نُبُوَّةُ الْخَضِرِ وَمُقَابَلَةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُ

الاستمرارُ كلَّ اليَوم على الطّعامِ اللّذيذ لا خيرَ فيه
الاستمرارُ كلَّ اليَوم على الطّعامِ اللّذيذ لا خيرَ فيه
3 مايو 2018
كثيرٌ من الناس يُسرِفُون في الماء بسببِ الوسوسة هؤلاءِ وقعوا في المعصية
كثيرٌ من الناس يُسرِفُون في الماء بسببِ الوسوسة هؤلاءِ وقعوا في المعصية
9 مايو 2018
الاستمرارُ كلَّ اليَوم على الطّعامِ اللّذيذ لا خيرَ فيه
الاستمرارُ كلَّ اليَوم على الطّعامِ اللّذيذ لا خيرَ فيه
3 مايو 2018
كثيرٌ من الناس يُسرِفُون في الماء بسببِ الوسوسة هؤلاءِ وقعوا في المعصية
كثيرٌ من الناس يُسرِفُون في الماء بسببِ الوسوسة هؤلاءِ وقعوا في المعصية
9 مايو 2018

نُبُوَّةُ الْخَضِرِ وَمُقَابَلَةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُ

نُبُوَّةُ الْخَضِرِ وَمُقَابَلَةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُ

نُبُوَّةُ الْخَضِرِ وَمُقَابَلَةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُ

إِنَّ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلامُ نَبِىٌّ كَرِيمٌ مُعَمِّرٌ أَىْ عُمُرُهُ طَوِيلٌ كَانَ يَعِيشُ بَيْنَ الْبَشَرِ ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْمَاءَ كَأَنَّهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَعِيشُ إِلَى الآنَ فِى الْبَحْرِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَحْدَهُ مُنْفَرِدًا وَهُوَ مَحْجُوبٌ عَنِ الأَبْصَارِ وَقَدْ يَأْتِى إِلَى مَكَانٍ وَلا يَرَاهُ إِلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ مِنْ بَيْنِ الْحَاضِرِينَ كَمَا سَيَظْهَرُ مَعَنَا بَعْدَ قَلِيلٍ فِى قِصَّتِهِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَمَا كَانَا عَلَى ظَهْرِ السَّفِينَةِ فَاللَّهُ حَجَبَ أَعْيُنَ النَّاسِ عَنْهُ وَلا يَرَاهُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ كَأَكَابِرِ الأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ.

وَلْنَسْتَمِعْ مَعًا إِلَى سَبَبِ الْتِقَائِهِ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ.

لَمَّا نَجَّى اللَّهُ بَنِى إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُمْ قَامَ سَيِّدُنَا مُوسَى خَطِيبًا فِى الْمُسْلِمِينَ يَعِظُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَتْرُكْ نِعْمَةً أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهَا إِلَّا وَعَرَّفَهُمْ إِيَّاهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِى الأَرْضِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) فَقَالَ مُوسَى (لا) فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَوْحَى إِلَيْهِ قَائِلًا (وَمَا يُدْرِيكَ أَيْنَ أَضَعُ عِلْمِى بَلَى إِنَّ لِى عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ رَجُلًا وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ هُوَ عَبْدُنَا الْخَضِرُ) أَىْ يُوجَدُ مَنْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْعِلْمِ لَمْ تَتَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَنْتَ. وَكَانَ عِلْمُ الْخَضِرِ عِلْمَ مَعْرِفَةِ بَوَاطِنِ أُمُورٍ قَدْ أُوحِيَتْ إِلَيْهِ وَكَانَ عِلْمُ مُوسَى عِلْمَ الأَحْكَامِ وَالْفُتْيَا بِظَاهِرِ أَقْوَالِ النَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ فَيَكُونُ الْخَضِرُ أَعْلَمَ مِنْ مُوسَى بِأَحْكَامِ وَقَائِعَ مُفَصَّلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لا مُطْلَقًا فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى هَذَا اشْتَاقَتْ نَفْسُهُ الْفَاضِلَةُ وَهِمَّتُهُ الْعَالِيَةُ لِتَحْصِيلِ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَلِلِقَاءِ مَنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ إِنَّهُ أَعْلَمُ مِنْكَ وَفِى هَذَا إِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ إِلَى أَنَّ الْعَالِمَ يَرْحَلُ فِى طَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنَ الْعِلْمِ وَاغْتِنَامِ لِقَاءِ الْفُضَلاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَإِنْ بَعُدَتْ أَقْطَارُهُمْ وَذَلِكَ دَأْبُ الصَّالِحِ فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِيَّاهُ فَأَوْحَى إِلَيْهِ (أَنِ ائْتِ الْبَحْرَ فَإِنَّكَ تَجِدُ عَلَى شَاطِئِهِ حُوتًا أَىْ سَمَكَةً فَخُذْهُ فَادْفَعْهُ إِلَى فَتَاكَ ثُمَّ الْزَمْ شَاطِئَ الْبَحْرِ فَإِذَا نَسِيتَ الْحُوتَ وَهَلَكَ مِنْكَ فَثَمَّ تَجِدُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ الَّذِى تَطْلُبُ عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ) فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى حَالَ الْخَضِرِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ مَوْضِعَهُ بِعَيْنِهِ مِمَّا زَادَ تَشَوُّقَ مُوسَى إِلَيْهِ فَقَالَ (لا أَزَالُ أَمْضِى إِلَى مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أُمْضِى زَمَنًا طَوِيلًا حَتَّى أَجِدَ هَذَا الْعَالِمَ) وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ الدَّاعِى إِلَى الْحَقِّ وَالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ الْعَالِيَةِ بِأَنَّهُ هَيَّأَ نَفْسَهُ لِتَحَمُّلِ التَّعَبِ الشَّدِيدِ وَالْعَنَاءِ الْعَظِيمِ فِى السَّفَرِ لِأَجْلِ طَلَبِ الْعِلْمِ وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ لَوْ سَافَرَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ لِطَلَبِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ لَحُقَّ لَهُ ذَلِكَ.

فَانْطَلَقَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بنُ نُونٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ الَّذِى كَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَيُرَافِقُهُ وَيَخْدِمُهُ وَأَخَذَا سَمَكَةً مُمَلَّحَةً مُهَيَّأَةً لِلأَكْلِ وَخُبْزًا زَادًا لَهُمَا وَمَضَيَا ثُمَّ وَصَلا إِلَى مُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ وَيُقَالُ إِنَّهُمَا بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَجَلَسَا عِنْدَ ظِلِّ صَخْرَةٍ فِى مَكَانٍ قُرْبَ ضِفَّةِ الْبَحْرِ وَوَضَعَا رَأْسَيْهِمَا فَنَامَا وَكَانَ فِى أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنُ مَاءٍ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ تَنْزِلُ مِثْلَ شَلَّالٍ صَغِيرٍ لا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَىْءٌ إِلَّا حَيِىَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَأَصَابَ السَّمَكَةَ الْمُمَلَّحَةَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ فَتَحَرَّكَتْ وَانْسَلَّتْ مِنَ الْوِعَاءِ الَّذِى كَانَتْ فِيهِ وَدَخَلَتِ الْبَحْرَ وَالْغَرِيبُ أَنَّ هَذِهِ السَّمَكَةَ كَانَ قَدْ أُكِلَ نِصْفُهَا وَبَقِىَ النِّصْفُ الآخَرُ فَكَانَ هَذَا الأَمْرُ مُعْجِزَةً لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَيُذْكَرُ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ رَأَوْا بَعْدَ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ نَوْعًا جَدِيدًا مِنَ السَّمَكِ كَانَ مِنْ نَسْلِ تِلْكَ السَّمَكَةِ فَأَحَدُ جَانِبَيْهَا شَوْكٌ وَعَظْمٌ وَجِلْدٌ رَقِيقٌ عَلَى أَحْشَائِهَا وَالْجَانِبُ الآخَرُ صَحِيحٌ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمَّا حَيِيَتْ بَعْدَ أَنْ أُكِلَ مِنْهَا اسْتَمَرَّتْ فِيهَا تِلْكَ الصِّفَةُ ثُمَّ فِى نَسْلِهَا. وَاسْتَيْقَظَ الْفَتَى يُوشَعُ فَرَأَى السَّمَكَةَ قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الْوِعَاءِ فَقَالَ (لَنْ أُوقِظَ رَسُولَ اللَّهِ مُوسَى الآنَ وَلَكِنْ سَأُخْبِرُهُ عِنْدَمَا يَسْتَيْقِظُ) وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظَ مُوسَى نَسِىَ فَتَاهُ أَنْ يُخْبِرَهُ عَنْ خُرُوجِ السَّمَكَةِ وَنَسِىَ مُوسَى سُؤَالَ الْفَتَى إِنْ رَأَى شَيْئًا غَرِيبًا فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا وَلَمْ يَشْعُرَا بِجُوعٍ وَلا تَعَبٍ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ وَقَدْ مَشَيَا مَسَافَةً طَوِيلَةً قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ (ءَاتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ تَعِبْنَا مِنَ هَذَا السَّفَرِ).

وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى التَّعَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِى أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ثُمَّ أَخْبَرَ يُوشَعُ سَيِّدَنَا مُوسَى بِالْقِصَّةِ فَقَالَ وَقَدْ شَعَرَ بِاقْتِرَابِ لِقَائِهِ بِالْخَضِرِ (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِيهِ وَنَطْلُبُهُ) ثُمَّ عَادَا فِى نَفْسِ الطَّرِيقِ الَّذِى أَتَيَا مِنْهُ ثُمَّ رَأَيَا أَثَرَ جَرْىِ السَّمَكَةِ فِى الْبَحْرِ إِذْ ظَهَرَ مِثْلُ أُخْدُودٍ صَخْرِىٍّ فَسَلَكَاهُ حَتَّى رَجَعَا إِلَى الصَّخْرَةِ الَّتِى كَانَا عِنْدَهَا وَهُنَاكَ وَجَدَ مُوسَى سَيِّدَنَا الْخَضِرَ عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ وَهُوَ مُسَجًّى بِثَوْبٍ أَخْضَرَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَقَالَ مُوسَى (السَّلامُ عَلَيْكُمْ) فَكَشَفَ الْخَضِرُ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ (وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَهَلْ بِأَرْضِى مِنْ سَلامٍ) لِأَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الأَرْضِ لَمْ يَكُونُوا فِى ذَاكَ الْوَقْتِ مُسْلِمِينَ. ثُمَّ سَأَلَ الْخَضِرُ مُوسَى (مَنْ أَنْتَ) قَالَ (أَنَا مُوسَى) فَقَالَ (مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ) قَالَ (نَعَمْ وَمَا أَدْرَاكَ أَنِّى مُوسَى) قَالَ (أَدْرَانِى بِكَ الَّذِى أَدْرَاكَ بِى أَلَمْ يَكُنْ لَكَ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ مَا يُشْغِلُكَ عَنِ السَّفَرِ إِلَى هُنَا) قَالَ (بَلَى وَلَكِنِّى أُمِرْتُ أَنْ ءَاتِيَكَ لِتُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) فَقَالَ الْخَضِرُ (أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ وَأَنَّ الْوَحْىَ يَأْتِيكَ، يَا مُوسَى إِنِّى عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لا أَعْلَمُهُ أَنَا).

فَتَلَطَّفَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِى الْقَوْلِ وَتَجَمَّلَ بِأَحْسَنِ مَا وَهَبَهُ اللَّهُ مِنْ أَدَبِ الْحَدِيثِ وَفَضْلِ التَّوَاضُعِ وَقَالَ (هَلْ تَأْذَنُ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَنْ تَفِيضَ عَلَىَّ بِعِلْمِكَ عَلَى أَنْ أَتْبَعَكَ وَأَلْتَزِمَ أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ) وَكَانَ الْخَضِرُ قَدْ أُلْهِمَ أَنَّ مُوسَى لا يَصْبِرُ عَلَى السُّكُوتِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَقَالَ لِمُوسَى (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا، وَلَوْ أَنَّكَ صَحِبْتَنِى سَتَرَى ظَوَاهِرَ عَجِيبَةً وَأُمُورًا غَرِيبَةً) فَقَالَ مُوسَى وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى الْعِلْمِ تَوَّاقًا إِلَى الْمَعْرِفَةِ (سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا).

فَقَالَ الْخَضِرُ (إِنْ صَحِبْتَنِى ءَاخُذُ عَلَيْكَ عَهْدًا وَشَرْطًا أَنْ لا تَسْأَلَنِى عَنْ شَىْءٍ حَتَّى يَنْقَضِىَ الشَّرْطُ وَتَنْتَهِىَ الرِّحْلَةُ وَإِنِّى بَعْدَهَا سَأُبَيِّنُ لَكَ مَا قَدْ تَتَسَاءَلُ عَنْهُ وَأَشْفِى مَا بِصَدْرِكَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *