الملائكة الذين حول العرش أكثر من الملائكة الذين في السموات والجنة وفي جهنم وفي الأرض
8 سبتمبر 2018محطاتٌ مع العاشر من المحرّم
9 سبتمبر 2018الرَّدُّ العِلمي عَلَى ضَلَالَاتِ محمد راتب النابلسي-8
الجزء الأوّل من المسئلة الرابعة
المَسْئَلَةُ الرَّابِعَة
إِنكَارُ النَّابُلسِي الصَّرِيحُ لِلقَدَرِ وَأَنَّ الله لَم يَخْلُقِ الشَّرَّ
يقول النابلسي في كتابه [موسوعة أسماء الله الحسنى] (3/45): لذلك الشر المطلق لا وجود له لأنه يتناقض مع وجود الله. اهـ
نقول في الرد:
سؤال: لو أن واحدًا زنا بابنته أو قتل ولده أليس هذا شرًّا موجودًا؟؟
وماذا يقول في قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)) [الفلق 2،1] حيث أثبت الله أن الشرَّ أمرٌ خَلَقَهُ الله، وما خلقه الله فهو موجود أي شىء ثابت الوجود متحقق في الخارج.
ويفتري النابلسي في تسجيل على اليوتيوب فيقول: (الأعمال التي تقترفونها ليست من قضاء الله وقدره)، وهو كفرٌ صريح.
ويقول أيضًا: (ففي الواقع المادي لا يوجد شرٌّ والشر المطلق غير موجود والشر من مخلوق مخير مقطوع عن الله في نفسه فقط).
ويقول من جهله أيضًا: (أما الشر في العالم المادي فهو مداواة).
نقول في الرد: إنكار النابلسي للقدر هو إعلان صريح لاعتزاله وخروجه عن منهج أهل السنة والجماعة، لأنه من المعلوم أن أهل السنة والجماعة مُجْمِعون على إثبات القدر لله، موافقون بذلك قول الله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَىءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)) [القمر 49] وحديث جبريل الصحيح عن طريق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم وأصحاب السنن وغيرهم (1).
فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ بعض بناته (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) رواه أبو داود في السنن ثم تواتر واستفاض بين أفراد الأمة.
وهذا كمال في حق الله تعالى لأن شمول القدرة والمشيئة لائق بجلال الله، فلو كان يقع في ملكه ما لا يشاء لكان ذلك منافيًا للألوهية، أما ما رواه أبو داود في سننه فقد أجمع المسلمون عليه.
وروى البيهقي رحمه الله تعالى عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال (إنَّ أحَدَكُمْ لَنْ يَخْلُصَ الإيمانُ إلى قَلْبِهِ حتّى يِستَيْقِنَ يَقِينًا غَيْرَ شَكٍّ أنَّ مَا أصَابَه لم يَكُنْ لِيُخطِئَهُ ومَا أخطأَهُ لم يكن لِيُصِيبَهُ، ويُقِرَّ بالقَدَرِ كُلِّهِ) أي لا يجوز أن يؤمن ببعض القدر ويكفر ببعض.
فمعنى هذا الأثر عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه لا يتمّ الإيمان في قلب أحدكم حتى يستقين يقينًا غير شك أي حق يعتقد اعتقادًا جازمًا لا يخالجه شكٌّ أن ما أصابه لم يكن ليخطئه إن كان من الرزق أو المصائب أو غير ذلك وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويقرّ بالقدر كله، معناه لا يجوز أن يؤمن ببعض القدر ويكفر ببعض بل يجب أن يؤمن بأن كلّ ما يجري في الكون من خير أو شر ضلالة أو هدى عسر أو يسر حلو أو مُرٍّ، كل ذلك بخلق الله ومشيئته حدث وكان، ولولا أن الله تعالى شاءه وكوّنه وخلقه ما حصل.
وروى مسلم والترمذي (2) من طريق أبي هريرة رضي الله عنه أن مشركي قريش جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت (إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)) [القمر 47-49].
وروى الإمام أحمد في مسنده (3) عن يحيى بن يعمر أنه قال (قلت لابن عمر رضي الله عنه إنا نسافر في الآفاق فنلقى قومًا يقولون: (لا قدر)، فقال ابن عمر: إذا لقيتموهم فأخبروهم أن عبد الله بن عمر منهم بريء وأنهم منه بُرَآءُ ثلاثًا).
فالله تعالى شاء كل ما يدخل في الوجود، كل ما يعمله العباد باختيارهم وبغير اختيارهم فهو بمشيئة الله تعالى يكون، فلو كان الله شاء لهؤلاء الكفار أن يهتدوا (4) ما بقي منهم أحد إلا اهتدى لكنه لم يشأ لهؤلاء الكفار أن يهتدوا فقد أمرهم بالإيمان ولكن لم يشأهُ لهم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
فالله تعالى شاء للمؤمنين أن يكونوا مؤمنين باختيارهم فآمنوا، وشاء للكافرين أن يكفروا باختيارهم فكفروا، ولو كان شاء لهم الإيمان لآمنوا، هذا اعتقاد أهل الحق. فما شاء الله وجوده لا بد أن يوجد، ولا أحد يمنع نفاذ مشيئة الله معناه ينفُذ ما أراد الله، ما شاءه لا بد أن ينفذ، والله غالب على أمره أي منفذ لمراده لا محالة.
فمن ينسب إلى الله تعالى (5) خلق (6) الخير دون الشر فقد نسب إلى الله تعالى العجز، ولو كان كذلك لكان للعالم مدبِّرَان مدبر خير ومدبر شر وهذا كفر وإشراك من أصول عقائد المجوس.
ثمَّ هذا الرأي السفيه من جهة أخرى يجعل الله تعالى في ملكه مغلوبًا لأنه على حسب اعتقاد قائله أنَّ الله تعالى أراد الخير فقط فيكون الشرُّ قد وقع من عدوِّهِ إبليس وأعوانه الكفار على رغم إرادته.
فمن يعتقد هذا الرأي فهو هالك لمخالفته قوله تعالى (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) [يوسف 21] أي لا أحد يمنع نفاذ مشيئته.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب بيان الإسلام والإيمان والإحسان، وأبو داود في سننه: كتاب السنة، باب القدر، والترمذي في سننه: كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: باب ما جاء في وصف جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان والإسلام، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في سننه: كتاب الإيمان وشرائعه: باب نعت الإسلام، وابن ماجه في سننه: كتاب السنة: باب الإيمان.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب القدر: باب كل شىء بقدر، والترمذي في سننه: كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: باب ما جاء في الرضا بالقدر، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) انظر الكتاب (ص96).
(4) ( 2/559) يقول النابلسي: لو أنَّ الباطل استشرى وامتد وطغى وبغى إلى أمد طويل هذه الفكرة تتناقض مع وجود الله.
(5) أسماء الله الحسنى، النابلسي، (2/384). يقول النابلسي: (لأن الله عز وجل لا يريد إلا الخير فإذا أنزل الضر بإنسان فهذا الضر ليس مراده). اهـ هنا عبر بالإرادة ومراده الخلق تمويهًا، كما صرح بنفي خلق الضلال.
(6)(385/2). يقول: (لو أدرك الإنسان أن كل شىء يبدو له شرا هو خير مبطن وأن وراءه هدف كبير لذابت نفسه محبة لله عز وجل). (363/3) (466/3). يقول النابلسي: (أما الشر المطلق في الكون غير موجود).
يتبع الجزء الثاني من المسئلة الرابعة.