القَولُ الحَقُّ تَكفِيرُ المجَسّمَةِ
9 أكتوبر 2018ختام رمضان
11 أكتوبر 2018التَّحْذِيرُ مِنْ مَسَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (الجُزْءُ الثَّانِي)
التَّحْذِيرُ مِنْ مَسَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (الجُزْءُ الثَّانِي)
شتمُ ومسبّة الله كفر صريح لا تأويل له والعياذ بالله تعالى
إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذ باللهِ مِنْ شرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مَضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه ولا مثل ولا ند له، ولا حد ولا جثة ولا أعضاء له، وأشهدُ أنّ سَيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبده ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا.
اللهمَّ صلِّ وسلم على سيدنا محمد الداعي إلى الخير والرشاد، الذي سَنَّ للأمة طريق الفلاح، وبَيَّنَ لها سُبُلَ النجاح، وعلى ءاله وصفوةِ الأصحاب.
أما بعدُ عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في مَعْرِضِ الامتِنان على الناس (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وشَفَتَيْنِ) (سورة البلد ءاية 8 و9).
فذَكَرَ نِعَمَهُ على الإنسان بأن جعل له عينين يُبصِرُ بهما الـمَـرْئيّات وجعل له لِسانًا يُعَبّرُ به عما في ضميرِه وجعل له شفتين يَسْتُرُ بهما ثَغْرَه ويستعين بهما على النُّطقِ والأكلِ والشربِ والنّفخِ (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (سورة البلد ءاية 10) أي طريقَّيِ الخيرِ والشرّ الـمُـــؤَدّيَيْنِ إلى الجنَّةِ والنّار.
قيل إن هذه الآياتِ نزلت في الوليد بن الـمُغِيرَةِ أحدِ صناديد قُرَيش الذي لم يَرْعَ حقَّ الله تعالى فيها فغَمِطَ نِعَمَهُ فلم يشكُرها وكَفَرَ بالـمُنعِمِ.
إخوةِ الإيمان، إن اللسانَ نِعمةٌ عظيمةٌ موجِبَةٌ لشُكرِ الـمـُنعِم، وشكرُ الـمُنعِمِ على هذه النعمة يكونُ بتركِ استعمالـها فيما حَرَّمَ الله، ومِنَ الناس مَن لا يَشكُرُ الله على هذه النعمة فيُطلِقُونَ ألسِنَتَهُمْ بـما لا يـجوز لـهم النُّطقُ به وكثيرٌ ما هُم، ومِن ذلك إخوةَ الإيمان الكذِبُ وشَتمُ المسلم بغير حق والغيبةُ والنميمةُ وإشعالُ الفِتنَةِ بينَ المسلمين وأذِيَّتُهم بالكلام وغيرُ ذلك مِن مَعاصِي اللسان، ومِنهم إخوَةَ الإيمانِ من يصلُ إلى أكبرِ الظلمِ ألا وهو الكُفرُ والعِياذُ بالله، فترى الواحِدُ منهم بدَلَ أن يُعظِّمَ نِعمَة الله عليه يستعمِلُها في مَسَبَّةِ الله، في شَتْمِ الله والعياذ بالله، منهم مَن إذا غضِبَ سبَّ الله والعياذُ بالله، ومنهم مَن يسُبُّ اللهَ في حالِ الغضبِ وفي حالِ الرّضا ثم يزعُمُ أنه مسلِمٌ، هيهات، مَن سبَّ اللهَ لا يكونُ مُسلِمًا فإن المسلم هو من ءامن وصدّقَ واعتقَد أنْ لا أحدَ يستحِقُّ العِبادَةَ أي نهايةَ التذلُّلِ والخشوعِ والخضوعِ إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله واجتنب ما ينقُضُ الإسلام، المسلمُ مَنْ عَقَدَ قلبَه على تعظيم الله الواحد الأحد التعظيمَ الواجبَ على الدوام وأما من سبَّ الله فهذا لا يكون مُعَظّمًا لله، مَن سبَّ اللهَ خَرَجَ مَن الإسلامِ وصار مَن الكافرين ولا يُقبَلُ قولُه بعد ذلك [أنا كُنتُ غضبانَ ولم أُرِد أنْ أكفُر]، فقد بَيَّنَ علماءُ الإسلامِ أنَّ كونَ الشخصِ غاضِبًا لا يُنجِيهِ مِن الوقوعِ في الكفرِ إن تعمَّدَ النطق بالكفر، أي إن لم يكن حصولُ ذلك منه عن سبق لسان، فقد نقل الحافظ النووي عن علماء الحنفية وأقرَّهم على ذلك أنه لو غَضِبَ إنسانٌ على ولدِهِ أو غُلامِهِ فضرَبَهُ ضَرْبًا شديدًا فقال له ءاخَرُ [ألَستَ مُسلِمًا فقال لا متعمّدًا كَفَرَ]، ومعنى كلامِ هؤلاءِ العلماءِ أنَّ المسلمَ إذا غضِبَ غَضَبًا شديدًا على ولدِه فضربَهُ ضربًا شديدًا بسببِ شِدَّةِ غَضَبِهِ فقال له شخصٌ ءاخرُ كيف تضرِبُهُ بهذهِ القسْوَة ألستَ مُسْلِمًا لأنّ مِن شأنِ الـمـُسلِمِ أن يكون رحيمًا ولا يتمادى في الضرب الشديد للولد وإن كان الشخصُ غاضِبًا فكان جوابُ الضارِبِ (لا) أي لستُ مُسلِمًا، مِن غيرِ سبْقِ لِسانٍ ومن غير أن يفقد وعيه فيُجَنّ فإنّه يكفُرُ ولا يكون غَضَبُهُ عُذْرًا له.
