الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني
16 نوفمبر 2018الوقوف بعرفة
20 نوفمبر 2018الهجرة النبوية
الهجرة النبوية
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمد من بعثه الله رحمة للعالمين مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى الله به الأمة وكشف به عنها الغمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله الصادق الوعد الأمين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم، والسير على خطى رسوله الكريم، يقول الله تعالى في محكم كتابه [إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (التوبة 40).
إخوة الإيمان، عندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتبليغ والإنذار بلا قتال فكان يدعو إلى الله جهرا ويمر بين المشركين حين كانوا يجتمعوا في الموسم من نواح مختلفة ويقول (أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا)، ودعا عليه الصلاة والسلام إلى العدل والإحسان ومكارم الأخلاق ونهى عن المنكر والبغي فآمن به بعض الناس كأبي بكر وعمر وعثمان وعلى وبلال وغيرهم وبقي على الكفر أكثر الناس وصاروا يؤذونه وأصحابه فلما اشتد عليهم الأذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالهجرة إلى الحبشة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لقي في الموسم نفرا من أهل يثرب من الخزرج فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا، ثم ازداد عددهم في العام التالي فلما انصرفوا بعث معهم بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم لتعليم من أسلم من أهل يثرب القرءان ودعوة من لم يسلم منهم بعد إلى الإسلام، فلما كثر أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيثرب أمر الله المسلمين بالهجرة إليها فهاجروا إليها أرْسالاً جماعة بعد جماعة.
ثم جاء إخوة الإيمان أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى يثرب, أمره بترك مكة محل ولادته عليه الصلاة والسلام التي كانت أحب البلاد إليه فامتثل أمر الله تعالى وهاجر متحملا المشاق في سفره طاعة لله تعالى لا خوفا من المشركين وجبنا، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الناس, ولا يأسا من واقع الحال ولا حبا في الشهرة والجاه والسلطان فقد ذهب إليه أشراف مكة وسادتها وقالوا له إن كنت تريد بما جئت به مالا وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ولكن كف عن ذكر ءالهتنا بالسوء، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام أشرف مِن أن يكون مقصوده الدنيا والجاه والسلطان ولذلك قال لعمه أبي طالب الذي نقل إليه عرضهم (والله يا عمّ لو وضعوا الشمس بيميني والقمرَ بشمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهرَه الله أو أهلك دونَه) صلوات ربي وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله.
بعد ذلك أجمع مشركو مكة أمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا من خروج دعوته إلى بلد ءاخر فاتفقوا على أن يختاروا من كل قبيلة رجلا جلداً نسيباً وسيطاً ليضربوه ضربة رجل واحد حتى يتفرق دمه في القبائل ويعجز بنو عبد مناف عن محاربة الكل فيرضون بالدية، فأرسل الله تبارك وتعالى جبريل إلى رسول الله فأخبره بمكر القوم وطلب منه أن لا يبت في مضجعه الذي كان يبيت فيه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليبيت في فراشه ويَتَسَجَّى بِبُرْدٍ له أخضر ففعل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه ومعه حفنة تراب فجعل يَذُرُّها على رؤوسهم وقد أخذ الله بأبصارهم عن نبيه فلم يره أحد منهم فلما أصبحوا إذا هم بعلي بن أبي طالب فعرفوا أن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم قد فاتهم فركبوا في كل وجه يطلبونه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إخوة الإيمان قد سار مع صاحبه أبي بكر الصديق حتى وصلا إلى غار ثور فدخلاه وجاءت العنكبوت ونسجت على بابه وجاءت حمامة فباضت ورقدت هناك، وجاء الطلب من رجال قريش فلما وصلوا إلى الغار قال أبو بكر: يا رسول لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا فقال عليه الصلاة والسلام (يا أبا بكر ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما) أي عالم بهما وحافظ لهما لا أنه سبحانه حال معهما في الغار تعالى الله عن ذلك.
وهكذا كان حفظ الله رسوله عليه الصلاة والسلام وصاحبه من طلب كفار قريش لهما حتى وصلا إلى المدينة المنورة حيث استقبله المؤمنون بالفرح والبشر وسمى الرسول يثرب المدينة المنورة وءاخى بين أهلها أي الأنصار وبين المهاجرين فصار المسلمون على قلب رجل واحد كمثل البنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فكانت الهجرة إيذاناً بأنّ صَوْلَةَ الباطل مهما عظمت فهي إلى زوالٍ وأن قوته إلى الفشل والبَوارِ وأنَّ الحق لا بد من يوم تعلو فيه رايته وترتفع كلمته و لقد قال عز وجل [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] (غافر 51).
إخوة الإيمان، إن الدروس المستفادة من الهجرة كثيرة، منها الصبر على الشدائد والبلايا والثبات في وجه الباطل والوقوف إلى جانب الحق بشجاعة وحزم ببذل الوقت والجهد والمال لنصرته، جعلنا الله من الموفقين لنصرة هذا الدين.
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.