سُورَةُ الْبَلَدِ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَهِىَ عِشْرُونَ ءَايَةً
25 أغسطس 2021سُورَةُ اللَّيْلِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ وَهِىَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ ءَايَةً
4 سبتمبر 2021سُورَةُ الشَّمْسِ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَهِىَ خَمْسَ عَشْرَةَ ءَايَةً
سُورَةُ الشَّمْسِ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَهِىَ خَمْسَ عَشْرَةَ ءَايَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ هُمَا قَسَمَانِ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِمَا، قَالَ الْبُخَارِىُّ (قَالَ مُجَاهِدٌ ضُحَاهَا ضَوْءُهَا).
﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا﴾ أَىْ إذَا تَبِعَهَا قَالَهُ الْبُخَارِىُّ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا سَقَطَتْ ظَهَرَ الْهِلالُ وَذَلِكَ فِى أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ.
﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ أَىْ كَشَفَهَا فَإِنَّ الشَّمْسَ عِنْدَ انْبِسَاطِ النَّهَارِ تَنْجَلِى تَمَامَ الِانْجِلاءِ.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ أَىْ يَغْشَى الشَّمْسَ فَيَذْهَبَ بِضَوْئِهَا عِنْدَ سُقُوطِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّيْلَ يُغَطِّى الشَّمْسَ بِظُلْمَتِهِ.
﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ أَىْ وَمَنْ بَنَاهَا وَهُوَ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَهَا وَرَفَعَهَا.
﴿وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ أَىْ وَمَنْ طَحَاهَا أَىْ بَسَطَهَا مِثْلُ دَحَاهَا قَالَ الْبُخَارِىُّ (طَحَاهَا دَحَاهَا).
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ وَالْمُرَادُ كُلُّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ وَقِيلَ ءَادَمُ، ﴿وَمَا سَوَّاهَا﴾ بِمَعْنَى وَمَنْ سَوَّاهَا وَذَلِكَ فِى الْخِلْقَةِ بِأَنْ سَوَّى أَجْزَاءَهَا وَأَعْضَاءَهَا، قَالَ الأَصْبَهَانِىُّ فِى الْمُفْرَدَاتِ أَىْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ خِلْقَةَ الإِنْسَانِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ، وَقَرَأَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِىُّ وَمَنْ بَنَاهَا وَمَنْ طَحَاهَا وَمَنْ سَوَّاهَا كُلَّهُ بِالنُّونِ.
﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِىِّ (الإِلْهَامُ إِيقَاعُ الشَّىْءِ فِى النَّفْسِ وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِىُّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَ الْمُؤْمِنَ الْمُتَّقِىَ تَقْوَاهُ وَأَلْهَمَ الِكَافِرَ فُجُورَهُ وَقَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ أَلْهَمَهَا أَىْ أَلْزَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِىُّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِى الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ وَفِى الْكَافِرِ فُجُورَهُ) وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الَّذِى رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ الْدُئَلِىِّ قَالَ قَالَ لِى عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ أَشَىْءٌ قُضِىَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ مَا سَبَقَ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ بَلْ شَىْءٌ قُضِىَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ قَالَ فَقَالَ أَفَلا يَكُونُ ظُلْمًا قَالَ فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا وَقُلْتُ كُلُّ شَىْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ فَلا يُسأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ فَقَالَ لِى يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنِّى لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ إِلَّا لِأَحْزِرَ عَقْلَكَ أَىْ لِأَخْتَبِرَ فَهْمَكَ إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ أَشَىْءٌ قُضِىَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا بَلْ شَىْءٌ قُضِىَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾). اهـ
فَهَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ يَفَسِّرُ هَذِهِ الآيَةَ الشَّرِيفَةَ بِمَا لا رَيْبَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَقَدْ كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ ءَاتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِىُّ.
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِىِّ فِى زَادِ الْمَسِيرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ أَفْلَحَتْ نَفْسٌ زَكَّاهَا اللَّهُ وَقَالَ قَتَادَةُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَصَالِحِ الأَعْمَالِ أَىْ طَهَّرَهَا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ قاَلَ الْقُرْطُبِىُّ (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ خَابَتْ نَفْسٌ أَضَلَّهَا أَىِ اللَّهُ وَأَغْوَاهَا) وَقَالَ قَتَادَةُ (خَابَ مَنْ ءَاثَمَ نَفْسَهُ وَأَفْجَرَهَا) رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ فِى الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ (كُلُّ شَىْءٍ أَخْفَيْتَهُ فَقَدْ دَسَسْتَهُ) وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَاجِرَ أَخْفَى نَفسَهُ وَغَمَسَهَا فِى الْمَعَاصِى فَأَفْسَدَهَا.
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾ أَىْ كَذَّبَتْ ثَمُودُ نَبِىَّ اللَّهِ تَعَالَى صَالِحًا وَثَمُودُ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ وَكَانُوا عَرَبًا يَسْكُنُونَ الْحِجْرَةَ بَيْنَ الْحِجَازِ وَتَبُوك وَكَانُوا بَعْدَ قَوْمِ عَادٍ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ كَأُولَئِكَ.
قَالَ الْبُخَارِىُّ قَالَ مُجَاهِدٌ ﴿بِطَغْوَاهَا﴾ بِمَعَاصِيهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ الطُّغْيَانَ حَمَلَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ، قاَلَ الْقُرْطُبِىُّ ﴿بِطَغْوَاهَا﴾ أَىْ بِطُغْيَانِهَا وَهُوَ خُرُوجُهَا عَنِ الْحَدِّ فِى الْعِصْيَانِ.
﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ أَىْ أَسْرَعَ وَأَشْقَاهَا هُوَ عَاقِرُ النَّاقَةِ، رَوَى الْبُخَارِىُّ فِى صَحِيحِهِ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِى عَقَرَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِى رَهْطِهِ مِثْلُ أَبِى زَمَعَةَ، وَفِى كِتَابِ الأَنْبِيَاءِ مِنْهُ (انْتَدَبَ لَهَا رَجُلٌ ذُو عِزٍّ ومَنَعَةٍ فِى قَوْمِهِ كَأَبِى زَمَعَةَ)، قَالَ الْحَافِظُ فِى الْفَتْحِ (وَعَاقِرُ النَّاقَةِ اسْمُهُ قُدَارُ بنُ سَالِف قِيلَ كَانَ أَحْمَرَ أَزْرَقَ أَصْهَبَ) وَالْمَنَعَةُ الْعِزُّ، وَأَبُو زَمَعَةَ هُوَ الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾ رَسُولُ اللَّهِ صَالِحٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ احْذَرُوا عَقْرَ نَاقَةِ اللَّهِ، قَالَ النَّسَفِىُّ فِى ﴿نَاقَةَ اللَّهِ﴾ نُصِبَ عَلَى التَّحْذِيرِ أَىِ احْذَرُوا عَقْرَهَا كَقَوْلِكَ الأَسَدَ الأَسَدَ وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ، ﴿وَسُقْيَاهَا﴾ أَىْ شِرْبَهَا فِى يَوْمِهَا وَكَانَ لَهَا يَومٌ وَلَهُمْ يَوْمٌ.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ أَىْ كَذَّبُوا صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلامُ فَعَقَرُوهَا أَىْ قَتَلَهَا الأَشْقَى وَأُضِيفَ الْفِعْلُ إِلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُم رَضُوا بِفِعْلِهِ وَتَابَعُوهُ عَلَيْهِ، وَعَقْرُ الْبَعِيرِ أَىْ نَحْرُهُ، ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ﴾ أَىْ أَهْلَكَهُمْ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ بِذَنْبِهِمِ الَّذِى هُوَ الْكُفْرُ وَالتَّكْذِيبُ وَالْعَقْرُ، ﴿فَسَوَّاهَا﴾ قَالَ يَحْيَى بنُ سَلامٍ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِى الْهَلاكِ كَبِيرِهِمْ وَصَغِيرِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُؤْلِمَ الأَطْفَالَ وَيَضُرَّهُمْ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهُمْ وَقَالَ بَعْضٌ سَوَّى الأَرْضَ عَلَيْهِمْ.
﴿وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ ﴿فَلا يَخَافُ﴾ بِالْفَاءِ بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ خَائِفٍ أَنْ تَلْحَقَهُ تَبِعَةُ الدَّمْدَمَةِ مِنْ أَحَدٍ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِى هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَضُرَّهُ أَحَدٌ.