نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام
15 نوفمبر 2016نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام(2)
15 نوفمبر 2016نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام(1)
قال الله تعالى:{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}سورة ص.
نسبه عليه السلام:
هو سليمان بن داود بن ايشا بن عويد بن عابر حتى ينتهي نسبه إلى يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وهو أحد أنبياء بني إسرائيل، وقد رزقه الله النبوة والملك وأعطاه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فكان ملكه واسعًا وسلطانه عظيمًا.
عدد المرات التي ذكر فيها في القرءان الكريم:
ذكر اسم سليمان عليه السلام في القرءان الكريم في ست عشرة ءاية وفي سبع سور، وقد ذكر الله تعالى في القرءان الكريم وفي ءايات كثيرة الكثير من النعم المترادفة عليه وعلى أبيه داود عليهما السلام يظهر فيها عظيم فضله تعالى عليهما.
وراثة سليمان داود في النبوة والملك:
يقول الله تبارك وتعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}سورة النمل.
ومعنى قوله تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}أي ورثه في المُلك والنبوة وليس المراد أنه ورثه في المال لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) أي أن الأنبياء لا تورث أموالهم عنهم كما يورث غيرهم بل تكون أموالهم صدقة من بعدهم.
صفته وذكاؤه وجودة رأيه في الحكم والقضاء:
كان نبي الله سليمان عليه السلام أبيض جسيمًا، كثير الشعر، يلبس من الثياب البياض ورث الملك عليه السلام وكان عمره حينئذ اثنتي عشرة سنة وقد كان مع حداثة سنِّه من ذوي الفطانة والذكاء وحسن التدبير والسياسة، وقد منحه الله تبارك وتعالى منذ صباه الذكاء والحكمة وحسن القضاء، فقد كان أبوه في أيام ملكه يشاوره في أموره مع حداثة سنه لحكمته وفطانته.
وقد ذكر القرءان الكريم طرفًا من ذلك النبوغ والذكاء الذي كان عند سليمان عليه السلام وذلك في قصة الحرث والزرع الذي نفشت فيه الغنم أي رعت فيه ليلاً، فاستفتى داود عليه السلام فأفتى فيها بوجه وأفتى فيها ابنه سليمان بوجه ءاخر، ووفق سليمان عليه السلام إلى الحكم الأقوم عليهما الصلاة والسلام.
قال الله تبارك وتعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ *فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}سورة الأنبياء.
وتفصيل هذه القصة أن زرعًا لقوم دخلت فيه غنمٌ لقوم ءاخرين ليلًا فأكلته وأفسدته، فجاء المتخاصمون إلى داود عليه السلام وكان عنده ابنه سليمان وقصوا عليه القصة، فحكم نبي الله داود بالغنم لصاحب الزرع عِوضًا عن حرثه الذي أتلفته الغنم ليلًا، فقال سليمان عليه السلام: أو غير ذلك؟ قال: ما هو؟ قال: (تدفعُ الغنمُ إلى أهل الحرث فينتفعون بألبانها وأولادها وأشعارها، وتدفعُ الحرث إلى أهل الغنم يقومون بإصلاحه حتى يعود كما كان، ثم يترادان بعد ذلك فيعود لأهل الغنم غنمهم ولأهل الحرث حرثهم) وكان ما أفتى به سليمان أقرب للصواب وأضمن للحق فقال داود عليه السلام: قد أصبت القضاء، ثم حكم بذلك.
ومما يدل أيضًا على حكمة وفطانة نبي الله سليمان عليه السلام وجودة رأيه في الحكم والقضاء ما جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر، فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك، وقالت الصغرى: بل إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى فخرجتا على سليمان فقال: ائتوني بسكين أشقه بينكما نصفين لكل واحدة منكما نصفه فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به لها) رواه البخاري ومسلم. ولما قال سيدنا سليمان عن الغلام: -أشقه- كان ذلك منه على وجه العرض والاستفهام وهو يعتقد أنها تقول -لا-، ويكفر من ظن أنه أمر بشقه نصفين.
سياسة سليمان عليه السلام وبناؤه لبيت المقدس:
قام سليمان عليه السلام بعمارة بيت المقدس تنفيذًا لوصية أبيه داود عليه السلام بعد أربع سنين من توليه الملك وأنفق في ذلك أموالاً كثيرة وانتهى من بنائه بعد سبع سنين، وأقام السور حول مدينة القدس. وقد كان ءادم عليه السلام أول من بنى المسجد الأقصى بناه بعد أربعين سنة من بنائه المسجد الحرام كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
روى النسائي وابن ماجه وأحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما بنى بيت المقدس سألَ ربَّه عز وجل خِلالًا ثلاثًا فأعطاه اثنين، ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة: سأله حُكمًا يُصادِف حُكمَه فأعطاه إياه، وسأله مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطاه إياه).
ولما انتهى سليمان من تجديد بناء بيت المقدس، بنى الهيكل أي القصر الملكي وقد أتم بناءه في مدة ثلاث عشرة سنة، وكان لسيلمان عليه السلام اهتمام عظيم بالإصلاح والعمران وكان له أسطول بحري كبير له عناية كبيرة بالخيل يُروّضها ويُعدها للجهاد في سبيل الله في الحروب، وكانت لسليمان مجموعة كبيرة من النساء الحرائر والسراري حيث لم يكن في شريعته تحديد لعدد الزوجات، روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفنَّ الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لرزق في سبيل الله فرسانًا أجمعون) قال تعالى:{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}سورة ص.
ومن هذا الحديث يعلم أن أنبياء الله عندما يكثرون الزوجات تكون نيتهم خالصة لله لما فيه مصلحة الدعوة وأن يرزقوا ذرية صالحة تجاهد في سبيل الله، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عدّد الزوجات لحكم عظيمة تعود لمصلحة الدعوة ونشر الإسلام ولم يكن نبي منهم متعلق القلب بالنساء.
نعم الله تعالى على سليمان عليه السلام:
قال الله عز وجل:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ *وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}سورة النمل.
أكرم الله عز وجل عبده ونبيه سليمان عليه السلام بنعم كثيرة وخصه بمزايا رائعة كانت عنوانًا للعظمة والمجد ومظهرًا من مظاهر المُلك العظيم والجاه الكبير والدرجة العالية عنه الله سبحانه، فقد فضّله الله تعالى بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن والإنس، وأعطاه الله عز وجل علمًا بالقضاء وتسبيح الجبال.
وقد علمه الله تبارك وتعالى منطق الطير ولغته وسائر لغات الحيوانات فكان يفهم عنها ما لا يفهمه سائر الناس، وكان يتحدث معها أحيانًا كما كان الأمر مع الهدهد والنمل، قال الله عز وجل:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ}سورة النمل، أي من كل شيء يجوز أن يؤتاه الأنبياء والناس، وقيل إن نبي الله سليمان عليه السلام أعطي ملك مشارق الارض ومغاربها.
وقد سخر الله تبارك وتعالى لنبيه سليمان عليه السلام الريح فكانت تنقله إلى أي أطراف الدنيا شاء، قال الله عز وجل:{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ}سورة ص، وقال تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}سورة الأنبياء.
والمعنى أن الله تعالى سخر لعبده سليمان الريح عاصفة أي شديدة الهبوب، تجري بأمر سليمان فتسير به إلى حيث شاء ثم تعود به إلى منزله بالشام. وقال الله تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}سورة سبإ، أي أنها تقطع به أول النهار مسيرة شهر، وبعد الظهر مسيرة شهر.
ويقال إنه كان لنبي الله سليمان عليه السلام بساط مركب من أخشاب بحيث أنه يسعُ جميع ما يحتاج إليه من الدُّور المبنية والقصور والخيام والامتعة والخيول والجمال والأثقال والرحال وغير ذلك من الحيوانات والطيور، فإذا أراد سفرًا أو قتال أعداء من أيّ بلاد الله شاء، حمل الأشياء كلها على هذا البساط وأمر الريحَ فدخلت تحته فرفعته وسارت به مُسرعة بإذن الله إلى أي مكان شاء بمشيئة الله تعالى وقدرته.
ومن نِعم الله تبارك وتعالى على سليمان عليه السلام أن سخّر له الجن ومَردة الشياطين يغُوصون له في البحار لاستخراج الجواهر واللآلئ ويعملون له الأعمال الصعبة التي يعجز عنها البشر، كبناء الصروح الضخمة والقصور العالية والقدور الضخمة العالية الثابتة والجفان التي تشبه الاحواض الكبيرة، يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله:{وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}أي وسخّر الله عز وجل له من الجن عُمالاً يعملون له ما يشاء لا يخرجون عن طاعته ومن خرج منهم عن أمره وطاعته عذبه ونكل به.
ثم بيّن الله تعالى ما كانت تصنع الجن لنبيه سليمان عليه السلام فقال عز وجل:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}سورة سبإ.
وقد جعل الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام سُلطة عالية على جميع الشياطين من الجن يسخر من يشاء منهم في الأعمال الشاقة، ويقيد من يشاء في الأغلال ليكف شرهم عن الناس، يقول الله عز وجل:{وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاص*وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}سورة ص، أي الأغلال.
ومن نعم الله تعالى على سليمان عليه السلام أن أسال له عين القِطر وهو النحاس المُذاب، فكان النُحاسُ يتدفّق رقراقًا مُذابًا لسليمان عليه السلام كتدفق الماء العذب، فيصنع منه سليمان عليه السلام ما يشاء من غير نار وكانت تلك العين في بلاد اليمن، يقول الله تبارك وتعالى:{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ}سورة سبإ.
ومن نعم الله تعالى على سليمان عليه السلام أن جُنْدهُ كان مؤلفًا من الجن والإنس والطير، وكان لسليمان عليه السلام قد نظّم لهم أعمالهم ورتب لهم شئونهم، فكان إذا خرج خرجوا معه في موكب حافل مهيب يُحيط به الجند والخدم من كل جانب، فالإنس والجن يسيرون معه سامعين مطيعين خاضعين، والطير بأنواعها تظله بأجنحتها من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش نقباء ورؤساء يديرون وينظمون الفرق في عرض رائع وموكب مَلكي حافل لم تر العين مثله، وهذا كله من فضل الله تعالى على عبده ونبيه سليمان عليه السلام الذي كان عبدًا مطيعًا أوّابًا داعيًا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وكان من عباد الله الشاكرين، يقول الله تعالى:{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}سورة ص، ويقول تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}سورة سبإ.
يتبع…..في الجزء الثاني