يوسف بن دوناس بن عيسى أبو الحجاج المغربي الفندلاوي الفقيه المالكي
27 فبراير 2022سُورَةُ الْقِيَامَةِ مَكِّيَّةٌ وَهِىَ أَرْبَعُونَ ءَايَةً
1 مارس 2022قَوْلُ الْبَعْضِ يَصِحُّ إِيـمَانُ الْكَافِرِ بِلا نُطْقٍ مَعَ التَّمَكُّنِ قَوْلٌ بَاطِلٌ
قَوْلُ الْبَعْضِ يَصِحُّ إِيـمَانُ الْكَافِرِ بِلا نُطْقٍ مَعَ التَّمَكُّنِ قَوْلٌ بَاطِلٌ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا لا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِصِحَّةِ الإِسْلامِ فَلَوْ صَدَّقَ الإِنْسَانُ بِقَلْبِهِ بِمَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ وَجَزَمَ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ إِلَّا أَنْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ فَأَبَى النُّطْقَ بِهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ خِلافُ عَقِيدَةِ الْجُمْهُورِ، فَقَدْ نَقَلَ الإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ ابْنُ الْمُنْذِرِ الإِجْمَاعَ (1) عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي الإِسْلامِ لا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَيْ أَنَّ دُخُولَ الْكَافِرِ فِي الإِسْلامِ لا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، لَكِنْ لا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الإِسْلامِ لَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالشَّهَادَةِ فِي صِغَرِهِ وَلا بَعْدَ كِبَرِهِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ نَشَأَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يَكْفِيهِ الْمَعْرِفَةُ وَالِاعْتِقَادُ بِصِحَّةِ إِسْلامِهِ وَإِيـمَانِهِ لَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِالْمَرَّةِ، يعني مَنْ نَشَأَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ فَهُوَ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَشَأَ عَلَى عَقِيدَةِ الإِسْلامِ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ فَهُوَ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ طَالَمَا لَمْ يَعْتَقِدْ اعْتِقَادًا كُفْرِيًّا وَلَمْ يَنْطِقْ بِكَلامٍ كُفْرِيٍّ وَلَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا كُفْرِيًّا.
ثُمَّ مَنْ صَحَّ لَهُ أَصْلُ الإِيـمَانِ وَالإِسْلامِ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ الْعَمَلِيَّةِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَجْتَنِبِ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ فَقَدْ نَجَا مِنَ الْخُلُودِ الأَبَدِيِّ فِي النَّارِ، ثُمَّ قِسْمٌ مِنْهُمْ يُسَامِحُهُمُ اللَّهُ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِلا عَذَابٍ وَقِسْمٌ مِنْهُمْ يُعَذِّبُهُمْ ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُسَامِحُهُ وَمَنْ لا يُسَامِحُهُ، وَأَمَّا مَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ تَابَ فَأَدَّى جَمِيعَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
مَهْمَا أَذْنَبَ الشَّخْصُ وَتَابَ وَأَذْنَبَ وَتَابَ وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، فَبَابُ التَّوْبَةِ مَا زَالَ مَفْتُوحًا لَمْ يُغْلَقْ بَعْدُ.
(1) ممن نقل الإجماع على أن الرجوع إلى الإسلامِ يكون بالشهادتين الحافظ المجتهد محمد بن إبراهيم بن المنذر المتوفى 318 هـ في كتابه الإجماع طبع دار الجنان الطبعة الأولى (1406 – 144) والحافظ المجتهد أبو الحسن علي بن القطان الفاسي المتوفى 628 هـ في كتابه الإقناع في مسائل الإجماع طبع دار القلم دمشق (1927 – 4).
قال الحافظ المجتهد أبو الحسن علي بن القطان في الإقناع في مسائل الإجماع (ذكر صفة كمال الإيمان) وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأتبرأ من كل دين خالف الإسلام. وهو بالغ صحيح العقل أنه مسلم، فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتدًا.