نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(1)
نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(1)
14 نوفمبر 2016
نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(3)
نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(3)
14 نوفمبر 2016
نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(1)
نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(1)
14 نوفمبر 2016
نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(3)
نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(3)
14 نوفمبر 2016

نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(2)

نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام(2)

قصة إبراهيم عليه السلام في تكسيره للأصنام التي يعبدها قومه وإظهاره الحجة عليهم:

ولما رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنهم ما زالوا متعلقين بأوهامهم متمسكين بعبادة أصنامهم عَقَد النية على أن يكيد أصنامهم ويفعل بها أمرًا يقيم الحجة به عليهم لعلهم يفيقون من غفلتهم ويصحون من كبوتهم، وكان من عادة قومه أن يقيموا لهم عيدًا، فلمَّا حلَّ عليهم عيدهم وهموا بالخروج إلى خارج بلدهم دعوه ليخرج معهم فأخبرهم أنه سقيم لأنه أراد التخلف عنهم ليكسر أصنامهم ويقيم الحجة عليهم، قال تعالى:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ}سورة الصافات90-89-88.

فلما مضى قومه ليحتفلوا بعيدهم نادى في ءاخرهم:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}سورة الأنبياء57، قيل: سمعه بعضهم وقيل: خفية في نفسه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الأصنام الذي كان فيه قومه يعبدون هذه الأصنام، فإذا هو في بهو عظيم واسع مستقبل باب البهو صنم كبير إلى جانبه أصنام صغيرة بعضها إلى جنب بعض، وإذا هم قد صنعوا لها طعامًا وضعوه أمام هذه الأصنام، فلما نظر إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى ما بين أيدي هذه الأصنام من الطعام الذي وضعه قومه قربانًا لها ورأى سخافة عقولهم، خاطب هذه الأصنام وقال لها على سبيل التهكم والازدراء:{ أَلَا تَأْكُلُونَ} سورة الصافات 91، فلما لم تجبه قال لها أيضًا على سبيل الاحتقار{مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}سورة الصافات92-93.

أمسك بيده اليمنى فأسًا وأخذ يهوي على الأصنام يكسرها ويحطم حجارتها قال تعالى:{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا}سورة الأنبياء58، وما زال كذلك حتى جعلها كلها حطامًا إلا كبير هذه الأصنام فقد أبقى عليه وعلق الفأس في عنقه ليرجعوا إليه فيظهر لهم أنها لا تنطق ولا تعقل ولا تدفع عن نفسها ضررًا، وبذلك يقيم سيدنا إبراهيم عليه السلام الحجة على قومه الكافرين الذين يعبدونها على غير برهان ولا هدى تقليدًا لآباءهم، قال تعالى:{ إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}سورة الأنبياء58.

ولما رجع قومه من عيدهم ووجدوا ما حل بأصنامهم بهتوا واندهشوا وراعهم ما رأوا في أصنامهم، قال الله تعالى: {قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }سورة الأنبياء59-60، يعنون فتى يسبها ويعيبها ويستهزىء بها وهو الذي نظن أنه صنع هذا وكسرها، وبلغ ذلك الخبر الملك نمرود الجبار ملك البلاد وحاكمها وأشراف قومه{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ}سورة الأنبياء61، وأجمعوا على أن يحضروا إبراهيم ويجمعوا الناس ليشهدوا عليه ويسمعوا كلامه وكان اجتماع الناس في هذا المكان الواحد مقصد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليقيم على قومه الحجة على بطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وتقاطرت الوفود وتكاثرت جموع الكافرين كلّ يريد الاقتصاص من إبراهيم نبي الله الذي أهان أصنامهم واحتقرها، ثم جاءوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى هذا الجمع الزاخر من الكافرين أمام ملكهم الجبار نمرود {قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}سورة الأنبياء62، وهنا وجد نبي الله إبراهيم الفرصة سانحة ليقيم الحجة عليهم وليظهر لهم سخف معتقدهم وبطلان دينهم {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}سورة الأنبياء63، وهذا إلزام للحجة عليهم بأن الأصنام جماد لا تقدر على النطق، وأنَّ هذه الأصنام لا تستحق العبادة فهي لا تضر ولا تنفع، ولا تملك لهم نفعًا ولا ضرًا ولا تغني عنهم شيئًا.

فعادوا إلى أنفسهم فيما بينهم بالملامة لأنهم تركوها من غير حافظ لها ولا حارس عندها، ثم عادوا فقالوا لإبراهيم عليه السلام ما أخبر الله تعالى:{ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ }سورة الأنبياء65، أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه الأصنام التي نعبدها لا تنطق فكيف تطلب منا أن نسألها.

فلما أقروا على أنفسهم بأن أصنامهم التي اتخذوها ءالهة من دون الله عاجزة عن الإصغاء والنطق واعترفوا أنها عاجزة لا تدرك ولا تشعر ولا تقدر ولا حياة لها، عند ذلك أقام إبراهيم عليه السلام الحجة عليهم وأفحمهم قال الله تعالى:{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَايَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}سورة الأنبياء66-67، وقال لهم:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}سورة الصافات96، عند ذلك غلبوا على أمرهم وألزمهم نبي الله إبراهيم الحجة عليهم فلم يجدوا حجة يحتجون عليه، يقول تعالى:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}سورة الأنعام83.

قال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ {51} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ {52} قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ {53} قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {54} قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ {55} قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ {56} وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ {57} فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ {58} قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ {59} قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ {60} قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ {61} قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ {62} قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ {63} فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ {64} ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ {65} قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَايَضُرُّكُمْ {66} أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {67} قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ {68} قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ {69} وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}سورة الأنبياء.

فائدة:

ليعلم أن قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} -بل فعله كبيرهم هذا- ليس كذبًا حقيقيًا بل هو صدق من حيث الباطن والحقيقة، لأن كبير الأصنام هو الذي حمله على الفتك بالأصنام الأخرى من شدة اغتياظه من هذا الصنم الكبير لمبالغتهم في تعظيمه بتجميل هيأته وصورته، فحمله ذلك على أن يكسر صغار الأصنام ويهين كبيرها، فيكون إسناد الفعل إلى الكبير إسنادًا مجازيًا فلا كذب في ذلك، لأن الأنبياء يستحيل عليهم الكذب لأن من صفاتهم الواجبة لهم الصدق فهم لا يكذبون.

ولما قال إبراهيم عليه السلام لقومه عندما سألوه:{قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}سورة الأنبياء62-63، أراد بذلك أن يبادروا الى القول بأنها لا تنطق قال تعالى:{فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ}سورة الأنبياء64-65.

ذكر مناظرة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام مع الملك الجبار نمرود الذي ادعى الألوهية:

أقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحجة على قومه بعد أن حطّم أصنامهم، فاغتاظوا منه وأحضروه أمام ملكهم النمرود وأشراف قومه. فأخذ النمرود ينكر على إبراهيم عليه السلام دعوته إلى دين الإسلام، وأن الله تعالى هو ربُّ العالمين لا ربَّ سواه، وأخذ يدّعي عنادًا وتكبرًا أنه هو الإله وقال لإبراهيم: أخبِرْني الذي تعبده وتدعو إلى عبادته ما هو، فقال له إبراهيم عليه السلام:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ}سورة البقرة، وبيَّن له أن الله تعالى هو خالق كل شيء، واستدل على وجود الخالق بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وإماتتها، وأنه لا بُدَّ لهذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر من خالق مُسَخِّرٍ لها ومُدَبِّر.

فقال النمرود الجبار المستكبر: أنا أحيي وأميت أي أنا أحيي من أشاء بالعفو عنه بعد أن يكون صدر الحكم عليه بالقتل فينعم بالحياة، وأنا أميت من أشاء بأمري وأقضي عليه بحكمي، وقال: ءاخذ رجلين قد استوجبا القتل فأقتل أحدهما فأكون قد أمته وأعفو عن الآخر فأكون قد أحييته.

ظن نمرود بمقالته هذه البعيدة عن الحقيقة أنه على صواب وأراد المراوغة والاستكبار والعناد، فأراد إبراهيم عليه السلام أن يفحمه بالحجة القوية ويضيق عليه الخناق ويظهر له جهله وسخف عقله أمام قومه، فأعطاه دليلًا قويًا على أن الله تعالى هو الخالق المدبر لهذا العالم، وأن ما ادعاه عنادًا واستكبارًا باطل فقال له:{قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} أي أن هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها الله الذي هو خالقها وخالق كل شيء، فان كنت كما زعمت باطلًا أنك تحيي وتميت فأت بهذه الشمس من المغرب، فإن الذي يحيي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يُمانَع ولا يُغالَب.

وأمام هذه الحجة الساطعة وقف النمرود مبهوتًا مبغوتًا أمام قومه، قال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}سورة البقرة.

وأمام عناد واستكبار هذا الملك الطاغية واستمراره على غيّه وضلاله، يقال: إن الله بعث إلى ذلك الملك الجبار العنيد ملَكًا يأمره بالإيمان بالله والدخول في دين الإسلام، فأبى عليه ثم دعاه ثانية فأبى عليه ثم دعاه الثالثة فأبى عليه وقال له: اجمعْ جموعَك وأجمع جمُوعي، فجمع النمرودُ جيشَه وجنودَه وقت طلوع الشمس وأرسل اللهُ عليه ذبابًا من البعوض بحيث لم يرَوْا عين الشمس وسلط الله هذه الحشرات عليهم فأكلت لحومَهُم ودماءَهُم وتركتهم عِظامًا، ودخلت ذبابةٌ في منخرِ النمرود فمكثت فيه أربعمائة سنة عَذّبه اللهُ بها، فكان يضرب رأسه بالمرازب في هذه المدة كلِّها حتى أهلكه الله عز وجل بها.

مُعجزةُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام في عدم احتراقه بالنار:

أراد قومُ إبراهيم عليه السلام أن ينتقموا من إبراهيم عليه السلام لما كسّر أصنامهم وحطمها وأهانها، فلمَّا غلبهم بحجتِه القوية الساطعة أرادوا مع مَلِكهم هذا أن ينتقموا منه فيحرقوه في نار عظيمة فيتخلصوا منه، قال تعالى مخبرًا عن قولهم:{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}سورة الصافات، وقال:{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}سورة الأنبياء. فشرعوا يجمعون الحطب من جميع ما يمكنهم من الأماكن ليلقوه بها وجعلوا ذلك قربانًا لآلهتهم – على زعمهم- حتى قيل إنَّ المرأةَ منهم كانت إذا مَرضتْ تنذر لئن عوفيت لَتحملنَّ حطبًا لحريق إبراهيم، وهذا يدل على عُظْمِ الحقدِ المتأجج في صدورهم ضد إبراهيم عليه السلام.

ثم عمدوا إلى حفرة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب وأضرموا النار فيها فتأججت والتهبت، وعلا لها شرر عظيم لم يُر مثله، وكانوا لا يستطيعون لقوة لهبها أن يتقدموا منها، ثم لما كانوا لا يستطيعون أن يمسكوا إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام بأيديهم ويرموه في هذه النار العظيمة لشدة وهجها، صَنعوا المنْجنيق ليرموه من مكان بعيد، فأخذوا يُقيدون إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو عليه الصلاة والسلام متوكل على الله حق توكله، فلما وضعوه عليه السلام في كفة هذا المنجنيق مقيدًا مكتوفًا وألقوه منه إلى وسط النار قال: -حَسْبُنا الله ونعم الوكيل- كما روى ذلك البخاري عن ابن عباس.

فلما ألقي إبراهيم لم تحرقه النار ولم تصبه بإذى ولا ثيابه، لأن النار لا تُحرِقُ بذاتها وطبعها وإنما اللهُ يَخلُقُ الإحراق فيها، قال الله:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}سورة الأنبياء.

فكانت هذه النار الهائلة العظيمة بَردًا وسلامًا على إبراهيم فلم تحرقه ولم تحرق ثيابه، وقيل: لم تحرق سوى وثاقَه الذي وثقوا وربطوا به إبراهيم عليه السلام. ويروى عن بعض السلف أن جبريل عليه السلام عَرَض له في الهواء فقال: يا إبراهيمُ ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.

ولما خبا سَعِير هذه النار العظيمة وانقشع دخانها وجدوا إبراهيم سليمًا معافى لم يصبه أيُّ أذى فتعجبوا لأمره ونجاته، ومع أنهم رأوا هذه المعجزة الباهرة ظلوا على كُفرهم وعنادهم ولم يُؤمنوا بنبيّ الله إبراهيم عليه السلام، لقد أرادوا أن ينتصروا لكفرهم فخُذِلوا، يقولُ الله تبارك وتعالى:{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}سورة الانبياء، وقال:{ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}سورة الصافات.

يتبع…..في الجزء الثالث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *