عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ ثالِثُ الخُلَفاءِ الراشِدِين
18 يناير 2019الهجرة من مكة إلى المدينة المشرفة
19 يناير 2019حكم متعلّق بمعاملة البهائم والتّذكية الشرعية ويتبعه سنن الذبح عند السّادة الشّافعية
سؤال: ما حكم سوق البهائم من بلد إلى بلد وأحيانا لا يتعامل العمال معها برفق؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى ءادم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجميع إخوانه الأنبياء والمرسلين وعلى ءال كل وصحب كل أما بعد،
فقد تقدمت شركة WSPA برسالة تتضمن طلب حكم الشرع الإسلامي فيما يتعلق بنقل الحيوانات لمسافات بعيدة ثم يتم ذبحها بطرق لا تراعي الرفق بالحيوان على حسب ما جاء في السؤال مفصلا الذي ورد، فنقول في الإجابة عن ذلك:
أن الذكاة الشرعية تكون بقطع مجرى الطعام والشراب ومجرى النفس بما له حد، بشرط أن يكون الذابح مسلما أو يهوديا أو نصرانيا، فإذا حصل هذا وكان المذبوح مأكولا فيه حياة مستقرة حل الأكل منه لمن علم، وأما ما كان موته بما لا حد له، كأن مات بسبب التردي أو الغرق أو الصعق الكهربائي أو الخنق أو شىء يزهق الروح بثقله لا بحده فلا يحل أكله كما يفعل الكثيرون في بلدان أوروبية وبأستراليا وغيرها، يطلقون نوعا من الرصاص المضغوط على البقرة فمنه ما يثقب رأسها ومنه ما لا يثقب، وأحيانا تموت ومع ذلك يذبحونها وأحيانا لا تموت ثم يذبحونها وفي الحالين يخلطون البقر الميتة مع غير الميتة أو يقطعون رءوس الدجاج بفعل الآلات الكهربائية من غير مراعاة للشروط الشرعية ثم يرسلونهم إلى البلاد الإسلامية على أنهم حلال، والعياذ بالله.
أما الصعق الكهربائي الذي يستعملونه قبل ذبح الشياه أو إدخال الدجاج أتوماتيكيا إلى حوض ماء فيه تيار كهربائي قبل ذبحه، فإذا اقتصر هذا على إضعاف مقاومة الحيوان فقط مع بقائه متحركا بالإرادة، وكان هذا الصعق لا يؤثر فى حياته بمعنى أنه لو ترك بعدها دون ذبح عاد إلى حياته الطبيعية حلت الذبيحة بهذه الطريقة أي بعد ذبحها ذبحا شرعيا باليد، أما إذا كانت الصعقة الكهربائية أو نحوها تؤثر فى حياته بحيث لو ترك بعدها دون ذبح فقد حياته فإن الذبح وقتئذ يكون قد ورد على ميتة فلا يحل أكلها فى الإسلام.
والأفضل في الذكاة تجنب الصعق الكهربائي ولو كان لا يميت الدابة قبل الذبح الشرعي فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿إن الله كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته﴾ رواه مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه.
وأيضا لايحل أكل ما لم يعلم هل ذابحه هو ممن يصح تذكيته أم لا، فاللحم لا يجوز الشروع في أكله مع الشك في ذكاته كما نص على ذلك الفقهاء كابن حجر الهيتمي والسيوطي من الشافعية والقرافي من المالكية وغيرهم، بل تحريم اللحم الذي لم يعلم طريق حله بأنه شك في ذلك مجمع عليه.
وأما عن سنن الذبح وءادابه نذكر منها:
1- يستحب تحديد السكين في غير مقابلتها، وإراحة الذبيحة، ويستحسن إمرار السكين بقوة وتحامل ذهابا وعودا، ليكون أرجى وأسهل.
2– وأن يطلب لها موضعا لينا لأنه أسهل لها.
3- ويسن أن يوجه ذبيحته إلى القبلة للاتباع رواه الشيخان، لأنها أشرف الجهات، يعني يوجه مذبحها إلى القبلة، ولا يوجه وجهها ليمكنه هو أيضا الاستقبال.
4- وأن يسمي الله تعالى وحده عند الذبح فيقول بسم الله، لقوله تعالى ﴿فكلوا مما ذكر اسم الله عليه﴾ ﴿فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه﴾ وللاتباع رواه الشيخان.
5- وكمال ما ذكر قطع الودجين، والودجان بفتح الدال عرقان بعد الحلقوم والمريء أي وراءهما في صفحتي العنق محيطان بالحلقوم يستحب قطعهما مع ما ذكر، لأنه أروح للذبيحة.
6- إذا قطع الحلقوم والمريء فالمستحب أن يمسك، وأن لا يبين رأسها في الحال لما في إبانته من عدم الإحسان في الذبح.
6- ويستحب أن لا يزيد في القطع ولا يبادر إلى سلخ الجلد ولا يكسر الفقار ولا يقطع عضوا منها ولا يحرك الذبيحة وأن لا ينقلها إلى مكان بل يترك جميع ذلك حتى تفارق الروح، ولا يمسكها بعد الذبح مانعا لها من الاضطراب حتى تبرد، والأولى أن تساق إلى المذبح برفق وأن تضجع برفق ويعرض عليها الماء قبل الذبح، ولا يذبح بعضها قبالة بعض.
فما ورد إلينا في السؤال من سوق الحيوانات وأسلوب ذبحهم، حسب التفصيل الوارد في السؤال والصور المرفقة، لا شك أنه يخالف الطريقة المثلى في الإسلام، فمنه ما يخالف الشروط فهذا يمنع الحل، ومنه ما يخالف الآداب والسنن فهذا لا يمنع حل أكل لحم الذبيحة ما دامت استوفت شروط الذكاة المعروفة، ولكنه مخالف لما هو مندوب إليه شرعا. ومنه ما يتعلق بتصرفات العمال مع الذبيحة وهذا قسمان قسم لا يصل إلى درجة الحرام ولكنه مخالف للسنة النبوية، وقسم يصل إلى درجة الحرام، لكن لا يمنع حل الذبيحة إذا طبقت شروط الذكاة.
لذا ننصح بمراعاة الشروط والسنن، والعمل على نقل الحيوانات والتعامل معهم بالرفق والرحمة، فقد روى الإمام البخاري في كتابه الجامع الصحيح في كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ﴿من لا يَـرحم لا يُـرحم﴾، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري قال ابن بطال [فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب]. اهـ
وروى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ﴿عذبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض﴾.
وروى البخاري ومسلم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليْه وسلّم قال ﴿بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنـزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنـزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر اللهُ له فغفر له﴾ قالوا: يا رسول اللّه إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال ﴿في كل كبد رطبة أجر﴾ وفي رواية للبخاري ﴿فشكر اللهُ له فغفر له فأدخله الجنة﴾ وفي رواية لهما ﴿بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنـزعت موقها فاستقت له به فسقته فغفر لها به﴾.
قوله (فشكر اللهُ له) أي قبل عمله، وأثابه.
قوله (يطيف) بضم أوله من أطاف يقال أطفت بالشىء إذا أدمت المرور حوله.
قوله (بركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتانية: البئر.
قوله (موقها) بضم الميم وسكون الواو بعدها قاف هو الخف.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم في كتاب قتل الحيّات ونحوها ، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها (قوله [صلّى الله عليْه وسلّم] ﴿في كلّ كبد رطْبة أجْرٌ﴾ معناه في الإحسان إلى كلّ حيوان حيّ بسقيه ونحوه أجر، وسمّي الحيّ ذا كبد رطبة لأنّ الميّت يجفّ جسمه وكبده، ففي هذا الحديث الحثّ على الإحسان إلى الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله)، ثم قال (وأمّا المحترم فيحصل الثّواب بسقيه، والإحسان إليه أيضا بإطعامه وغيره، سواء كان مملوكا أو مباحا، وسواء كان مملوكا له أو لغيره). اهـ
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ءامين.
فائدة:
فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيْفَةَ إِذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الذَّبْحِ عَمْدًا لَا تَحِلُّ، أَمَّا إِذَا نَسِيَ فَتَحِلُّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَو تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا تَحِلُّ.