التَّوَكُّلُ عَلى اللهِ والتَّحْذِيرُ مِنَ الكَهَنَةِ والعَرّافِين
28 ديسمبر 2018إن من أصول عقائد المؤمنين تنزيه الله سبحانه وتعالى عن التحيّز في مكان أو الانتشار في الأماكن
30 ديسمبر 2018إن من أصول عقائد المسلمين الإيمان بقَدَرِ الله سبحانه وتعالى
الإيمان بالقدر
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ لَهُ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ، الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا عَلَمَ الْهُدَى أَنْتَ طِبُّ الْقُلُوبِ وَدَوَاؤُهَا وَعَافِيَةُ الأَبْدَانِ وَشِفَاؤُهَا وَنُورُ الأَبْصَارِ وَضِيَاؤُها صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْكَ وَعَلَى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.
أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم كتابه (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (سورة القمر ءايات 47 -48 – 49).
إخوة الإيمان، إن من أصول عقائد المسلمين الإيمان بقَدَرِ الله سبحانه وتعالى فقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـما سئل عن الإيمان قال (الإيمانُ أنْ تُؤْمِنَ بالله ومَلائِكتِه وكتبه ورُسُلِهِ واليوم الآخِرِ وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ) ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (وبالقدر خيره وشره) أن كل ما دخل في الوجود من خيرٍ وشر هو بتقدير الله الأَزلي فالطاعةُ التي تحصُلُ من المخلوقين والمعصيةُ التي تحصُلُ منهم كلٌّ بخلقِ الله وإيجادِهِ إياها وليس معنى ذلك أن الله يرضى بالشر ولا أنه يأمر بالمعصية إنما الخيرُ من أعمال العباد بتقدير الله ومحبَّتِهِ ورضاهُ، والشرُّ من أعمال العباد بتقدير الله لا بمحبَّتِهِ ورضاهُ، قال الإمام السلفي أبو حنيفة رضي الله عنه [والطاعة كلها ما كانت واجبة بأمر الله تعالى ومحبته وبرضائه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته لا بمحبته ولا برضائه ولا بأمره]. اهـ
فَفَرْقٌ أيها الأحبة بين المشيئة وبين الأمر فالله لم يأمر بالكفر والمعاصي لكنْ كفرُ الكافرين ومعصية العصاة لا يمكن أن يحصل لو لم يُرِدِ اللهُ حصوله وإلا لو كان يحصل ما لم يرد الله حصوله لكان عاجزًا والعجز على الله محال.
فالإيمان والطاعات والكفر والمعاصي كل ذلك يحصل بمشيئة الله وتقديره ولَوْ لَـمْ يَشَإِ الله عِصْيَانَ العُصَاةِ وكفْرَ الكَافرِيْنَ وإيمانَ المؤمنينَ وطَاعَةَ الطّائِعِيْنَ لَمَا خَلَقَ الجَنَّةَ والنَّارَ، وليس لقائل أن يقول إنه إذا كانت المعصية بمشيئة الله فكيف يعذبه الله، فالله لا يُسئل عما يفعل بل إِذَا عَذَّبَ الله تَعَالى العَاصِيَ فَبِعَدْلِه مِنْ غَيْرِ ظُلْم، وَإِذَا أثَابَ الـمُطِيعَ فَبِفَضْلِهِ مِنْ غَيرِ وجُوبٍ عليه، لأَن الظُّلْمَ إنَّما يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لهُ ءامِرٌ ونَاهٍ، ولا ءامِرَ لله ولا نَاهيَ لَهُ، فَهُوَ يَتَصَرَّفُ في مِلْكِه كَما يَشَاءُ لأَنَّهُ خالِقُ الأشياءِ ومَالِكُها، وَقَدْ جَاءَ في الحَديثِ الصَّحِيح الذي رَوَاهُ الإمَامُ أحْمَدُ في مُسْنَدِهِ وغيرُه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنَّ الله لَوْ عْذَّبَ أهْلَ أرَضِهِ وسَمواتِه لعَذَّبَهُم وهُوَ غَيْرُ ظَالِم لَهُم وَلَوْ رَحِمَهُم كَانَت رَحْمَتُه خَيْرًا لَهُم مِنْ أعْمَالِهِم، ولَو أنفَقْتَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا في سَبِيْل الله ما قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤمِنَ بالقَدَرِ، وتَعْلَمَ أنَّ مَا أصَابَكَ لم يَكُن لِيُخْطِئَكَ ومَا أخْطأَكَ لم يكنْ ليُصيِبكَ ولو مِتّ علَى غَيْرِ هَذا دَخَلْتَ النَّارَ).
فكلُّ ما دخل في الوجود أيها الأحبة وُجِدَ بمشيئة الله وعلمِه فلا يَحدُثُ في العالم شىءٌ إلا بمشيِئتِهِ ولا يُصيبُ العبدَ شىءٌ من الخيرِ أو الشرّ أو الصحةِ أو المرضِ أو الفقْرِ أو الغِنى أو غيرِ ذلك إلا بمشيئةِ الله تعالى، ولا يُخطئ العبدَ شىءٌ قدَّر الله وشاءَ أن يصيبَهُ وقد روى أبو داود في سننه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ بعضَ بناتِهِ (ما شاءَ الله كانَ وما لم يشأ لم يَكُنْ) فمشيئة الله الأزلية نافذةٌ لاتتخلَّفُ ولا تتغيرُ وكل ما أراد الله حصوله بمشيئته الأزلية لا بد أن يحصل في الوقت الذي شاء حصوله وما لم يُرِدْ حصولَه فلا يوجد ولا يكون. وليس معنى هذا أيها الأحبة أن العباد لا مشيئة لهم بالمرة كما قالت فرقةٌ ظهرت في الماضي وانقرضت يقال لها الجبرية كانت تقول إن العبد كالريشة في الهواء لا اختيار له بالمرة بل اعتقاد ذلك تكذيب للدين فقد قال الله تعالى في القرءان الكريم (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (سورة التكوير ءاية 29) فأثبت الله للعبد المشيئة ولكن تحت مشيئة الله تعالى وليست غالبةً لها كما قالت القدرية وهي فرقة أخرى انتسبت للإسلام في الماضي وليس لهم نصيب فيه قالوا إن الله شاء الخيرَ لكل العباد لكن بعض العباد عصوا غصبًا عن مشيئة الله فجعلوا الله مغلوبًا عاجزًا وإنما العباد لهم مشيئةٌ واختيار لكنها تحت مشيئة الله فلا أحد يستطيع أن يفعل شيئًا لم يُرِدِ الله حصوله كما يدل على ذلك قوله تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) فهذه الآية إخوة الإيمان فيها الردُّ على الجبرية الذين ينفون المشيئة والاختيار عن العباد بالمرة وفيها الردُّ على القدرية الذين كانوا يقولون بأن الله شاءَ لكلّ العبادِ حتّى لفرعونَ أن يكونَ مؤمنًا تقيًّا وكذلك لإبليسَ ولكن الكفار نقضوا مشيئة الله وغلبوها، فجعلوا الله مغلوبًا والله تعالى غالبٌ غير مغلوبٍ كما قال تعالى (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) (سورة يوسف ءاية 21) وكما قال سبحانه (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (سورة السجدة ءاية 13).
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الفرقة أى القدرية قبل ظهورهم وحذر منهم وبين أنهم ليسوا مسلمين كما روى البيهقيُّ في كتاب القدر وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (صِنْفَان من أُمَّتي ليسَ لَهُمَا نَصِيبٌ في الإسْلامِ القَدَرِيَّةُ والمرجئَةُ) وروى أبو داود في سننه أن رسول الله قال (القَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّة) وفي رواية لهذا الحديث (لِكُلِّ أمَّةٍ مَجُوسٌ ومَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ الذينَ يَقُولونَ لا قَدَرَ) فلا يجوز الشك في زيغ القدرية وخَلَفِهِمْ من المعتزلة ولا بد من الحذر من اعتقادهم وقد نص الإمام النوويُّ في كتابه روضة الطالبين في باب الردة أن من قال إنه يفعل شيئًا بغير تقدير الله فهو كافر بالله، وَرَوى البيهقيُّ رحمَه الله تعَالى عن سيِّدنا عَليٍّ رضيَ الله عنْه أَنَّه قالَ (إنَّ أحَدَكُمْ لَنْ يَخْلُصَ الإيمانُ إلى قَلْبِهِ حتّى يِستَيْقِنَ يَقِينًا غَيْرَ شَكٍّ أنَّ مَا أصَابَه لم يَكُنْ لِيُخطِئَهُ ومَا أخطأَهُ لم يكن لِيُصِيبَهُ، ويُقِرَّ بالقَدَرِ كُلِّهِ).
اللهم احفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا واهدنا وسددنا، واختم لنا بالصالحات أعمالنا.
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.