سورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ وَهِىَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ ءَايَةً

من علماء فاس الكبار وصوفيته المشاهير الشيخ علي بن حرزهم وضبطه بعضهم بن حرازم
من علماء فاس الكبار وصوفيته المشاهير الشيخ علي بن حرزهم وضبطه بعضهم بن حرازم
7 فبراير 2022
تأخير القضاء حتى دخل رمضان آخر
تأخير القضاء حتى دخل رمضان آخر
9 فبراير 2022
من علماء فاس الكبار وصوفيته المشاهير الشيخ علي بن حرزهم وضبطه بعضهم بن حرازم
من علماء فاس الكبار وصوفيته المشاهير الشيخ علي بن حرزهم وضبطه بعضهم بن حرازم
7 فبراير 2022
تأخير القضاء حتى دخل رمضان آخر
تأخير القضاء حتى دخل رمضان آخر
9 فبراير 2022

سورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ وَهِىَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ ءَايَةً

سورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ وَهِىَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ ءَايَةً

سورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ وَهِىَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ ءَايَةً

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيمِ

قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَّنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَّنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِى الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَّنْ نُّعْجِزَ اللَّهَ فِى الأَرْضِ وَلَنْ نُّعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ءَامَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُوا رَبِّى وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّى لَنْ يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلاغًا مِّنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِّيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًا (28).

رَوَى الْبُخَارِىُّ فِى صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالَ مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِى حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ قَالَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخَلَةَ وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّى بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْءَانَ تَسَّمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا الَّذِى حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا يَا قَوْمَنَا، ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنْ الْجِنِّ﴾ وَإِنَّمَا أُوحِىَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ).

﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ ﴿أُوحِىَ إِلَىَّ﴾ أَىْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾ لِقِرَاءَتِى الْقُرْءَانَ ﴿نَفَرٌ﴾ أَىْ جَمَاعَةٌ مِنَ الثَّلاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ ﴿مِّنْ الْجِنِّ﴾ وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى خَلَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ يَسْتَتِرُونَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ لا يَرَوْنَهُمْ وَإِنْكَارُ وُجُودِ الْجِنِّ مِنْ نَوَاقِضِ الإِيمَانِ مُخْرِجٌ مِنَ الدِّينِ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿فَقَالُوا﴾ أَىِ الْجِنُّ لِقَوْمِهِمْ حِينَ رَجَعُوا إِلَيْهِمْ مِنَ اسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا﴾ أَىْ بَلِيغًا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ لِفَصَاحَةِ كَلامِهِ وَحُسْنِ مَبَانِيهِ وَدِقَّةِ مَعَانِيهِ وَبَلاغَةِ مَوَاعِظِهِ وَكَوْنِهِ مُبَايِنًا لِسَائِرِ الْكُتُبِ وَفِى هَذِهِ الآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّبِىَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ السَّلامُ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ كَمَا بُعِثَ إِلَى الإِنْسِ وَأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ وَيَسْتَمِعُونَ كَلامَنَا وَيَفْهَمُونَ لُغَاتِنَا وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْهُمْ يَدْعُو غَيْرَهُ مِنْ قَبِيلَتِهِ إِلَى الإِيمَانِ.

﴿يَهْدِي﴾ أَىِ الْقُرْءَانُ يَدْعُو ﴿إِلَى الرُّشْدِ﴾ أَىْ إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَالتَّوْحِيدِ وَالإِيمَانِ ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ أَىْ بِالْقُرْءَانِ، وَلَمَّا كَانَ الإِيمَانُ بِهِ مُتَضَمِّنًا الإِيمَانَ بِاللَّهِ وَبِوَحْدَانِيَّتِهِ وَبَرَاءَةً مِنَ الشِّرْكِ قَالُوا ﴿وَلَنْ نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ أَىْ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ.

﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ أَىْ تَنَزَّهَ جَلالُهُ وَعَظَمَتُهُ عَمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً﴾ أَىْ لَيْسَ لَهُ زَوْجَةٌ ﴿وَلا وَلَدًا﴾ وَلَيْسَ لَهُ أَوْلادٌ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَيْسَ لَهُ شَبِيهٌ وَلا نَظِيرٌ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (سُورَةَ الشُّورَى).

﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ جَاهِلُنَا وَقِيلَ هُوَ إِبْلِيسُ وَقِيلَ الْمُشْرِكُ مِنَ الْجِنِّ يَقُولُ ﴿عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ أَىْ كَذِبًا وَعُدْوَانًا وَظُلْمًا وَهُوَ وَصْفُهُ تَعَالَى بِالشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ.

﴿وَأَنَّا﴾ أَىْ يَقُولُ هَؤُلاءِ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ سَمِعُوا الْقُرْءَانَ وَءَامَنُوا بِهِ ﴿ظَنَنَّا﴾ أَىْ حَسِبْنَا ﴿أَنْ لَّنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ أَىْ قَوْلًا كَذِبًا وَالْمَعْنَى أَنَّا كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا لا يَجْتَرِئُ عَلَى أَنْ يَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ فَيَنْسُبَ إِلَيْهِ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ فَاعْتَقَدْنَا صِحَّةَ مَا أَغْوَانَا بِهِ إِبْلِيسُ وَمَرَدَتُهُ حَتَّى سَمِعْنَا الْقُرْءَانَ فَتَبَيَّنَا كَذِبَهُمْ.

﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ﴾ أَىْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ ﴿مِّنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ﴾ أَىْ يَسْتَعِيذُونَ ﴿بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ أَىْ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْمَبِيتَ أَوِ الْحُلُولَ فِى وَادٍ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا عَزِيزَ هَذَا الْوَادِى إِنِى أَعُوذُ بِكَ مِنَ السُّفَهَاءِ الَّذِينَ فِى طَاعَتِكَ فَيَعْتَقِدُ بِذَلِكَ أَنَّ الْجِنِّىَّ الَّذِى بِالْوَادِى يَمْنَعُهُ وَيَحْمِيهِ ﴿فَزَادُوهُمْ﴾ أَىْ زَادَ الْجِنُّ الإِنْسَ ﴿رَهَقًا﴾ أَىْ خَطِيئَةً وَإِثْمًا وَأُضِيفَتِ الزِّيَادَةُ إِلَى الْجِنِّ إِذْ كَانُوا سَبَبًا لَهَا.

أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ كَرْدَمِ بنِ أَبِي السَّائِبِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ أَبِى إِلَى الْمَدِينَةِ فِى حَاجَةٍ وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآوَانَا الْمَبِيتُ إِلَى رَاعِى غَنَمٍ فَلَمَّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ جَاءَ ذِئْبٌ فَأَخَذَ حَمَلًا مِنَ الْغَنَمِ فَوَثَبَ الرَّاعِى فَقَالَ عَامِرَ الْوَادِى جَارَكَ فَنَادَى مُنَادٍ لا نَرَاهُ يَا سِرْحَانُ فَأَتَى الْحَمَلُ يَشْتَدُّ حَتَّى دَخَلَ فِي الْغَنَمِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ بِمَكَّةَ ﴿وَأَنَّهُمْ﴾ أَىْ كُفَّارَ الإِنْسِ ﴿ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ﴾ أَيُّهَا الْجِنُّ ﴿أَنْ لَّنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ أَىْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَنْ يَبْعَثَ رَسُولًا إِلَى خَلْقِهِ يُقِيمُ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ.

﴿وَأَنَّا﴾ يَعْنِى يَقُولُ الْجِنُّ وَأَنَّا ﴿لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ أَىْ طَلَبْنَا وَقَصَدْنَا بُلُوغَ السَّمَاءِ لِاسْتِمَاعِ كَلامِ أَهْلِهَا وَهُمُ الْمَلائِكَةُ ﴿فَوَجَدْنَاهَا﴾ أَىْ فَوَجَدْنَا السَّمَاءَ قَدْ ﴿مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا﴾ أَىْ مَلائِكَةً حَافِظِينَ مِنْ أَنْ تَقْرَبَهَا الشَّيَاطِينُ ﴿وَشُهُبًا﴾ جَمْعُ شِهَابٍ وَهُوَ مَا يُرْجَمُ بِهِ الشَّيَاطِينُ إِذَا اسْتَمَعُوا.

﴿وَأَنَّا﴾ أَىْ مَعَاشِرَ الْجِنِّ ﴿كُنَّا﴾ أَىْ قَبْلَ هَذَا ﴿نَقْعُدُ مِنْهَا﴾ أَىْ مِنَ السَّمَاءِ ﴿مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ أَىْ مَوَاضِعَ يُقْعَدُ فِى مِثْلِهَا لِاسْتِمَاعِ الأَخْبَارِ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ يَعْنِى أَنَّ مَرَدَةَ الْجِنِّ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِيَسْتَمِعُوا مِنَ الْمَلائِكَةِ وَلِيَسْتَرِقُوا الْكَلِمَةَ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الْكَهَنَةِ وَيَزِيدُونَ مَعَهَا ثُمَّ يَزِيدُ الْكُهَّانُ فِى الْكَلِمَةِ مِائَةَ كَذْبَةٍ ﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ﴾ بَعْدَ الْمَبْعَثِ ﴿يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا﴾ يَعْنِى شِهَابَ نَارٍ قَدْ رُصِدَ لَهُ لِيُرْجَمَ بِهِ ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِى الأَرْضِ﴾ أَىْ لا نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِى الأَرْضِ بِإِرْسَالِ مُحَمَّدٍ إِلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يُكَذِّبُونَهُ وَيَهْلِكُونَ بِتَكْذِيبِهِ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَذَّبَ مِنَ الأُمَمِ ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ أَىْ أَرَادَ أَنْ يُؤْمِنُوا فَيَهْتَدُوا وَقِيلَ وَأَنَّا لا نَدْرِى أَعَذَابًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُنْزِلَهُ بِأَهْلِ الأَرْضِ بِمَنْعِهِ إِيَّانَا السَّمْعَ مِنَ السَّمَاءِ وَرَجْمِهِ مَنِ اسْتَمَعَ مِنَّا فِيهَا بِالشُّهُبِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمُ الْهَدْىَ بِأَنْ يَبْعَثَ مِنْهُمْ رَسُولًا مُرْشِدًا يُرْشِدُهُمْ إِلَى الْحَقِّ.

﴿وَأَنَّا﴾ هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ الْجِنِّ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلاحِ وَغَيْرِهِ ﴿مِنَّا الصَّالِحُونَ﴾ أَىِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ الْعَامِلُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أَىْ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُوا وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ فِى الصَّلاحِ أَىْ فِيهِمْ أَبْرَارٌ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ غَيْرُ كَامِلٍ فِى الصَّلاحِ ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ أَىْ أَهْوَاءً مُخْتَلِفَةً وَفِرَقًا شَتَّى.

﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ أَىْ عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا ﴿أَنْ لَّنْ نُّعْجِزَ اللَّهَ﴾ أَىْ لَنْ نَفُوتَهُ ﴿فِى الأَرْضِ﴾ أَيْنَمَا كُنَّا إِذَا أَرَادَ بِنَا أَمْرًا ﴿وَلَنْ نُّعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ أَىْ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّ الْجِنَّ قَالُوا لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ كَائِنِينَ فِى الأَرْضِ أَيْنَمَا كُنَّا فِيهَا وَهَارِبِينَ مِنْهَا إِلَى السَّمَاءِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ عَنْ إِمْضَاءِ مَا أَرَادَ بِنَا سَوَاءٌ كُنَّا سَاكِنِينَ مُسْتَقِرِّينَ فِى الأَرْضِ أَوْ هَارِبِينَ فِيهَا مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى ءَاخَرَ فَالْفِرَارُ وَعَدَمُهُ سِيَّانَ فِى أَنَّ شَيْئًا مِنْهُمَا لا يَمْنَعُ وَلا يَدْفَعُ نَفَاذَ إِرَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِينَا فَالأَرْضُ مَعَ سَعَتِهَا وَانْبِسَاطِهَا لَيْسَتْ مَنْجًى مِنْهُ تَعَالَى وَلا مَهْرَبًا أَلا تَرَى إِلَى قَوْمِ نُوحٍ كَيْفَ أَغْرَقَهُمُ اللَّهُ بِالطُّوفَانِ وَنَجَّى الَّذِينَ ءَامَنُوا بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ.

﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى﴾ أَىْ لَمَّا سَمِعَ الْجِنُّ الْقُرْءَانَ الَّذِى يَهْدِى إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ قَالُوا ﴿ءَامَنَّا بِهِ﴾ أَيْ صَدَّقْنَا بِهِ وَأَقْرَرْنَا أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا﴾ أَىْ لا يَخَافُ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَلا يُجَازَى عَلَيْهَا ﴿وَلا رَهَقًا﴾ أَىْ وَلا يَخَافُ أَنْ يُزَادَ فِي سَيِّئَاتِهِ وَقِيلَ وَلا ظُلْمًا وَلا مَكْرُوهًا يَخْشَاهُ.

﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾ أَىِ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ أَىِ الْكَافِرُونَ الْجَائِرُونَ عَنِ الْحَقِّ ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ أَىْ قَصَدُوا طَرِيقَ الْحَقِّ وَتَوَخَّوْهُ.

﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ﴾ أَىِ الْجَائِرُونَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَالإِيمَانِ وَهُمْ كُفَّارُ الْجِنِّ ﴿فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ أَىْ حَطَبًا تُوقَدُ بِهِمْ كَمَا تُوقَدُ بِكُفَّارِ الإِنْسِ وَفِى هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مِنَ الْجِنِّ يُعَذَّبُونَ فِى النَّارِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مِنْ نَارٍ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ الْجِنُّ تَغَيَّرُوا عَنْ صِفَتِهِمُ الأَصْلِيَّةِ كَمَا أَنَّ الإِنْسَ خُلِقُوا مِنْ تُرَابٍ وَتَغَيَّرُوا عَنْ صِفَتِهِمُ الأَصْلِيَّةِ.

﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا﴾ أَىْ لَوِ اسْتَقَامَ هَؤُلاءِ الْقَاسِطُونَ ﴿عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ أَىْ عَلَى طَرِيقِ الإِسْلامِ ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ أَىْ كَثِيرًا وَالْمَعْنَى لَوَسَّعْنَا عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ وَتَخْصِيصُ الْمَاءِ الْغَدَقِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَصْلُ الْمَعَاشِ وَالسَّعَةِ وَقِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِى كُفَّارِ قُرَيْشٍ حِينَ مُنِعَ الْمَطَرُ سَبْعَ سِنِينَ.

﴿لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أَىْ لِنَخْتَبِرَهُمْ كَيْفَ يَشْكُرُونَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ أَىِ الْقُرْءَانِ ﴿يَسْلُكْهُ﴾ أَىْ يُدْخِلْهُ ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ أَىْ شَاقًّا شَدِيدًا لا رَاحَةَ فِيهِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ (نَسْلُكْهُ) بِالنُّونِ وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِىُّ بِالْيَاءِ.

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ﴾ يَعْنِى الْمَوَاضِعَ الَّتِى بُنِيَتْ لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَتَمْجِيدِهِ ﴿لِلَّهِ﴾ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ أَىْ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ مُشَرَّفَةٌ عِنْدَ اللَّهِ ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ أَىْ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَلَكِنْ أَفْرِدُوا لَهُ التَّوْحِيدَ وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ.

﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَانَ يُصَلِّى صَلاةَ الْفَجْرِ وَيَقْرَأُ الْقُرْءَانَ ﴿يَدْعُوهُ﴾ أَىْ يَعْبُدُ اللَّهَ ﴿كَادُوا﴾ أَىِ الْجِنُّ أَوِ الإِنْسُ ﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ أَىْ جَمْعًا كَثِيرًا بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الِازْدِحَامِ عَلَى النَّبِىِّ حِرْصًا عَلَى سَمَاعِ الْقُرْءَانِ أَوْ لَمَّا قَامَ النَّبِىُّ بِالدَّعْوَةِ كَادَتِ الْعَرَبُ تَكُونُ عَلَيْهِ لِيُبْطِلُوا الْحَقَّ الَّذِى جَاءَهُمْ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (لِبَدًا أَعْوَانًا) رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.
وَقَرَأَ الأَكْثَرُونَ (لِبَدًا) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَقَرَأَ هِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ (لُبَدًا) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاءِ مَعَ تَخْفِيفِهَا، قَالَ الْفَرَّاءُ وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ.
﴿قُلْ﴾ أَىْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاءِ الْمُزْدَحِمِينَ عَلَيْكَ وَهُمْ إِمَّا الْجِنُّ أَوِ الإِنْسُ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ عَلَى اخْتِلافِ الْقَوْلَيْنِ فِى ضَمِيرِ »كَادُوا« ﴿إِنَّمَا أَدْعُوا رَبِّى وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ أَىْ قُلْ لِلنَّاسِ لَمْ ءَاتِكُمْ بِأَمْرٍ يُنْكَرُ إِنَّمَا أَعْبُدُ رَبِّىَ وَحْدَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ إِطْبَاقَكُمْ عَلَى عَدَاوَتِى وَمَقْتِى أَوْ قُلْ لِلْجِنِّ عِنْدَ ازْدِحَامِهِمْ مُتَعَجِّبِينَ لَيْسَ مَا تَرَوْنَ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ بِأَمْرٍ يُتَعَجَّبُ مِنْهُ إِنَّمَا يُتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ.
وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ (قُلْ) بِغَيْرِ أَلِفٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ (قَالَ) عَلَى الْخَبَرِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

﴿قُلْ إِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا﴾ أَىْ لا أَقْدِرُ عَلَى إِيصَالِ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِلَيْكُمْ لِأَنَّ النَّافِعَ وَالضَّارَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَىْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَهُوَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ.

﴿قُلْ إِنِّى لَنْ يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ أَىْ لا يَدْفَعُ عَذَابَهُ أَحَدٌ إِنْ عَصَيْتُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ الْجِنِّ قَالُوا لَهُ اتْرُكْ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَنَحْنُ نُجِيرُكَ ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ أَىْ لَنْ أَجِدَ مُلْتَجَأً أَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ حَضْرَمِىٍّ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ جِنِّيًا مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ذَا تَبَعٍ قَالَ إِنَّمَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ يُجِيرَهُ اللَّهُ وَأَنَا أُجِيرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿قُلْ إِنِّى لَنْ يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾.

﴿إِلَّا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ﴾ أَىْ إِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا إِلَّا أَنْ أُبَلِّغَكُمْ مِنَ اللَّهِ مَا أَمَرَنِى بِتَبْلِيغِكُمْ إِيَّاهُ وَإِلَّا رِسَالاتِهِ الَّتِى أَرْسَلَنِى بِهَا إِلَيْكُمْ وَقِيلَ لَنْ يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ إِنْ لَمْ أُبَلِّغْ رِسَالاتِهِ ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أَىْ بِتَرْكِ الإِيمَانِ ﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أَىْ مُخَلَّدِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ الَّذِى لا يَنْقَطِعُ أَبَدًا وَهَذِهِ الآيَةُ رَدٌّ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَةَ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَإِنَّهُمْ كَذَّبُوا هَذِهِ الآيَةَ وَقَالُوا إِنَّ نَارَ جَهَنَّمَ تَفْنَى وَيَنْتَهِى عَذَابُ الْكُفَّارِ فِيهَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.

﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا﴾ يَعْنِى الْكُفَّارَ ﴿مَا يُوعَدُونَ﴾ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ أَوْ عَذَابِ الدُّنْيَا ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ أَىْ حِينَئِذٍ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ ﴿مَنْ﴾ هُوَ ﴿أَضْعَفُ نَاصِرًا﴾ أَىْ أَعْوَانًا ﴿وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾ أَىْ سَيَعْلَمُ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَّلُ عَدَدًا الْمُؤْمِنُونَ أَمْ هُمْ.

﴿قُلْ﴾ أَىْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ ﴿إِنْ أَدْرِى﴾ أَىْ لا أَدْرِى ﴿أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ أَىْ أَقَرِيبٌ مَا يَعِدُكُمْ رَبُّكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى أَمَدًا﴾ أَىْ غَايَةً مَعْلُومَةً تَطُولُ مُدَّتُهَا وَمَعْنَى الآيَةِ لا يَعْلَمُ وَقْتَ نُزُولِ الْعَذَابِ وَوَقْتَ قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ غَيْبٌ لا أَعْلَمُ مِنْهُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ.

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾ أَىْ عَالِمُ مَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ ﴿فَلا يُظْهِرُ﴾ أَىْ فَلا يُطْلِعُ ﴿عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ أَىْ مِنْ خَلْقِهِ.

﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَّسُولٍ﴾ أَىْ لَكِنْ مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ، فَإِلَّا هُنَا بِمَعْنَى لَكِنْ ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ﴾ أَىْ يَجْعَلُ ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ أَىْ يَدَىْ ذَلِكَ الرَّسُولِ وَالْمُرَادُ مِنْ أَمَامِهِ ﴿وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ ذِكْرُ بَعْضِ الْجِهَاتِ دِلالَةٌ عَلَى جَمِيعِهَا ﴿رَصَدًا﴾ أَىْ حَفَظَةً وَهُمُ الْمَلائِكَةُ يَحْفَظُونَهُ وَيَحْرُسُونَهُ مِنَ الْجِنِّ.

وَلَيْسَتْ (إِلَّا) هُنَا اسْتِثْنَائِيَّةً بَلْ هِىَ بِمَعْنَى »لَكِنْ« نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِىُّ وَغَيْرُهُ.

﴿لِّيَعْلَمَ﴾ أَىْ لِيَعْلَمَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ﴾ أَىْ بَلَّغَ الرُّسُلُ قَبْلَهُ كَمَا بَلَّغَ هُوَ الرِّسَالَةَ وَقِيلَ لِيَعْلَمَ مُحَمَّدٌ أَنْ قَدْ أَبْلَغَ جِبْرِيلُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَيْهِ رِسَالاتِ رَبِّهِمْ.

﴿وَأَحَاطَ﴾ أَىْ عِلْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ أَىْ بِمَا عِنْدَ الرُّسُلِ وَمَا عِنْدَ الْمَلائِكَةِ ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًا﴾ أَىْ أَحَاطَ عِلْمًا بِعَدَدِ كُلِّ شَىْءٍ فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَىْءٌ مِنْهَا مِنَ الْقَطْرِ وَالرَّمْلِ وَوَرَقِ الأَشْجَارِ وَزَبَدِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهَا فَكَيْفَ لا يُحِيطُ بِمَا عِنْدَ الرُّسُلِ مِنْ وَحْيِهِ وَكَلامِهِ.

1 Comment

  1. يقول AdminMK:

    قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَّنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَّنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِى الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَّنْ نُّعْجِزَ اللَّهَ فِى الأَرْضِ وَلَنْ نُّعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ءَامَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُوا رَبِّى وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّى لَنْ يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلاغًا مِّنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِّيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًا (28).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *