قِصَّةٌ غَرِيبَةٌ فِيهَا دِلالَةٌ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَوْصَى بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ إِذَا ظَهَرَ
24 نوفمبر 2017الشيخ عبد القادر القصاب
5 ديسمبر 2017إنَّ الَّذِي أَيّنَ الأَينَ لَا يُقَالُ لَهُ أَين (من كِتاب التبصيرُ في الدين وتمييزُ الفِرقة الناجية عن الفِرَقِ الهالِكِين)
إنَّ الَّذِي أَيّنَ الأَينَ لَا يُقَالُ لَهُ أَين
قال الإمامُ أبو الْمُظَفَّرِ الأَسْفَرايِينيّ (ت 471هـ) في كِتابه التبصيرُ في الدين وتمييزُ الفِرقة الناجية عن الفِرَقِ الهالِكِين ما نَصُّه (لَا يجوز عَلَيْهِ (يعني الله) الْكَيْفِيَّةُ والكَمِّيَةُ والأَيْنِيَّةُ، لِأَنَّ مَن لَا مِثْلَ لَهُ لَا يُمْكِنُ أَن يُقَال فِيهِ كَيفَ هُوَ، وَمن لَا عَدَدَ لَهُ لَا يُقَال فِيهِ كم هُوَ، وَمَن لَا أَوَّلَ لَهُ لَا يُقَال لَهُ مِمَّ كَانَ وَمن لَا مَكَان لَهُ لَا يُقَال فِيهِ أَيْن كَانَ وَقد ذَكَرْنَا مِن كِتَاب الله تَعَالَى مَا يَدُلُّ على التَّوْحِيد وَنَفْيِ التَّشْبِيه وَنفْيِ الْمَكَانِ والجِهَةِ وَنفْيِ الِابْتِدَاءِ والأَوَّلِيّةِ، وقد جَاءَ فِيهِ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليٍّ رَضِي الله عَنهُ أَشْفَى الْبَيَانِ حِين قِيلَ لَهُ أَيْن الله، فَقَالَ إِنَّ الَّذِي أَيَّنَ الأَيْنَ لَا يُقَالُ لَهُ أَيْن، فَقيل لَهُ كَيفَ اللهُ، فَقَالَ إِنَّ الَّذِي كَيَّفَ الكَيْفَ لَا يُقَال لَهُ كَيْفَ). انتهى
*** انشُر صُوَرَ الأدِلّةِ ***
ولزيادة الفائدة (سَبَبُ نُزُولِ الإِخْلاصِ)
قَالَتِ الْيَهُودُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِفْ لَنَا رَبَّكَ، أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا إِلَى النَّبِيِّ فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ فَنَزَلَتْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ… إِلَى ءَاخَرِ السُّورَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ هَذِهِ صِفَةُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ) قَدْ كَانَ سُؤَالُهُمْ تَعَنُّتًا (أَيْ عِنَادًا) لا حُبًّا لِلْعِلْمِ وَاسْتِرْشَادًا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ الإِخْلاصِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أَيِ الَّذِي لا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ وَالْكَثْرَةَ وَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الذَّاتِ أَوِ الصِّفَاتِ أَوِ الأَفْعَالِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَاتِهِ، بَلْ قُدْرَتُهُ تَعَالَى قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَعِلْمُهُ وَاحِدٌ يَعْلَمُ بِهِ كُلَّ شَىْءٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾ (سُورَةَ النَّحْل 74) أَيْ لا تُشَبِّهُوهُ بِخَلْقِهِ، فَقُدْرَةُ اللَّهِ قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى كُلِّ شَىْءٍ هِيَ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لَيْسَتْ مُتَعَدِّدَةً بِتَعَدُّدِ الأَشْيَاءِ بَلْ قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ خَلَقَ بِهَا كُلَّ الْمُحْدَثَاتِ، وَكَذَلِكَ عِلْمُ اللَّهِ وَاحِدٌ أَزَلِيٌ أَبَدِيٌّ يَعْلَمُ بِهِ كُلَّ شَىْءٍ، يَعْلَمُ بِهِ الأَزَلِيَّ كَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَيَعْلَمُ بِهِ الْحَادِثَاتِ أَيْضًا لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ شَامِلٌ لِلأَزَلِيِّ وَالْحَادِثِ، أَمَّا قُدْرَتُهُ شَامِلَةٌ لِلْحَادِثِ، أَمَّا الأَزَلِيُّ فَلا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ أَيِ الَّذِي تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ، فَاللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ وَكُلُّ شَىْءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيَقْصِدُهُ الْعِبَادُ عِنْدَ الشِّدَّةِ هَذَا مَعْنَى الصَّمَدِ، وَهَكَذَا نُفَسِّرُهُ، وَفِي اللُّغَةِ الصَّمَدُ السَّيِّدُ الْمَقْصُودُ، الشَّخْصُ الَّذِي هُوَ سَيِّدٌ أَيْ عَالِي الْقَدْرِ فِي النَّاسِ مُعْتَبَرٌ فِيهِمْ هَذَا فِي اللُّغَةِ يُسَمَّى صَمَدًا، لِذَلِكَ الصَّمَدُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِهِ بَلْ يَجُوزُ تَسْمِيَةُ غَيْرِهِ بِهِ، فَإِذَا إِنْسَانٌ سَمَّى ابْنَهُ الصَّمَدَ لَيْسَ حَرَامًا.
وقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ الَّذِي يُقْصَدُ عِنْدَ الشِّدَّةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَلا يَجْتَلِبُ بِخَلْقِهِ نَفْعًا لِنَفْسِهِ وَلا يَدْفَعُ بِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ضُرًّا، ومَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لا يَنْتَفِعُ بِخَلْقِهِ، وَلا يَجْتَلِبُ نَفْعًا مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ وَلا يَدْفَعُ ضَرَرًا بِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ فَهُمْ لا يَنْفَعُونَهُ وَلا يَضُرُّونَهُ، قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (سُورَةَ الذَّارِيَّات) فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ مَعْنَاهُ إِلَّا لِآمُرَهُمْ بِعِبَادَتِي.
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَخْلُقُ شَيْئًا عَبَثًا، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ شَيْئًا عَبَثًا بِلا حِكْمَةٍ فَقَدْ كَفَرَ كَالَّذِي يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ فُلانًا أَرَادَ أَنْ يَمْلأَ بِهِ الْفَرَاغَ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ نَفْيٌ لِلْمَادِّيَّةِ وَالِانْحِلالِ وَهُوَ أَنْ يَنْحَلَّ مِنْهُ شَىْءٌ أَوْ أَنْ يَحُلَّ هُوَ فِي شَىْءٍ، أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ أَبًا وَلا ابْنًا، فَقَوْلُهُ ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ يُعْطِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْ أَنَّهُ لا يَنْحَلُّ مِنْهُ شَىْءٌ أَيْ لا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْهُ شَىْءٌ كَمَا يَنْفَصِلُ عَنِ الرَّجُلِ وَلَدُهُ، وَقَوْلُهُ ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ يُعْطِي أَنَّهُ لا يَحُلُّ هُوَ فِي شَىْءٍ.
وَمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ مَوْلِدِ الْعَرُوسِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ نُورِ وَجْهِهِ فَقَالَ لَهَا كُونِي مُحَمَّدًا فَكَانَتْ مُحَمَّدًا فَهَذِهِ مِنَ الأَبَاطِيلِ الْمَدْسُوسَةِ، وَحُكْمُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُزْءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّكْفِيرُ قَطْعًا، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَعْتَقِدُ فِي الْمَسِيحِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ اللَّهِ، فَهَذَا مِنَ الأَبَاطِيلِ الَّتِي أَدْخَلَهَا بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الإِسْلامِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُوهِمُ أَنَّ اللَّهَ لَهُ أَجْزَاءٌ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضٌ وَجُزْءٌ وَعَنْ أَنْ يَنْحَلَّ فِيهِ شَىْءٌ، وَمِنَ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ الْكُفْرِيَّةِ اعْتِقَادُ أَنَّ الرَّسُولَ جُزْءٌ مِنَ اللَّهِ، وَكَمْ كَفَرَ مِنَ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُسَمَّى مَوْلِدُ الْعَرُوسِ وَقَائِلُ هَذَا كَالَّذِي يَقُولُ إِنَّ الْمَسِيحَ جُزْءٌ مِنَ اللَّهِ رُوحٌ مُنْفَصِلٌ مِنَ اللَّهِ فَهَذَا كَافِرٌ وَهَذَا كَافِرٌ، قَالَ تَعَالَى ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ (سُورَةَ الزُّخْرُف 15).
وَلَيْسَ هَذَا الْكِتَابُ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَنْسِبْهُ إِلَيْهِ إِلَّا الْمُسْتَشْرِقُ بُروكلْمَان، فَكِتَابُ مَوْلِدِ الْعُرُوسِ لَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الَّذِي كَانَ مُحَدِّثًا فَقِيهًا مُفَسِّرًا أُعْطِيَ بَاعًا قَوِيًّا فِي الْوَعْظِ كَانَ مِنْ قُوَّةِ وَعْظِهِ إِذَا تَكَلَّمَ يُحَرِّكُ الْقُلُوبَ، وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ بِسَبَبِ دُرُوسِهِ وَمَوَاعِظِهِ مِائَةُ أَلْفٍ، فَهَذَا الْكِتَابُ مُلْصَقٌ بِهِ وَمُؤَلَّفَاتُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا مَنْ تَرْجَمُوهُ، وَقَدْ نُسِبَتْ إِلَى عَدَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ سِوَاهُ كُتُبٌ لَيْسَتْ لَهُمْ بَلْ أَصْحَابُهَا مَجْهُولُونَ.
وَإِنَّمَا نَسَبَ هَذَا الْكِتَابَ الْفَاسِدَ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ رَجُلٌ أَفْرَنْجِيٌّ كَافِرٌ تَعَلَّمَ لُغَةَ الْعَرَبِ وَصَارَ يَنْظُرُ فِي مُؤَلَّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ وَدَلِيلٍ هَذَا لِفُلانٍ، وَقَدْ عَمِلَ مِنَ الْمُجَلَّدَاتِ فِي ذَلِكَ عَدَدًا.
وقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ أَيْ لا نَظِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ لا يُشْبِهُ شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿كُفُوًا﴾ يُقْرَأُ كُفُوًا وَيُقْرَأُ كُفْوًا بِتَسْكِينِ الْفَاءِ عَلَى إِحْدَى الْقُرَاءَاتِ.