قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التُونسي المالكي (ت 1393 هـ) في التحرير والتنوير في تفسير (قول الله تعالى ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ وَإِضَافَةُ عَرْشٍ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ مِثْلُ إِضَافَةِ الْكَعْبَةِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ الْآيَة﴾ (الْحَج 26)، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنِ السُّكْنَى فِي بَيْتٍ). انتهى
*** انشُر صُورَةَ الدَّلِيل ***
قال الله تعالى (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (سورة الإخلاص آية 4) أَيْ أَنَّ اللَّهَ لا يُشْبِهُ شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى (كُفُوًا) يُقْرَأُ كُفُوًا وَيُقْرَأُ كُفْوًا بِتَسْكِينِ الْفَاءِ عَلَى إِحْدَى الْقُرَاءَاتِ، وهذه الآية قد فسَّرتها أية الشورى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (سورة الشورى آية 11)، أي أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه بوجه من الوجوه، ففي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة، فلا يحتاج إلى مكان يحُل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها، بل الأمر كما قال سيدنا عليّ رضي الله عنه (كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان) رواه أبو منصور البغدادي.
سَبَبُ نُزُولِ الإِخْلاصِ:
قَالَتِ الْيَهُودُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صِفْ لَنَا رَبَّكَ) (1) قَدْ كَانَ سُؤَالُهُمْ تَعَنُّتًا (أَيْ عِنَادًا) لا حُبًّا لِلْعِلْمِ وَاسْتِرْشَادًا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ الإِخْلاصِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أَيِ الَّذِي لا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ وَالْكَثْرَةَ وَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الذَّاتِ أَوِ الصِّفَاتِ أَوِ الأَفْعَالِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَاتِهِ، بَلْ قُدْرَتُهُ تَعَالَى قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَعِلْمُهُ وَاحِدٌ يَعْلَمُ بِهِ كُلَّ شَىْءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى (اللَّهُ الصَّمَدُ) أَيِ الَّذِي تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَالَّذِي يُقْصَدُ عِنْدَ الشِّدَّةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَلا يَجْتَلِبُ بِخَلْقِهِ نَفْعًا لِنَفْسِهِ وَلا يَدْفَعُ بِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ضُرًّا.
قَوْلُهُ تَعَالَى (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) نَفْيٌ لِلْمَادِّيَّةِ وَالِانْحِلالِ وَهُوَ أَنْ يَنْحَلَّ مِنْهُ شَىْءٌ أَوْ أَنْ يَحُلَّ هُوَ فِي شَىْءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) أَيْ لا نَظِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.