سُورَةُ التَّكَاثُرِ مَكِّيَّةٌ وَهِىَ ثَمَانِ ءَايَاتٍ
11 ديسمبر 2021حكمُ زيارة مقامات الأولياء وحكم المُستَخِفِّ بهم ومُنكِرِهم
11 ديسمبر 2021سُورَةُ الْعَصْرِ مَكِّيَّةٌ فِى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ وَهِىَ ثَلاثُ ءَايَاتٍ
سُورَةُ الْعَصْرِ مَكِّيَّةٌ فِى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ وَهِىَ ثَلاثُ ءَايَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3).
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَالْعَصْرِ﴾ أَىِ الدَّهْرِ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَصْنَافِ الْعَجَائِبِ وَتَبَدُّلِ الأَحْوَالِ وَمَا فِى ذَلِكَ مِنَ الدِّلالَةِ عَلَى الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلا وَقِيلَ هُوَ قَسَمٌ بِصَلاةِ الْعَصْرِ وَهِىَ الصَّلاةُ الْوُسْطَى فِى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَه (شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ).
﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ﴾ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، وَالإِنْسَانُ اسْمُ جِنْسٍ وَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ وَلِذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ أَىْ لَفِى خُسْرَانٍ أَىْ هَلَكَةٍ وَعُقُوبَةٍ.
﴿إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أَىْ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَمِلُوا بِالطَّاعَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ أَىْ أَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالأَمْرِ الثَّابِتِ الَّذِى لا يَسُوغُ إِنْكَارُهُ وَهُوَ الْخَيرُ كُلُّهُ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ أَىْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنِ الْمَعَاصِي وَعَلَى الْبَلاءِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاَل (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) وَقَدْ قِيلَ فِى تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا عُمِّرَ فِى الدُّنْيَا لَفِى نَقْصٍ وَضَعْفٍ إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ يُكْتَبُ لَهُمْ أُجُورُ أَعْمَالِهِمُ الَّتِى كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِى شَبَابِهِمْ وَصِحَّتِهِمْ وَرُوِىَ عَنِ الشَّافِعِىِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَرَاتِبِ الَّتِى بِاسْتِكْمَالِهَا يَحْصُلُ لِلشَّخْصِ غَايَةُ كَمَالِهِ إِحْدَاهَا مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالثَّانِيَةُ عَمَلُهُ بِهِ وَالثَّالِثَةُ تَعْلِيمُهُ مَنْ لا يُحْسِنُهُ وَالرَّابِعَةُ صَبْرُهُ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَتَعْلِيمِهِ).
وَرَوَى الطَّبَرَانِىُّ فِى الأَوْسَطِ عَنْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ قَالَ كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ﴾ أَىْ إِلَى ءَاخِرِهَا قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِىُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ فِى الأَوْسَطِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَشْيَاءَ مِنَ الْخَيْرِ وَعَمِلُوا بِهَا وَإِنْ لَمْ تَرِدْ نَصًّا فِى الْقُرْءَانِ أَوِ الْحَدِيثِ بَلْ وَجَدُوا أَنَّهَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ صَحِيحٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ وَلِهَذَا قَالَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الأُمُورِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا أُحْدِثَ مِمَّا يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثرًا أَوْ إِجْمَاعًا فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلالَةُ وَالثَّانِيَةُ مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ لا خِلافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ) انْتَهَى قَوْلُهُ الَّذِى رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ.
وَهَذَا الَّذِى يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعَدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيِهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ) قَالَ النَّوَوِىُّ وَفِى هَذَا الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُحْدَثَاتُ الْبَاطِلَةُ وَالْبِدَعُ الْمَذْمُومَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِى كِتَابِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبِدَعَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ) انْتَهَى كَلامُ الْحَافِظِ النَّوَوِىِّ بِنَصِّهِ.