الكِبْر صفةٌ مذمومةٌ
الكِبْر صفةٌ مذمومةٌ
2 نوفمبر 2016
تعريف أهل السنة والجماعة
تعريف أهل السنة والجماعة
2 نوفمبر 2016
الكِبْر صفةٌ مذمومةٌ
الكِبْر صفةٌ مذمومةٌ
2 نوفمبر 2016
تعريف أهل السنة والجماعة
تعريف أهل السنة والجماعة
2 نوفمبر 2016

تَقْدِيرُ اللهِ لا يَتَغَيَّر

تَقْدِيرُ اللهِ لا يَتَغَيَّر

تَقْدِيرُ اللهِ لا يَتَغَيَّر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وءاله وصحبه وبعد، فإنّ بَعْض الْجُهَّالِ يَعْتَرِضُونَ عَلَى قَوْلِ (اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْألُكَ رَدَّ القَضَاءِ وَلَكِنْ نَسْألُكَ اللُّطْفَ فِيهِ)، يَقُولُونَ هَذَا مُعَارِضٌ لِلْحَدِيثِ الْحَسَن (لا يَرُدُّ القَضَاءَ إلا الدُّعاءُ)، يَقُولُونَ كَيْفَ لا نَدْعو اللهَ بِرَدِّ القَضاءِ والرَّسُولُ أَخْبَرَ بِأنَّهُ يُرَدُّ؟
الرَّدُّ أن يُقالَ لَهُمْ يُوجَدُّ قَضَاءَانِ، قَضَاءٌ مُبْرَمٌ وَقَضَاءٌ مُعَلَّقٌ، فَالقَضَاءُ الْمُبْرَمُ لا يَرُدُّهُ شَىْءٌ، لا دَعْوَةُ دَاعٍ وَلا صَدَقَةُ مُتَصَدِّقٍ ولا صِلَةُ رَحِمٍ، وَالْمُعَلَّقُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ في صُحُفِ الْمَلائِكَةِ الَّتي نَقَلُوهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَثلاً يَكُونُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُم فُلانٌ إِنْ دَعَا بِكَذَا يُعْطَى كَذَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لا يُعْطَى وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا سَيَكُونُ مِنْهُ فَإِنْ دَعَا حَصَلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ دُعاؤُهُ رَدَّ القَضَاءَ الثَّانِيَ الْمُعَلَّقَ، وَهَذَا مَعْنى الْقَضَاءِ الْمُعَلَّقِ أَوِ الْقَدَرِ الْمُعَلَّقِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَقْدِيرَ اللهِ الأَزَلِيِّ الَّذي هُوَ صِفَتُهُ مُعَلَّقٌ عَلَى فِعْلِ هَذَا الشَّخْصِ أَوْ دُعَائِهِ فَاللهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَىْءٍ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ، يَعْلَمُ أَيَّ الأَمْرَيْنِ سَيَخْتَارُ هَذَا الشَّخْصُ وَمَا الَّذي سَيُصِيبُهُ وَكُتِبَ ذَلِكَ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْضًا وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الَّذي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ (لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنَ الْقَدَرِ) فَقَوْلُهُ (لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ) مَعْنَاهُ فيما كُتِبَ مِنَ الْقَضَاءِ الْمَحْتُومِ وَقَوْلُهُ (وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنَ الْقَدَرِ) مَعْنَاهُ الْمَقْدُورُ، وَيَدُلُّ على ذَلِكَ مَا وَرَدَ في حَديثِ مُسْلِمٍ أَنَّ الرَّسُولَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ قالَ (سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي ثَلاثًا فَأَعْطَاني ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَني وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتي بِالسَّنَةِ (1) العَامَّةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسألْتُهُ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَأصِلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بأسَهُمْ بَيْنَهُم فَمَنَعَِيها، وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ) هَذَا الْحَدِيثُ الكَلاَمُ فِيهِ عَنِ القَضَاءِ الْمُبْرَمِ، وَقَدْ رَواهُ مُسْلمٌ في الصَّحِيحِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ مَشيئَةُ اللهِ وَتَقْدِيرُهُ وَعِلْمُهُ لا يَتَغَيَّرُ.

فَائِدَةٌ:
قَالَ الْغَزَالِيُّ في الإحْيَاءِ (فَإِنْ قُلْتَ فَمَا فَائِدَةُ الدُّعَاءِ وَالْقَضَاءُ لا يُرَدُّ؟ فَالْجَوَابُ (إِنَّ مِنَ الْقَضَاءِ رَدَّ الْبَلاءِ بِالدُّعَاءِ، فَالْدُّعَاءُ سَبَبٌ لِرَدِّ الْبَلاءِ وَاسْتِجْلابِ الرَّحْمَةِ كَمَا أَنَّ الْتِّرْسَ سَبَبٌ لِرَدِّ السَّهْمِ، وَالْمَاءُ سَبَبٌ لِخُرُوجِ النَّبَاتِ). اهـ

وَخَرَّجَ الْتِّرْمِذِيُّ في جَامِعِهِ عَنْ أَبِي خُزَامَةَ وَاسْمُهُ رِفَاعَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رُقَىً نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام (هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ)، قَالَ أَبُو عيسى أيِ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفي بَعْضِ نُسَخِهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ، فَلَيْسَ وَرَاءَ هَذَا الْكَلامِ مِنْ السَّيِّدِ الْمَعْصُومِ مَرْمًى لأَحَدٍ.

ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَ الْفَارُوقِ لأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ هَمَّ بِالرُّجُوعِ مِنْ أَجْلِ الدُّخُولِ عَلَى أَرْضٍ بِهَا الطّاعُونُ وَهِيَ الشَّامُ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الأَثِيرِ في الْكَامِلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ رَدَّ عَلَى سُؤالِ أَبِي عُبَيْدَةَ (أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟) فَأَجَابَهُ عُمَرُ (نَعَمْ تَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلى قَدَرِ اللهِ)، أَيْ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ إِلى أَرْضٍ أُخْرَى كُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ اللهِ، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِلتَّوَكُّلِ. وَذَلِكَ في الْوَقْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِطَاعُونِ عَمْوَاسَ الَّذِي أَتَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ جُلَّةِ الصَّحَابَةِ وَخِيرَةِ الْفَاتِحِينَ، فَكَانُوا شُهَدَاءَ الطَّاعُونَ.

فَائِدَةٌ:
الْمُسْلِمُ عِنْدَمَا يَدْعُو اللهَ تعالى يَعْتَقِدُ جَزْمًا أَنَّ دُعَاءَهُ لا يُغَيِّرُ مَشِيئَةَ اللهِ تعالى، لَكِنِ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ عِبَادَةٌ، الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ) وَالْعِبَادَةُ هُنَا مَعْنَاهَا الْحَسَنَات، فَنَحْنُ عِنْدَمَا نَدْعُو بِدُعَاءٍ حَسَنٍ يَكُونُ اعْتِقَادِنَا أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ فِيهِ أَجْرٌ وَقَدْ يَدْفَعُ اللهُ عَنَّا شَيْئًا مِنَ الْبَلاءِ بِسَبَبِهِ، وَإِنْ شَاءَ اللهُ تعالى في الأَزَلِ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُنَا اسْتُجِيبَ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى (ادعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأنٍ) مَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ (يَغْفِرُ ذَنْْبًا وَيُفَرِّجُ كَرْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ ءاخَرِين) رَواهُ ابنُ حِبَّانَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْل النَّاسِ سُبْحَانَ الَّذي يُغَيِّرُ وَلا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ كَلامٌ جَمِيلٌ إِذِ التَّغَيُّرُ في الْمَخْلُوقَاتِ وَلَيْسَ في اللهِ وَصِفَاتِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ في خَلْقِهِ مَا شَاءَ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعان) أُثِيبُ الطَّائِعَ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْمَحْوَ وَالإثْبَاتَ في تَقْدِيرِ اللهِ، وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَيْ أَنَّ اللهَ يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءَانِ أَيْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ وَيَنْسَخُهُ بِحُكْمٍ لاحِقٍ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءانِ فلا يَنْسَخُهُ وَمَا يُبَدَّلُ وَمَا يُثْبَتُ كُلُّ ذَلِكَ في كِتَابٍ وَهَذَا في حَيَاةِ الرَّسُولِ أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا نَسْخَ، قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ في تأوِيلِ هَذِهِ الآيَة.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ مشتمل على الْمَمْحُوِّ وَالْمُثْبَتِ.
فَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّم أَنَّ قَوْلَ العَوَامِّ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْأَلُكَ رَدَّ القَضَاءِ رَاجِعٌ إِلى القَضَاءِ الْمُبْرَمِ لا الْمُعَلَّقِ، فَلا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَديثِ.

(1) أي المجاعةِ.

1 Comment

  1. يقول AdminMK:

    تَقْدِيرُ اللهِ لا يَتَغَيَّر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *