مَاذَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْمَلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ
27 نوفمبر 2018بَيانُ أَنَّ اللهَ خالِقُ العِبادِ وَأَعْمالِهِمْ
7 ديسمبر 2018مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم (الجزء الثاني)
إنَّ الحَمْدَ للهِ نحمَدُهُ ونَستَعِينُهُ ونَستَهْدِيهِ ونَشكُرُهُ ونَعُوذُ بِاللهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنا ومِن سَيِّئاتِ أَعمالِنا مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لاإلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ولا مَثِيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَناوعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ بَلَّغَ الرِّسالَةَ وأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزاهُ اللهُ عَنّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِه، الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَيْكَ سَيِّدِي يا رَسُولَ اللهِ يا عَلَمَ الهُدَى أَنْتَ طِبُّ القُلُوبِ ودَواؤُها وعافِيَةُ الأَبْدانِ وشِفاؤُها ونُورُ الأَبْصارِ وضِياؤُها صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيْكَ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه.
أَمّا بَعْدُ فَيا عِبادَ اللهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيم واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعالى يَقُولُ في القُرْآنِ الكَرِيمِ بَعْدَ ذِكْرِ عَدَدٍ مِنَ الأَنْبِياءِ ﴿وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٨٦﴾ (سورة الأنعام / 86) .
إِخْوَةَ الإِيمان، لَقَدْ بَعَثَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى الأَنْبِياءَ وجَعَلَهُمْ أَفْضَلَ خَلْقِهِ وأَيَّدَهُمْ بِالمُعْجِزاتِ الباهِراتِ لِتَكُونَ دَلِيلاً عَلى صِدْقِهِمْ فِيما جاءُوا بِه. وكُنّا حَدَّثْناكُمْ عَنْ بَعْضِ مُعْجِزاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، والمُسْلِمُ المُحَمَّدِيُّ يَزْدادُ تَعَلُّقًا بِمُحَمَّدٍ كُلَّما سَمِعَ بِمُعْجِزَةٍ حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللهِ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ القائِلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لاَ يَشْبَعُ مُؤْمِنٌ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهاهُ الجَنَّة.
رَوَى الإِمامُ أَحْمَدُ والبَيْهَقِيُّ بِإِسْنادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ قالَ بَيْنَما نَسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذْ مَرَّ بِنا بَعِيرٌ يُسْنَى عَلَيْه فَلَمَّا رَآهُ البَعِيرُجَرْجَرَ فَوَضَعَ جِرانَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقالَ أَيْنَ صاحِبُ هَذآلبَعِيرِ؟ فَجاءَهُ فَقالَ بِعْنِيْهِ، فَقالَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّهُ لِأَهْلِ بَيْتٍ ما لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُه، فَقالَ النَّبِيُّ أَمّا ما ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ العَمَلِ وقِلَّةَ العَلَفِ فَأَحْسِنُوا إِلَيْه.
ورَوَى مالِكٌ في المُوَطَّأِ والبُخارِىُّ فى صَحِيحِهِ وغَيْرُهُما عَنْ أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي أَيْ يَدِ أَنَسٍ وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ [أَيْ جَعَلَتْ بَعْضَهُ كَالرِّداءِ لَهُ] ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَكَ أَبُوطَلْحَةَ قَالَ أَيْ أَنَسٌ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لِلطَّعَامِ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ قُومُوا قَالَ [أَنَسٌ] فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتْ بِلِسانِ اليَقِينِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمِّي يَا أُمَّسُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَآدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ -أَيْ دَعا فِيها بِالبَرَكَةِـ ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ بِالدُّخُولِ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُواحَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلاً أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً.
إِخْوَةَ الإِيمانِ إِنَّ أَعْظَمَ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُعْجِزَةُ القُرْآنِ الكَرِيمِ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ، وقَدْ وَصَفَهُ رَبُّناتَبارَكَ وتَعالى بِقَوْلِهِ ﴿وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ ٤١ لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢﴾ (سورة فصلت 42 ـ 43) فَالْقُرآنُ الكَرِيمُ أُنْزِلَ على وَصْفٍ مُبايِنٍ لِأَوْصافِ كَلامِ البَشَرِ نَظْمُهُ لَيْسَ نَظْمَ الرَّسائِلِ ولا نَظْمَ الخُطَبِ ولا نَظْمَ الأَشْعارِ ولاهُوَ كَأَسْجاعِ الكُهَّانِ مَعَ ما فِيهِ مِنِ الْتِئامِ الكَلِماتِ والإِيجازِ في مَقامِ الإِيجازِوالفَصاحَةِ والبَلاغَةِ وحُسْنِ النَّظْمِ وغَرابَةِ الأُسْلُوبِ ما حَيَّرَ عُقُولَ العَرَبِ الفُصَحَاءِ حَتَّى أَقَرُّوا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلِ البَشَرِ فَقَدْ رَوَى البَيْهَقِىُّ في دَلائِلِ النُّبُوَّةِ أَنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ وهُوَ مِنْ رُؤُوسِ الكُفْرِ جاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالَ لَهُ اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ٩٠﴾ (النحل / 90/3) قالَ أَعِدْ فَأَعادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ فَقالَ وَاللهِ إِنَّ لَهُ لَحَلاوَةً وإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً وإِنَّ أَعْلاهُ لَمُثْمِرٌ وإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ وما يَقُولُ هَذا بَشَرٌ فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبا جَهْلٍ فَأَتاهُ فَقالَ لَهُ يا عَمُّ كَأَنَّكَ تَتَقَرَّبُ مِنْ محمَّدٍ تُرِيدُ مِنْهُ المالَ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مالاً لِيُعْطُوكَهُ قالَ قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِها مالاً قالَ فَقُلْ فِيهِ قَوْلاً يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ أَوْ أَنَّكَ كارِهٌ لَهُ قالَ وماذا أَقُولُ؟ فَوَاللَّهِ ما فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالأَشْعارِ مِنِّي ولا أَعْلَمُ بِرَجَزِهِ ولا بِقَصِيدَتِهِ مِنِّي ولا بِأَشْعارِ الجِنِّ. واللهِ ما يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذا ووَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً وإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً وإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ وإِنَّهُ لَيَعْلُو وما يُعْلَا وأَنَّهُ لَيَحْطِمُ ما تَحْتَهُ ثُمَّ قالَ إِنَّهُ ساحِرٌ.
