حديث (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوِ الإِنْسَانُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُنْكَرٌ وَلِلآخَرِ نَكِيرٌ……)
9 أكتوبر 2022الإِمام الحافظ الحبر الصوفي أبو محمد عبد العزيز بن إبراهيم القرشي التميمي التونسي المعروف بابن بزيزة
10 أكتوبر 2022حديث (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، يَعْنِي الْمُؤْمِنَ الْكَامِلَ وَهُوَ الَّذِي يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ وَيَجْتَنِبُ الْمَعَاصِيَ.
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (سِجْنُ الْمُؤْمِنِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلْقَاهُ مِنَ النَّعِيمِ فِي الآخِرَةِ الدُّنْيَا كَالسِّجْنِ، وَقَوْلُهُ (وَسَنَتُهُ) أَيْ دَارُ جُوعٍ وَبَلاءٍ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) رَوَاهُ مُسلِم وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْحَاكِمُ.
قَالَ الحافظ النَّوَوِيُّ (مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَسْجُونٌ مَمْنُوعٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ، مُكَلَّفٌ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ الشَّاقَّةِ، فَإِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا وَانْقَلَبَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ وَالرَّاحَةِ الْخَالِصَةِ مِنَ النُّقْصَانِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَصَّلَ فِي الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَتَكْدِيرِهِ بِالْمُنَغِّصَاتِ، فَإِذَا مَاتَ صَارَ إِلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ وَشَقَاءِ الْأَبَدِ) انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ (لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ شَهَوَاتِهَا الْمُحَرَّمَةِ فَكَأَنَّهُ فِي سِجْنٍ، وَالْكَافِرُ عَكْسُهُ فَكَأَنَّهُ فِي جَنَّةٍ) انْتَهَى.
وَقِيلَ كَالسِّجْنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي جَنْبِ مَا أُعِدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَكَالْجَنَّةِ لِلْكَافِرِ فِي جَنْبِ مَا أُعِدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ.
فالشأن عند الله تعالى بالإسلام، مهما كثر العمل فمن غير إسلام كمثل من يبني فوق موج البحر لا يستقر له قرار، ومهما تضاءل العمل في سبيل الله فإن كان مع الإخلاص في النية فلك الأجر عند ربك.
وأما الكافر فيجازى على أعماله الإنسانية في الدُّنيا فقط من صحة وفيرة ومال كثير وذرية وغير ذلك لأنَّ أعمال هؤلاء ينطبق عليهم قول الله فيها (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَىْءٍ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) سورة إبراهيم 18 وقوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) سورة النور 39، وقول الله عز وجل (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) سورة الفرقان 23.
الدُّنيا سجن المؤمن التقي الصالح، فيها من النكد والنعمة والكرب والفرح، أما النعيم الذي لا يعقبه كرب والصحة التي لا يعقبها مرض والشباب الذي لا يعقبه شيخوخة فهو في الجنة.
وقد ورد في الحديث (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا، قَالَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة الأعراف ءاية 43]).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل السعادة وأن يكرمنا بنعيم الجنة، وءاخر دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.