مِن معَاصي اليَدِ مَنعُ الزّكَاةِ أو بَعضِها بَعدَ الوجُوبِ والتَّمَكُّنِ وإخرَاجُ ما لا يُجزِئُ أو إعطَاؤُها مَنْ لا يَستَحِقُّها
25 أبريل 2022هل الفتوى بسقوط قضاء الصلوات المتروكة عمداً صحيحة؟
7 مايو 2022الِاجْتِهَادُ وَالتَّقْلِيدُ (1)
الِاجْتِهَادُ وَالتَّقْلِيدُ (1)
الِاجْتِهَادُ هُوَ اسْتِخْرَاجُ الأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ لا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا، فَالْمُجْتَهِدُ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِآيَاتِ الأَحْكَامِ وَأَحَادِيثِ الأَحْكَامِ وَمَعْرِفَةِ أَسَانِيدِهَا وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ رِجَالِ الإِسْنَادِ، فالْمُجْتَهِدُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ أَحْوَالَ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا فَيُقَدِّمُ عِنْدَ التَّعَارُضِ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ وَالْمُقَيَّدَ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالنَّصَّ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُحْكَمَ عَلَى الْمُتَشَابِهِ وَالنَّاسِخَ وَالْمُتَّصِلَ وَالْقَوِيَّ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَالِاجْتِهَادُ هُوَ اسْتِخْرَاجُ الأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ لا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ صَرِيحٌ لا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا فَلا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ وَهُوَ أَبُو بَكْرِ بنُ الْمُنْذِرِ (إِذَا جَاءَ الْخَبَرُ ارْتَفَعَ النَّظَرُ) يَعْنِي بِالْخَبَرِ النَّصَّ الْقُرْءَانِيَّ وَالنَّصَّ الْحَدِيثِيَّ.
وَالْمُجْتَهِدُ يَكُونُ حَافِظًا لِآيَاتِ الأَحْكَامِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَحَادِيثِ الأَحْكَامِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ، وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، لَيْسَ الَّتِي هِيَ قَصَصٌ وَأَخْبَارٌ.
وَكذلك مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ والنَّسْخُ مَعْنَاهُ الإِزَالَةُ، وَحَدُّهُ هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ، وَيُقَالُ رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَابِقٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لاحِقٍ، وَيَجُوزُ نَسْخُ الرَّسْمِ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ، أَيْ يَجُوزُ نَسْخُ رَسْمِ الآيَةِ فِي الْمُصْحَفِ وَتِلاوَتِهَا عَلَى أَنَّهَا قُرْءَانٌ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهَا وَالتَّكْلِيفِ بِهِ نَحْوُ ءَايَةِ الرَّجْمِ وَهِيَ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ) وَيَجُوزُ نَسْخُ الْحُكْمِ وَبَقَاءُ الرَّسْمِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة 240] نُسِخَتْ بِالآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة 234] وَيَجُوزُ النَّسْخُ إِلَى بَدَلٍ كَمَا فِي نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ.
وَيَجُوزُ النَّسْخُ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَمَا فِي نَسْخِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [سُورَةَ الْمُجَادِلَة 12]، اللَّهُ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَحَدُهُمْ مَعَ النَّبِيِّ وَحْدَهُ عَلَى انْفِرَادٍ أَنْ يَدْفَعَ صَدَقَةً لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الرَّسُولَ لا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَلا الزَّكَاةَ، كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحُكْمُ قَبْلَ أَنْ يُنَفَّذَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ﴾ [سُورَةَ الْمُجَادِلَة 13].
وَيَجُوزُ النَّسْخُ إِلَى مَا هُوَ أَغْلَظُ كَمَا فِي نَسْخِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ بِالطَّعَامِ إِلَى تَعْيِينِ الصَّوْمِ.
وَيَجُوزُ النَّسْخُ إِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنْ يَكُن مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ ثُمَّ قَالَ ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِّنْكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [سُورَةَ الأَنْفَال 66].
وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ كَمَا فِي ءَايَتَيِ الْعِدَّةِ وَءَايَتَيِ الْمُصَابَرَةِ.
وَيَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ كَمَا فِي نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الثَّابِتِ بِالسُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة 144].
وَيَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّة كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا) وَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْهُمَا أَيِ الْقُرْءَانِ وَالسُّنَّةِ، وَيَجُوزُ نَسْخُ الآحَادِ بِالآحَادِ وَبِالْمُتَوَاتِرِ، وَلا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالآحَادِ.
تَنْبِيهٌ لا يَلْزَمُ مِنَ النَّسْخِ الْبَدَاءُ كَمَا ادَّعَتِ الْيَهُودُ أَنَّ النَّسْخَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنَّ اللَّهَ ظَهَرَ لَهُ أَمْرٌ كَانَ خَافِيًا عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الْبَدَاءِ ظُهُورُ أَمْرٍ كَانَ خَافِيًا فيُقَالُ لَهُمْ النَّسْخُ لا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بَلْ فِيهِ حِكْمَةٌ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْعِبَادِ وَمَصَالِحَهُمْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَزْمَانِ كَمَا أَنَّ الطَّبِيبَ يَصِفُ الدَّوَاءَ فِي وَقْتٍ وَيَنْهَى عَنْهُ فِي وَقْتٍ ءَاخَرَ لِكَوْنِ الْوَقْتِ الأَوَّلِ مُنَاسِبًا لِحَالِ الْمَرِيضِ غَيْرَ مُنَاسِبٍ لِحَالِهِ الثَّانِي، فَاللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ فَيُنْزِلُ حُكْمًا ثُمَّ يَنْسَخُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعِبَادِ، وَمُرَادُهُمْ بِدَفْعِ النَّسْخِ تَأْيِيدُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ مُوسَى قَالَ (إِنَّ شَرِيعَتِي بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) افْتَرَوْا عَلَى مُوسَى مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ كَانَ جائِزًا فِي شَرْعِ يَعْقُوبَ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي شَرْعِ مُوسَى، وَيَكْفِي لِرَدِّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ تَزْوِيجَ الأَخِ بِالأُخْتِ الَّتِي لَيْسَتْ تَوْأَمًا لَهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِ ءَادَمَ لِأَنَّ ءَادَمَ كَانَ يُزَوِّجُ الرَّجُلَ مِنْ بَنِيهِ بِأُخْتِهِ الَّتِي هِيَ تَوْأَمَةُ أَخٍ لَهُ ءَاخَرَ، وَلا يُزَوِّجُ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِتَوْأَمَتِهِ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بَعْدَهُ، وَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ لَكِنَّ الْعِنَادَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الِافْتِرَاءِ عَلَى مُوسَى.
يتبع في الجزء الثاني.