لا يَجوزُ التَّفَكُّرُ في ذاتِ اللهِ بَلْ نُؤْمِنُ بِهِ بِأَنّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ
لا يَجوزُ التَّفَكُّرُ في ذاتِ اللهِ بَلْ نُؤْمِنُ بِهِ بِأَنّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ
3 نوفمبر 2016
قبض الروح وسؤال الملكين منكر ونكير
قبض الروح وسؤال الملكين منكر ونكير
3 نوفمبر 2016
لا يَجوزُ التَّفَكُّرُ في ذاتِ اللهِ بَلْ نُؤْمِنُ بِهِ بِأَنّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ
لا يَجوزُ التَّفَكُّرُ في ذاتِ اللهِ بَلْ نُؤْمِنُ بِهِ بِأَنّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ
3 نوفمبر 2016
قبض الروح وسؤال الملكين منكر ونكير
قبض الروح وسؤال الملكين منكر ونكير
3 نوفمبر 2016

القرءان فيه ءايات محكمات وفيه ءايات متشابهات

القرءان فيه ءايات محكمات وفيه ءايات متشابهات

قال الله العلي العظيم في محكم كتابه (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) سورة آل عمرا ن ءاية 7.

بَيَّنَ ربُّنا تبارك وتعالى أنّ القرءان فيه ءايات محكمات وفيه ءايات متشابهات، فأما المحكمات فهي التي دلالتها على المراد واضحة فلا تحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهًا واحدًا أي معنىً واحدًا كقوله تعالى (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) سورة الأخلاص ءاية 4، وقولِهِ تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) سورة الشورى ءاية 11، وقد سمى الله تبارك وتعالى الآيات المحكماتِ بأُمّ الكتاب أي أمّ القرءان لأنها الأصل الذي تُرَدُّ إليها الآيات المتشابهات، وأغلب ءايات القرءان مُحْكَمَةٌ.
وأما الآيات المتشابهة فهي التي لم تتضح دلالتها أي أنّ دلالتها على المراد غير واضحة وتحتمل بحسب وضع اللغة العربية أوْجهًا أي أكثر من معنى، ويُحتاج لمعرفة المعنى المرادِ منها إلى نِظِرِ أهل النظرِ والفهمِ الذين لهم دِرايةٌ بالنصوص الشرعية ومعانيها ولهم دِراية بلغة العرب فلا تخفى عليهم المعاني، إذ ليس لكل إنسان يقرأ القرءان أن يفسّرَهُ، ومثال ذلك قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) سورة طه ءاية 5،  فإن كلمة [استوى] في لغة العرب تحتمل خمسة عشر معنىً، فاحتيج إلى نظر العلماء لمعرفة المراد منها في هذه الآية.
ولأهل السنة في تأويل المتشابه مسلكان كلٌّ منهما صحيح، مسلكُ أكثرِ السلف وهم أهل القرون الثلاثة الأولى فإنهم يؤولون المتشابهات تأويلاً إجماليًا بِرَدّها إلى الآيات المحكمات وذلك بالإيمان بها واعتقادِ أنَّ لها معنىً يليق بجلال الله وعظمته بلا تعيينِ معنىً ولا يفسرونها على الظاهر المتبادر منها، فإذا سمعوا قولَ الله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ردُّوه إلى الآية المحكمة كقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) وعلموا أنّ المعنى الظاهرَ أي المتبادِرَ إلى الذهن من قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وهو الاستقرار أو الجلوس ليس مرادًا ولا هو معنى الآية لكونه من صفات المخلوقات فهو مخالفٌ للآية المحكمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) فأّوَّلُوْهَا تأويلاً إجمالِيًّا فقالوا: استوى استواءً يليق به ليس جلوسًا ولا استقرارًا ولا يُشْبِهُ أيةَ صفة من صفات المخلوقين وذلك كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه (ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله) يعني رضي الله عنه لا على ما قد تذهب إليه الأوهام والظنون من المعاني الحسية الجسمية التي لا تجوز في حق الله.

والمسلك الثاني مسلك الخلف فهم يؤولونها تفصيلا بتعيينِ معانٍ لها مما تقتضيه لغةُ العرب ولا يحملونها على ظواهرها أيضًا موافقين للسلف في ذلك.

فالسلف والخلف متفقان على عدم الحمل على الظاهر ففي ءاية (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) التي مَثَّلْنا بها قال السلف أي أكثرهم استوى بلا كيف أي استواء يليق بجلال الله وعظمته لا على المعنى الذي يكون من صفات المخلوقات أي لا على معنى الجلوس أو الاستقرار أو علوّ المكان، وأما أهل المسلك الثاني فقالوا استوى أي قَهَرَ وحفظ وأبقى لكون قَهَرَ من معاني استوى في لغة العرب ولكون هذا المعنى موافقًا للآية المحكمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) ولقوله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) سورة الأنعام ءاية 18.