وقَدْ أَعْلَمَ اللهُ نَبِيَّهُ أَنَّ أَحَدًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ وأَمَرَهُ أَنْ يَتَحَدَّى بِهِ قَوْمَهُ عَلى الإِتْيانِ بِمِثْــلِهِ بَلْ بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ قالَ عَزَّ مِنْ قائِلٍ ﴿قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا٨٨﴾ (سورة الاسراء / 88) وقالَ تَعالى ﴿ أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣٨﴾ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلى أَنْ يُعارِضَهُ بِالْمِثْلِ أَوْ حَتَّى بِمِثْـلِ أَقْصَرِ سُـورَةٍ مِنْ سُوَرِ القُرْأنِ مَعَ تَمَيُّزِهِمُ الكَبِيرِ بِالفَصاحَةِ والبَلاغَةِ ومَعَ حِرْصِ المُشْرِكِينَ عَلى مُعارَضَةِ الرَّسُولِ وتَكْذِيبِه. وعَجْزُهُمْ عَنْ ذَلِكَ ثابِتٌ مُتَواتِرٌ ولِذَلِكَ عَدَلُوا إِلى القِتالِ والمُخاطَرَةِ بِأَمْوالِهِمْ وأَوْلادِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ ذَلِكَ في اسْتِطاعَتِهِمْ لَما لَجَأُوا إِلَى القِتالِ لِما في ذَلِكَ مِنَ السَّلامَةِ لِأَنْفُسِهِمْ وأَمْوالِهِمْ وهَذا التَّحَدِّي باقٍ إِلى اليَوْمِ.
زِدْ عَلى كُلِّ ما تَقَدَّمَ ما حَواهُ القُرْأنُ الكَرِيمُ مِنْ أَخْبارِ الأَوَّلِينَ والإِنْباءِ عَنِ الغَيْبِ مِمَّا لا يُتَصَوَّرُ عِلْمُهُ بِهِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ الوَحْىِ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ تَحَقَّقَ حُصُولُها بَعْدُ كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ الفَتْحِ ﴿ لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَـآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَـكُمۡ وَمُقَصِّرينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا ٢٧﴾ (سورة الفتح / 27) فَحَصَلَ ذَلِكَ ودَخَلَ المُسْلِمُونَ المَسْجِدَ الحَرامَ عَنْ قَرِيبٍ أمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَـهُمْ ومُقَصِّرِينَ وكَقَوْلِهِ تَعالى ﴿الٓمٓ ١غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ ٣ فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُر مَن يَشَـآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥ وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٦ ﴾ (سورة الروم / 1ـ 6) فَغَلَبَ الرُّومُ الفُرْسَ في بِضْعِ سِنِينَ بَعْدَ أَنْ كانُوا مَغْلُوبِينَ. وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَخْبارِ مِمّا عُلِمَ واشْتَهَرَ.
وقَدْ تَحَدَّى القُرْآنُ اليَهُودَ أَنْ يَتَمَنَّوُا المَوْتَ فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ ذَلِكَ ولا أَقْدَمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلى فِعْلِهِ مَعَ شِدَّةِ عَداوَتِهِمْ وحِرْصِهِمْ عَلى الصَّدِّ عَنِ الدِّينِ فَكانَ في ذَلِكَ أَوْضَحُ مُعْجِزَةٍ قالَ تَعالى في سُورَةِ الجُمُعَةِ عَنِ اليَهُودِ ﴿قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰـدِقِينَ ٦ وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ ٧﴾ (سورة الجمعة / 6ـ7) فَصَلَّى اللهُ عَلى النَّبِىِّ الأُمِّىِّ الَّذِى نَزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ المُعْجِزَةُ الباقِيَةُ عَلى مَمَرِّ السِّنِينِ والَّذِى جَعَلَهُ رَبُّهُ أَفْضَلَ النَّبِيِّينَ وجَعَلَنا بِسَبَبِ ذَلِكَ أَفْضَلَ الأُمَمِ ورَزَقَنآ الاِهْتِداءَ بِهَدْيِهِ والاِقْتِداءَ بِهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي ولَكُمْ.