب بقدمه الأرض حتى ظهر الماء السلسبيل العذب وهو ماء زمزم، فجعلت أم إسماعيل تحوط الماء وتغرف منه بسقائها وهو يفور، وجعل جبريل يقول لها: لا تخافي الضياع فإن لله ههنا بيتًا وأشار إلى أكمة مرتفعة من الأرض يبنيه هذا الغلام وأبوه.
روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا).
شربت هاجر من ماء زمزم، وارتوت وأرضعت ولدها إسماعيل شاكرةً اللهَ الكريمَ اللطيفَ على عظيم فضله ورحمته وعنايته، ثم بدأت الطيور ترد ذلك الماء وتحوم حوله، ومرَّت قبيلة جُرْهُم العربية فرأوا الطيور حائمة حول ذلك الماء، فاستدلوا بذلك على وجود الماء، فوصلوا إلى ماء زمزم واستأذنوا من أم اسماعيل أن يضربوا خيامهم حول ذلك المكان قريبًا منه فأذنت لهم واستأنست بوجودهم حولها، ثم أخذ العُمران يتكاثر ببركة هذا الماء المبارك الذي خلقه الله في ذلك المكان من هذه البقعة المباركة الطيبة.
شبَّ إسماعيل عليه السلام ولد إبراهيم بين قبيلة جرهم العربية وتعلم منهم العربية وترعرع بينهم، ولما أعجبهم سيرته وخلقه زوجوه امرأة منهم، وأصبحت مكة مأهولة بالسكان منذ ذلك الحين بعد أن كانت جرداء وقفرًا موحشًا، وكان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد أن رجع إلى فلسطين بعد كل مدة وحين ذهب إلى مكة بالبراق يتردد إليهم وينظر إليهم ويتفقدهم صلوات الله وسلامه عليه.
فائدة:
جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرًا فإنَّ لهم ذمة ورحمًا) قيل: يعني ولادة هاجر لإسماعيل، وقيل غير ذلك، والحديث رواه الطبراني، وقال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح.
يتبع…في الجزء الرابع