ويقول بعض أهل الزيغ إنَّ التأويلَ ممنوع وإنَّ السلف ما استعملوه وهذا كلام باطل ومردود كيف وقد جاء في الصحيح عن سيد الكَوْنَيْنِ صلى الله عليه وسلم أنه قَدَّمَ له ابنُ عباس وَضوءه أي ماءَ الوُضوء فقال صلى الله عليه وسلم (مَنْ فَعَلَ هذا)؟ فقال قلت أنا يا رسول الله فقال (اللهمّ فَقِّهْهُ في الدين وعَلّمْهُ التأويل) ولو كان التأويل محظورًا مُطلقًا لكان هذا دُعاءً عليه لا له.
بل إنَّ مَنْعَ التأويلِ يؤدي إلى ضَرْبِ القرءان بعضِهِ ببعض فلو أخَذَ ءاخذٌ بظاهر الآية (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) سورة الحديد ءاية 4، فاعتقد أن الله مع كل واحدٍ بذاتِهِ أو اعتقد أن الله تعالى متحيز في كل مكان وأخذ بظاهر الآية (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فاعتقد أن الله جالس على العرش لأدّى هذا إلى تناقض لأن معناه على الظاهر أن الله في جهة فوق على العرش وأنه مع كل واحد بذاته في كل الجهات ومنها جهة تحت في الأرض فيقعُ التناقض وحاشا أن يكون في القرءان تناقض، فقد قال الله تعالى (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) سورة النساء ءاية 83، أما لو ردَّ هاتين الآيتين إلى الآية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) فأَوَّلَ الاستواءَ بالقهر أو قال له معنى يليق بالله ونفى عن الله المكان والجلوس والاستقرار على العرش، وأوَّلَ قولَهُ تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) بالعلم أي أنه محيطٌ بكم عَلمًا لكان في ذلك سلامةٌ ونجاةٌ لكونه موافقًا للآية المحكمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ).

وماذا يقول من يمنع التأويل في قوله تعالى إخبارًا عن سيدنا إبراهيم عليه السلام (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) سورة الصافات ءاية 99، وكان إبراهيم عليه السلام ذاهبًا إلى فلسطين هل يقول بزعمه إنَّ الله يسكن فلسطين أم سيؤول هذه الآية ليوافق الآية المحكمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ) وغيرها من الآيات المحكمات، ومراد سيدنا إبراهيمَ إِخوةَ الإيمان بقوله إني ذاهب إلى ربي أي إلى حيث أمرني ربي.

فيا أخي المسلم إن سمعت أو قرأت ءاية في القرءان ظاهرُها مخالف للآيات المحكمات فلا تَتَسرَّعَنَّ إن لم تكن سمعتَ تفسيرها ممن هو أهل لذلك وقُلْ لها معنى يليق بالله ورُدَّها إلى الآيات المحكمات ولا تأخذْ بظاهرها الذي قد يتبادر معناه إلى ذهنك ممَّا يُوهِمُ تشبيهَ الله بخلقهِ، ورضي الله عن السيد أحمدَ الرفاعي الكبيرِ القائلِ (صونوا عقائدَكُمْ مِنَ التمسُّكِ بظاهر ما تشابه مِن القرءان والسنة فإن ذلك مِن أصول الكفر).

وهذا العلامة السيد الشريف أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني الإدريسي الحسني الأشعري المالكي (توفي سنة 895 هـ) محدث فقيه متكلم قارىء دفن في تلمسان الجزائر له تصانيف كثيرة، من مؤلفاته كتاب شرح المقدمات قال فيه ما نصه (التمسك في عقائد الإيمان بمجرد ظواهر الكتاب والسُنة من غير تفصيل بين ما يستحيل ظاهره منها وما لا يستحيل، فلا خفاء من كونه أصلا للكفر والبدعة، أما الكفر فكأخذ الثانوية القائلين بألوهية النور والظلمة من قوله تعالى (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ) أن النور أحد الإلهين وإسمه (الله) ولم ينظروا إلى استحالة كون النور إلهًا لأنه مُتغير حادث يُوجَد ويُعدَم، والإله يستحيل عليه التغير والحدوث، ويجب له القِدم والبقاء).
وردّ الإمام السنوسي على المُشبّهة الذين نسبوا لله تعالى جهة فوق (نعوذ بالله تعالى من ضلالهم) فقال رحمه الله في كتابه العقيدة الوسطى وشرحها ما نصه (ولم يقل أحد بالجهة من أهل السنة وإنما قال بها طائفة من المبتدعة وهم الحشوية والكرّامية …تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) هذا علم أهل السنة والجماعة الذي ضلّ عنه أدعياء السلفية حيث تمسكوا بظاهر ما تشابه من الكتاب والسُنة فوقعوا في تشبيه الخالق بالمخلوق، هذه مصيبتهم التي يَسعون إلى بثها اليوم بنشاط ظاهر، فالحذر الحذر.

وقال المفتي المالكي العلامة الفقيه أحمد بن محمد بن عبد الله المُكنِي الطرابلسي (1) (ت 1101 ھ) مفتي طرابلس الغرب ليبيا ووالده وجده كذلك، في مقدمة كتابه وهو مخطوط شُكر المنّه في نصر السُّنّة ذَكر عقيدة أهل السنة وبدأها بقوله عقيدة أهل السنة على سبيل الاختصار من كلام العلماء الأخيار، قال فيها في تنزيه الله تعالى ما نصه (لا يحُده المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرض ولا السماوات، وقال أيضًا تعالى أن يحويه مكان، وتقدس أن يحده زمان، بل كان قبل أن يخلق المكان والزمان) وبعد أن سرد هذه العقيدة قال ما نصه (فمن اعتقد جميع هذا كان من أهل الحق والسُنة وخالف أهل الضلال والبدعة).

(1) المكنى أحْمَد بن مُحَمَّد الطرابلسي المغربي الْمُفْتى المالكى الزَّاهِد يعرف بالمكنى ولد سنة 1042 وَتوفى فِي حُدُود سنة 1100 مائَة وألف صنف شكر المنة فِي نصر السّنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *