اللهُ أَمرَنا بالتَّفَكُّر في مَصنُوعَاتِه
5 مايو 2020العَقلُ لهُ اعتِبَارٌ ليسَ كمَا يَظُنُّ بَعضُ النّاس أنّ العَقلَ لَيسَ لهُ اعتِبَارٌ
6 مايو 2020عِلمُ التّوحيد هو العِلمُ الذي يُعرَف به ما يجُوزُ على اللهِ ومَا يَلِيقُ بهِ ومَا لا يجوزُ عليهِ ومَا يجِبُ لهُ مِن أن يُعرَفَ في حَقِّه سبحانَه وتعالى
عِلمُ التّوحيد هو العِلمُ الذي يُعرَف به ما يجُوزُ على اللهِ ومَا يَلِيقُ بهِ ومَا لا يجوزُ عليهِ ومَا يجِبُ لهُ مِن أن يُعرَفَ في حَقِّه سبحانَه وتعالى ولذلكَ سَمَّاه أبو حنيفةَ الفِقهَ الأكبر، أبو حنيفةَ لهُ كتابٌ في العقيدةِ يتَكلَّمُ فِيمَا يَجُوزُ على اللهِ ومَا لا يجُوزُ علَيه وما يجُوز على أنبياءِ اللهِ ومَا لا يجُوز، خَصَّصَه لهذا فسَمّاه الفِقهَ الأكبَر إيْذانًا وإعْلامًا بأنّهُ هو الفِقهُ الذي هو أشرَفُ وأفضلُ مِن غيرِه، وهذا ليسَ عِلمَ الكلامِ المذموم، عِلمُ الكلام المذموم هو ما أنشأَه أهلُ الأهواء أي أهلُ البِدَع الاعتقاديّة وهو الذي قال فيه الشّافعي (لأَنْ يَلْقَى اللهَ العَبدُ بكُلِّ ذَنبٍ ما خَلا الشِّركَ خَيرٌ مِن أن يلقاه بشَىءٍ مِنَ الأهواء) رواه أبو بكر بنُ المنذر، الأهواءُ جمعُ هَوًى وهو ما أحدَثه المبتَدعُونَ مِن خوارج وغيرِهم، أولُ طائفَةٍ مبتَدِعَةٍ في الاعتقادِ هي الخوارجُ ظهَرت في أيّام سيّدِنا عليّ وهم الطّائفةُ الذينَ ءالَ أمرُهم إلى أن كفَّروا عليًّا فقتَلُوه وقتَلُوا غيرَه وكان عندَ سيّدِنا عليٍّ عهدٌ مِن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقَتْل هؤلاء فقاتلَهم فأبادَهم لم يَبقَ منهم إلاّ القَلِيل هذا القليلُ الذي بقِيَ منهُم همُ الذين انتشَرُوا بعدَ ذلك في نواحِي متَعدّدَة.
قال الشافعيُّ رضي الله عنه (لأَنْ يَلقَى اللهَ العَبدُ بِكُلِّ ذَنبٍ ما خَلاَ الشِّرك خَيرٌ مِن أنْ يَلقَاهُ بشَىءٍ مِنَ الأهواء)، الأهواءُ هيَ عَقائدُ البِدعِيّينَ، أَهْلُ الأَهْوَاءِ هُمْ مَنْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ كالْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَمَا أَشْبَهَهُمْ وَمَعْنَى قَوْلِهِ (الأهواء) أي الْعَقَائِدُ الَّتِي مَالَ إِلَيْهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّ لَهُمْ مُؤَلَّفَاتٍ وَلا سِيَّمَا الْمُعْتَزِلَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُشَبِّهَةُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالنُّزُولِ وَالصُّعُودِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ، وَكَلِمَةُ الأَهْوَاءِ جَمْعُ هَوًى وَالْهَوَى مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ مِنَ الباطل، أما عِلْمُ الْكَلامِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ أَدِلَّةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَهَذَا مِنْ أَفْرَضِ الْفُرُوضِ لِأَنَّهُ حِفْظٌ لِأُصُولِ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
أمّا عِلمُ الكَلامِ الذي نَحنُ بصَدَدِه كانَ الشّافعِيُّ يُتقِنُه، ذكَرَ عنهُ الحَافِظُ أفضَلُ المحَدّثِينَ بالشّام في عَصره ابنُ عَساكرَ أنّه قال (أَحْكَمْنا ذاكَ قَبلَ هذا) أيْ أَتْقَنَّا عِلمَ التّوحِيدِ قَبْلَ عِلمِ فُرُوعِ الفِقْه (وقَدْ مَرَّ)، وتَكَلَّمَ فيهِ مالِكٌ وغَيرُه مِن أئِمَّةِ السّلَف، وقالَ بَعضُ العُلَماءِ في مَدْح عِلمِ الكَلام الذي لأهلِ السُّنَّةِ شِعرًا مِنَ البَسِيط:
عَابَ الكَلامَ أُنَاسٌ لا عُقُولَ لَهُمْ *** مَا ضَرَّ شَمْسَ الضُّحَى في الأفْقِ طَالِعَةً
وَمَا عَلَيْهِ إذا عَابُوهُ مِنْ ضَرَرِ *** أَنْ لا يَرَى ضَوْءَها مَنْ لَيْسَ ذا بَصَرِ
فالذينَ عَابُوا عِلمَ الكلامِ الممدُوحَ جَهلًا عَابُوه.
