عبد الله بن عبد الحكم مفتي الديار المصرية صاحب الإمام مالك
26 سبتمبر 2018بعض أحوال يوم القيامة (الجزء الأول)
27 سبتمبر 2018مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَعْضَاءٍ فَهُوَ عَابِدُ صَنَمٍ فَإِنَّ كُلَّ جِسْمٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَعِبَادَةُ الْمَخْلُوقِ كُفْرٌ
تقديس (تنزيه) الله عن الجسمية والمكان
قَالَ الْفَقِيْهُ الْأُصُولِيُّ الْغَزَالِيُّ فِي كَتَابِهِ إِلْجَامُ الْعَوَامِ مَا نَصُّهُ (الْوَظِيفَةُ الْأُولَى التَّقْدِيسُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ الْيَدَ وَالْإِصْبَعَ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللهَ خَمَّرَ طِينَةَ آدَمَ بِيَدِهِ) وَ (إِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا هُوَ الْوَضْعُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ عُضْوٌ مُرَكَّبٌ مِنْ لَحْمٍ وَعَظْمٍ وَعَصَبٍ، وَاللَّحْمُ وَالْعَظْمُ وَالْعَصَبُ جِسْمٌ مَخْصُوصٌ وَصِفَاتٌ مَخْصُوصَةٌ، أَعْنِي بِالْجِسْمِ عِبَارَةً عَنْ مِقْدَارٍ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ أَنْ يُوجَدَ بِحَيْثُ هُوَ إِلَّا بِأَنْ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَقَدْ يُسْتَعَارُ هَذَا اللَّفْظُ أَعْنِي الْيَدَ لِمَعْنًى آخَرَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِجِسْمٍ أَصْلًا، كَمَا يُقَالُ الْبَلْدَةُ فِي يَدِ الْأَمِيرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ مَقْطُوعَ الْيَدِ مَثَلًا، فَعَلَى الْعَامِّيِّ وَغَيْرِ الْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَقَّقَ قَطْعًا وَيَقِينًا أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ جِسْمًا هُوَ عُضْوٌ مُرَكَّبٌ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَهُوَ عَنْهُ مُقَدَّسٌ، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَعْضَاءٍ فَهُوَ عَابِدُ صَنَمٍ فَإِنَّ كُلَّ جِسْمٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَعِبَادَةُ الْمَخْلُوقِ كُفْرٌ، وَعِبَادَةُ الصَّنَمِ كَانَتْ كُفْرًا لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَكَانَ مَخْلُوقًا لِأَنَّهُ جِسْمٌ، فَمَنْ عَبَدَ جِسْمًا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْهُمْ وَالْخَلْفِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجِسْمُ كَثِيفًا كَالْجِبَالِ الصُّمِّ الصِّلَابِ، أَوْ لَطِيفًا كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُظْلِمًا كَالْأَرْضِ أَوْ مُشْرِقًا كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، أَوْ مُشِفًّا لَا لَوْنَ لَهُ كَالْهَوَاءِ، أَوْ عَظِيمًا كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالسَّمَاءِ، أَوْ صَغِيرًا كَالذَّرَّةِ وَالْهَبَاءِ أَوْ جَمَادًا كَالْحِجَارَةِ، أَوْ حَيَوَانًا كَالْإِنْسَانِ). اهـ
ويقول الإمام الشيخ ابن أبي جمرة الأندلسي المالكي في كتابه بهجة النفوس وتحليها بمعرفة مالها وما عليها شرح مختصر البخاري في شرح الحديث الثالث صفحة 35 من الجزء الأول بعد ذكره للمبتدعة وذكر القدرية والجبرية (ومنهم المجسمة لأنهم يقولون بالجسم والحلول ومعتقد هذا لايصح منه الايمان بعموم اللفظ المذكور في الحديث لأنّه لا يصح الإيمان بمقتضى لفظ الحديث حتى يصح الإيمان به عز وجل بمقتضى ما أخبر به عن نفسه حيث يقول (ليس كمثله شئ) وشئ يطلق على القليل والكثير وعلى كل الأشياء فمن خصص هذا العموم وهو قوله (ليس كمثله شئ) لم يصح منه الإيمان بعموم لفظ الحديث وإن ادعاه لأنّ من لا يعرف معبوده كيف يصح له الايمان به وذلك محال). إنتهى
ونقل ابن القاسم (1) عن الإمام مالك أنه قال (ولا ينبغي لأحد أن يصف الله إلا بما وصف به نفسه في القرآن، ولا يشبه يديه بشيء، ولا وجهه تبارك وتعالى بشيء، ولكنه يقول له يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف نفسه، تقف عندما وصف به نفسه في الكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل له ولا شبيه ولا نظير، ولا يروِيَنَّ لنا أحد هذه الأحاديث (إن الله خلق آدم على صورته) أو نحوها من الأحاديث، ولكن هو الله الذي لا إله إلا هو كما وصف نفسه، ويداه مبسوطتان كما وصفهما (وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر 67) ولا يصفه بصفة (2) ولا يشبه به شيئا، فإنه تبارك وتعالى لا شبيه له، وأعظم مالك أن يحدث أحدا بهذه الأحاديث أو يرويها، وضعفه) انتهى، انظر النوادر والزيادات 14 – 553 لابن أبي زيد و البيان والتحصيل 16 – 400 وأصول السنة صحيفة 75 لابن أبي زمنين المالكي.
وقال الشيخ الحليميُّ الشافعيُّ (ت 403 هـ) في المنهاج (شعب الإيمان 1-184) ما نصه (وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه (تعالى) ليس بجوهر ولا عرَض، فلأن قومًا زاغوا عن الحق فوصفوا البارئ جل ثناؤه ببعض صفات المُحدَثين (أي المخلوقين)، فمنهم من قال إنه جوهر، ومنهم من قال إنه جسم (والجسم ما تألف من جوهرين فأكثر)، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملِك على سريره، وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل (نفي الصفات الواجبة لله المجمع عليها عند أهل السنة) والتشريك، فإذا أثبت المُثبت أنه (سبحانه) ليس كمثله شىء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عَرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرًا أو عرَضًا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهرًا ولا عرَضًا لم يَجز عليه ما يجوز على الجواهر من حيث إنها جواهر كالتآلف والتجسّم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء). اهـ
(1) كان رحمه الله ينكر عقيدة المشبهة المجسمة وقد نقل في ذلك مقالات الإمام مالك رضي الله عنه مقرا لها، قال ابن أبي زمنين المالكي في كتاب أصول السنة (1 – 29) ما نصه قال (يعني ابن القاسم) وكان مالك يعظم أن يحدث أحد بهذه الأحاديث التي فيها أن الله خلق آدم على صورته وضعفها. انتهى
(2) ولا يصفه بصفة من صفات المخلوقين، فمن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر.