حديث (دِرهَمُ رِبا أشَدُّ مِن سِتّةٍ وثَلاثِينَ زَنيَة) رواه المنذريُّ وغَيرُه، بَعضُ المحَدّثينَ صَحّحَه وبَعضُهُم ضَعّفَه، هذَا الحديثُ خَالَف مَا هوَ أَقوَى مِنهُ إسنَادًا، القَولُ الصّحِيحُ فيهِ أنّه غَيرُ صَحِيح لأنّهُ خَالَف حَدِيثَ البخَاريّ والذي فيهِ أنّه قِيلَ لرَسول الله أيُّ الذّنبِ أشَدّ؟ قال (أنْ تَجعَلَ للهِ نِدّا وهوَ خَلَقَكَ) أيْ أنْ تُشرِكَ باللهِ، قِيلَ ثمّ أَيّ؟ قالَ (أن تَقتُلَ وَلدَك مَخافَةَ الفَقْر) قِيل ثم أَيّ؟ قال (أَن تُزَانيَ حَلِيلَةَ جَارِك) فجَعَل رَسولُ الله في هذا الحَديث الزّنى في المرتَبةِ الثّالِثَة، هَذا الذي جاءَت بهِ الأحاديثُ التي أسَانِيدُها قَويّة، أمّا ذاكَ لا يُقَاوِمُ هَذا.
فالذينَ صَحَّحُوا هذا الحديث غَفَلُوا غَفلَةً كَبِيرَة، كيفَ جَعلُوا دِرهَم رِبا أشَدّ مِن سِتّةٍ وثَلاثِينَ زَنْيَة هَذا بعيدٌ، هَذا يُجَرّئ النّاسَ على الوقوع في الزّنى لأنّ النّاسَ اليَوم قَلَّ مَن يَسلَمُ مِنهُم مِن الوقُوع في الرّبا لأنّ الرّبا اليوم انتَشرَ إلى حَدّ بَعِيد أكثَرُ النّاس يَأكلُونَ الرّبا مِن المسلمِينَ ومِنَ الكُفّار، ولولا مذهَبُ محمّدِ بنِ الحسَن رضيَ الله عنه لكَان النّاسُ في ضِيقٍ شَدِيد، مَذهَبُه صَارَ فيهِ فُسحَةٌ للنّاس عندَهُ دَارُ الحَرْب أَوسَعُ مِن دَارِ الحَرْب في نظَرِ أبي حَنِيفَة، أبو حنيفةَ عندَه دارُ الحَرْب نِطَاقُها ضَيّق.

الرّسولُ حتى يُعَلّمَنا سمَاحةَ دِين الإسلام أخَذَ مِن يَهوديّ شَعِيرا بثَمنٍ مؤجَّلٍ ورَهَنَ دِرعَه أخَذَ مِن يَهوديّ واليَهودُ كانُوا يتَعامَلُونَ بالرّبا، ثم ماتَ رَسُولُ اللهِ قَبلَ أن يُوَفّيَه الثّمَن، فأبو بَكر وفَى الثّمَنَ واسْتَردَّ الدّرْع، الرّسولُ عَامَل هذا اليَهُوديّ حتى يُعَلّمَنا جَوازَ مُعامَلَة الكُفّار ولو كنّا نَعلَمُ أَنّهم يتَعامَلُونَ بالرّبا، إنما يَحرُم علَينا إنْ عَلِمْنَا أنّ هَذا الشّىءَ بعَينِه الذي بيَدِ هَذا الكَافِر هوَ الحَرام عندَها حَرامٌ علَينَا مُعَامَلَتُه.