اللهُ تَبارك وتعالى أنزلَ المعجزاتِ مع الأنبياءِ ليَعرف العَاقلُ بالنّظَر في هذه المعجزة صِدْقَ ما جاؤوا بهِ فكَيفَ يُلغَى العقلُ ويُلغَى النّظَرُ والنَّظَرُ هو التَّفَكُّر، العَاقلُ عندما يَنظُر يَهتدي ويتَوصَّل لكَونِ هذا الذي ظهرَتِ المعجزةُ على يدِه صَادقًا في قَولِ إنّه نبيُّ اللهِ إنّه يُبَلّغ عن الله، جعَل ذلكَ فَارقًا بينَ النَّبيّ وبينَ المتَنبّي، النّبيّ يميَّز بالمعجِزة وإذا عُرِف النبيُّ يُعرَف المتَنبّي أنّه مُبطِلٌ.
قال الشّيخُ المحَدُّثُ الحَافِظُ الفَقِيهُ الحنَفيُّ شَمسُ الدّين محمدُ بنُ طُولُونَ في كِتَابِه ذَخَائرُ القَصْر في تَراجِم نُبَلاءِ العَصْر في تَرجمة أحمدَ بنِ عبدِ الرزاقِ بنِ عبدِ الرّحمـنِ الرّاشِدِيِّ مَا نَصُّه (وسأَلَني (يَعني المترجَمَ لهُ) عن عِلْم التّوحِيدِ وعِلْم الفِقْه أَيُّهُما أفضَلُ؟ فقُلتُ لهُ مَا قَالَه أبو مَنصُورٍ الماتُرِيديُّ في عَقِيدَتِه إنّ الفِقْهَ في الدِّينِ وهوَ التّوحيدُ أَفضَلُ مِنَ الفِقْه في العِلم وهوَ الشّرائعُ (أي الأحكام)، وعن هَذا (ومَا في حُكْمِه مِن مَعرفةِ أحكَام الطّهَارةِ والصّلاةِ ونَحوِ ذلكَ مِنْ عِلْم الحَالِ كَمَا صَحَّ الحديثُ بذلك بإسنادٍ ثابتٍ رواه البيهقيُّ وغيرُه) قَالُوا طَلَبُ العِلْم فَرِيضَةٌ على كُلّ مُسلِمٍ، أي عِلمِ الحَالِ وهوَ أَحكَامُ الإيمان، والإيمانُ إقرارٌ باللِّسَانِ وتَصدِيقٌ بالجَنَان، وإنْ لم يُقِرَّ باللّسَانِ معَ الإمكَانِ لا يَكُونُ مُؤمِنًا، كمَا إذَا أقَرَّ ولم يُصَدِّق حتى مَاتَ لم يَكُنْ مؤمِنًا لأنَّ تَركَ البَيانِ مِن غَيرِ عُذْرٍ يَدُلُّ على فَواتِ التَّصدِيق، وكمَا لو صَدَّقَ ولم يُقِرَّ، وعندَ الكَرّامِيّةِ (وهُم مِنَ الفِرَقِ الضّالّةِ) الإقرارُ باللّسَانِ لا غَيرُ لقَولِه علَيهِ السّلام (أُمِرتُ أنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلـهَ إلا الله) رواه البخاري ومسلم، وهَذا بَاطِلٌ لقَولِه تَعالى (قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (سورة المائدة 41). اهـ