انظُر يَا عبدَ الله فيما قاله القَاضِي أَبُو الْوَلِيد ابن رُشْد المَالِكِي (ت 520 هـ) (مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ أَيُّ الْمَوَاضِعِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ أَمَّا النَّافِلَةُ فَمُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ القَاسِم وَهُوَ العَمُودُ المخلق، وَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَالتَّقَدُّمُ إِلى أَوَّل الصَّفِّ أَحَبُّ إِلَيَّ.
قَالَ مُحَمَّد بْنُ رُشْدٍ (اسْتَحَبَّ مَالِكٌ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ لِلتَّبَرُكِ بِمَوْضِعِ صَلَاتِهِ، وَرَأَى لِلصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ المَوْضِع فَضْلًا عَلَى سَائِرِ الْمَسْجِدِ، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عُتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ يَا رَسولَ اللَّهِ إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ وَالمَطَرُ، وَأَنَا رَجَلٌ ضَرِير البَصَرِ فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ) فِي بَيْتِي مَكَاناً أَتَخِذُهُ مُصَلًّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [(وَآلِهِ) وَسَلَّمَ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ المَوْضِع مِنْ بَيْتِهِ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ فِيهِ صَلَاةً وَاحِدَةً أَفْضَل مِنْ سَائِر بَيْتِهِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِع الَّذِي يُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَاةِ فِيهِ مِنْ مَسْجِدِهِ أَفْضَل مِنْ سَائِرِ الْمَسْجِد بِكَثِيرٍ) البيانُ وَالتَّحصيلُ (1/369-370)، دَار الغَرْب الإِسلامي، فهو أصلٌ معتبر أيضا عند الإمام مالك.
وعلى هذا الأصل خَرَّج أيمُّتنا المالكيَّة كلام الإمام مالك في بعض مسائله، وَلا يُوجد مَن جعل هذا الفعل بدعة شركيَّة أو من دواعي الشِّرك الأكبر المبيح للدَّم والمال، كما لا يُعرف مُخالف في هذا الأصل قبل ابن تيميَّةَ وأتباعه التَّيميَّة، أعني أدعياء السَّلفيَّة والوَهَّابيَّة.