وانتبهوا معي إخوةَ الإيمان، مسبَّةُ اللهِ ليست مقصورةً على الألفاظ السفيهة المعروفة بين السُّوقَةِ وأهلِ السفاهةِ فقط كقول بعضِهم باللغة العامية (يِلعَنْ ربَّك) أو كقول بعضهم (يا بو رب) والعياذُ بالله بل إنَّ مسبَّةَ اللهِ هي كلُّ لفظٍ فيه نسبةُ النقصِ إلى الله، كلُّ لفظٍ فيه نسبةُ ما لا يليق بالله إليه تعالى كمن يَنْسُبُ إلى الله تعالى الولدَ أو الزوجَةَ أو الحجمَ أو الجسمَ أو الأعضاءَ أو الشكلَ أو المكانَ أو اللونَ أو التعب أو العجز أو الجهلَ وكلَّ ما هو من صفات المخلوقين.
ولا تغتَرّوا إخوةَ الإيمان بقول بعض الناسِ بأنَّ الذي يسبُّ الله بلسانِه لا يكفُرُ ولا يَخْرُجُ مِن الإسلامِ إن لم يقصِدِ الخروجَ مِن الإسلام وكان قلبه مؤمِنًا أو أنَّ من سبَّ الله مازِحًا لا يؤاخَذُ فإنَّ هذا الكلامَ باطِلٌ باطِلٌ باطلٌ وذلك لأنه مخالِفٌ لقول الله تعالى، ومخالِف لقولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالِفٌ لإجماع الأمّة، فأما مخالَفَتُهُ لقول الله تعالى، فقد قال الله تبارك وتعالى (يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسِلامِهِم) (سورة التوبة 74) فقد حكم الله عليهم بالكفر بقولهم كلمة الكفر، وقولِهِ تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاْللهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُون* لاَ تَعْتَذِروُا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم) (سورة التوبة ءاية 65) وأما مخالفته لقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ لا يَرَى بها بَأْسًا يَهْوِي بها في النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) رواه الترمذي، بَيَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديثِ أنَّ العبدَ يقولُ الكلِمَةَ وهو لا يراها ضارَّةً له لكنَّها تكونُ مُوجِبَةً لنُزُولِهِ مسافَةَ سبعينَ سنة في جهنَّمَ لكون الكلمة كفرًا إن لم يرجِع عنها إلى الإسلام فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مُنْتَهَى جهنَّمَ مسافة سبعين عامًا وأنَّ هذا المكان لا يصلُهُ إلا الكافِر، وأما مخالفَتُهُ للإجماع فقد نقل القاضي عِياضٌ المالِكِيُّ إجماع الأمة على كفرِ مَن سَبَّ الله حيث قال في كتابه الشّفا بتعريف حقوقِ المصطفى [لا خِلافَ أنَّ سابَّ اللهِ تعالى مِنَ المسلمينَ كافِرٌ]. اهـ
فاحذَر أخي المسلم من التساهُلِ في الكلام وزِنْ كلامَكَ بـميزانِ الشْرعِ قبلَ أنْ تُخرِجَهُ مِن فَمِكَ فإنَّ كلَّ ما تتلَفَّظُ به عامِدًا يكتُبُهُ الـمَلَكانِ فقد قال ربُّنا تباركَ وتعالى (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (سورة ق ءاية 18)، أي كلّ لفظٍ ينطِقُ به الإنسانُ يكتبُهُ الملكانِ رقيبٌ وعَتيدٌ فإمَّا لك وإمّا عليك فاحفظْ لِسانَكَ من الكفرِ وغيره من القبيح فإنك مسؤولٌ عن لِسانِك. أسألُ اللهُ تبارَكَ وتعالى أنْ يحفَظَ علينا إسلامَنا ويحفظَ جوارِحنا من الوقوعِ في معصية الله والـمُوَفَّقُ مَن وفَّقَه الله.
هذا وأستغفر الله.