وِلادَةُ سَيِّدِنا عِيسَى المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلام
23 ديسمبر 2018فضل عيادة المريض
24 ديسمبر 2018اتَّقوا الظُّلْم
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (اتَّقُوا الظُّلْمَ) أي اجتنبوا الظُّلم، وهو شامل لظلم النفس وذلك بمنع أصحاب الحقوق حقوقهم وإعانة النفس على معصية الله وإطاعة هواها فيما حرَّم ربُّنا تقدَّس اسمه.
وقوله (فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، قال النووي: قال القاضي عياض: قيل هو على ظاهره فيكون ظلماتٌ على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلًا. يوم القيامة المؤمن له نور عند الصراط الظالم يكون عليه هناك ظلام.
ويحتمل أن الظلم هنا الشدائد كما فسَّروا قوله تعالى (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [سورة الأنعام 63] أي شدائدهما.
قال القرطبيُّ: قال النَّحاس: والعرب تقول: يوم مظلم إذا كان شديدا.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر؛ فإذا سعى المؤمنون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلماتُ الظلمِ الظَّالمَ حيث لا يُغني عنه ظلمه شيئًا.
فالظَّالم ينتظر العقوبة، والمظلوم الصابر ينتظر المثوبة، وشتَّان بينهما، فعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود 102] رواه الشيخان، ومعناه أنَّ اللهَ يُمهل الظَّالم فإذا أهلكه لم يُفلِتْهُ أي لم يَرفع عنه الهلاك، ولربما عجَّل اللهُ العقاب للظَّالم في الدُّنيا قبل الآخرة واستجاب فيه دعوة المظلومين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ) رواه البخاري، والمراد أنها مقبولة لا تُردُّ، وقد جاء في صحيح مسلم وغيره أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله من دعوة المظلوم وجاء في بعض الروايات (اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا) كذا لأحمد وأبي يعلى وصححه الضياء عن أنس مرفوعا.
فكم من مظلوم وطَّد نفسه على الصبر واستعان بالله فعوَّضه اللهُ النَّصر والرِّضا والأجر؛ فقد كاد إخوة يوسف ليوسف عليه السلام وأخذتهم العزَّة بالإثم فأرادوا قتله ثم ألقوه في الجبِّ وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم فنجَّاه اللهُ من الغمِّ وأتى بهم إلى يوسف يطلبون منه المعونة وهو على خزائن الأرض.
وكم من ظالم جانب العدل وحالف الشرَّ فَرَغِم أنفه وذاق وبال أمره، فالعاقل من حفظ نفسه في الدُّنيا قبل أن يفضي إلى يوم لا درهم فيه ولا دينار إنما الحسنات والسيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَىْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رواه البخاري.
فجديرٌ بمن سمع أو قرأ هذا أن يعتبر ويتَّعظ ويكفَّ عن الظُّلم ويقيم ميزان العدل ولو على نفسه فإنَّ الظُّلم هلاكٌ عظيمٌ وشرٌّ مستطيرٌ والعدلُ منجاةٌ ونورٌ فطوبى لمن عفَّ عن الإثم ومنع نفسه من الظُّلم ولم يسعَ لنيل ما لا يستحق ولم يصلح دنياه بفساد دينه فكم من ظالم تحت التُّراب ندم حيث لم ينفع الندم، وكم من مظلوم في الدُّنيا سعيد في الآخرة؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أَلَا يَا رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُهِينٌ، أَلَا يَا رُبَّ مُهِينٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُكْرِمٌ) رواه البيهقي وغيره، فمن ظنَّ أنه يُكرم نفسه بالظُّلم فهو مهين لها في الحقيقة وسيرى عاقبة ذلك يوم القيامة، ومن ظُلِمَ فصبر للهِ ولم يُخرجه البلاءُ عن دائرة الصَّبر والانقياد للشرع فقد أكرم نفسه وسيرى عاقبة ذلك يوم القيامة، والموفَّقُ من وفَّقَهُ اللهُ.
والله تعالى أعلم وأحكم.