حُكمُ الصَّلاةِ على بعضِ الميِّتِ
14 نوفمبر 2016ما هو تعريف الجلباب وما حكمه بالنسبة للنساء؟
14 نوفمبر 2016كثر الكلام عن تارك الصلاة فهل لكم أن تبينوا لنا فصل القول في هذا والقول المعتمد منه؟
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ و آلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
إن جمهور الفقهاء لا يكفرون تارك الصلاة كسلا وإنما يعتبرونه فاسقا إلا إذا استخف بها أو جحد فرضيتها فيكفر عند ذلك ودليلهم ما رواه الإمام أحمد في المسند ج 5 – 317 من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خمس صلوات افترضهن الله على عباده من أحسن وضوأهن وصلاتهن لوقتهن فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه) وفي رواية لأبي داود (ج 1 – 451) ولمالك في الموطأ (ص111) (إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة) ووجه الدليل قوله صلى الله عليه وسلم (إن شاء غفر له)، ودليل ذلك قول الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ويقول الإمام الطحاوي المولود سنة 227 هـ في عقيدته التي ذكر أنها بيان عقيدة أهل السنة والجماعة (ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله).
قال المحدث الشيخ عبد الرؤؤف المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير ج 3 – 430 حرف الخاء (خمس صلوات كتبهن اللّه على العباد فمن جاء بهنّ لم يضيع منهنّ شيئا استخفافاً بحقهنّ) قال الباجي احترز عن السهو وقال ابن عبد البر تضييعها أن لا يقيم حدودها (كان له عند اللّه عهد أن يدخل الجنة) أي مع السابقين أو من غير تقديم عذاب (ومن لم يأت بهنّ) على الوجه المطلوب شرعاً (فليس له عند اللّه عهد إن شاء عذبه) عدلاً (وإن شاء أدخله الجنة) برحمة فضلاً فعلم من هذا وما قبله وبعده أن تارك الصلاة لا يكفر وأنه لا يتحتم عذابه بل هو تحت المشيئة (مالك حم د ن ه حب ك عن عبادة بن الصامت) قال الزين العراقي وصححه ابن عبد البر.
ومذهبنا معاشر المالكيّة كما في الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي (422 هـ) حكم تارك الصلاة (مسألة) إذا اعتقد وجوب الصلاة ثم تركها كسلا يقتل ولا يكفر خلافاً لأبي حنيفة في قوله لا يقتل ولأحمد في قوله قد كفر، فدليلنا على أبي حنيفة قوله صلى الله عليه وسلم (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) وأقل ما يوجبه هذا اللفظ وجوب القتل ولأن الأمر أحد نوعي التكليف فجاز أن يقتل في مخالفته كالنهي ودليلنا على أحمد أنها من أفعال البدن فلم يكفر بتركها مع اعتقاد وجوبها كالحج.
وفي مسائل الفقيه الإمام أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (المتوفى 520هـ)، هل ترك الصلاة كفر؟
(والذي نقول به ونعتقده ونوقن بصحته ونتبعه أحسن الأقاويل في ذلك لقول الله عز وجل (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقُولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهَُ وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الاَْلْبَـابِ (18)) (سورة الزمر) وهذا ما ذهب إليه مالك رحمه الله والشافعي وأكثر أهل العلم أن ترك الصلاة عمدا ليس بكفر على الحقيقة ولا بدليل عليه وأن الحكم في تاركها عمدا وهو مقر بفرضها أن يقتل إذا أبى فعلها على ذنب من الذنوب ويرثه ورثته من المسلمين، وإنما قلنا أن هذا القول أحسن الأقاويل وأولاها بالاتباع لوجوب القتل عليه بقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جماعة من الصحابة من غير نكير عليه (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) فقاتلهم ولم يسبهم لأنهم قالوا ما كفرنا بعد إيماننا ولا كنا شححنا على أموالنا، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهيت عن قتل المصلين) فدل ذلك على أنه أمر بقتل من لم يصل مع الحكم له بالإيمان لإ قراره به لأنه من أفعال القلوب فلا يعلم إلا من جهته، فيحكم به لمن أظهره والله أعلم بما يبطنه.
وذهب ابن حبيب إلى أن تارك الصلاة عامدا لتركها أو مفرطا فيها أو متهاونا بها كافر على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك الصلاة فقد كفر) وقال ذلك أيضا في أخوات الصلاة كلها واحتج للمساواة بينها وبينهن بقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) وقوله شاذ بعيد في النظر خطأ عند أهل التحصيل من العلماء لأن الأدلة تمنع من حمل الحديث على ظاهره فالقياس عليه غير صحيح….) إلخ.
وقال الإمام النووي الشافعي في شرح صحيح مسلم (ج – ص 2 – 71) وأمَّا تارك الصَّلاة فإن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من ملَّة الإسلام إلاَّ أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخالط المسلمين مدَّة يبلغه فيها وجوب الصَّلاة عليه، وإن كان تركه تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من النَّاس، فقد اختلف العلماء فيه فذهب مالك والشَّافعيُّ (رحمهما اللَّه) والجماهير من السَّلف والخلف إلى أنَّه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلاَّ قتلناه حدَّاً كالزَّاني المحصن ولكنَّه يقتل بالسَّيف، وذهب جماعة من السَّلف إلى أنَّه يكفَّر وهو مرويٌّ عن عليِّ بن أبي طالب (كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ) وهو إحدى الرِّوايتين عن أحمد بن حنبل (رحمه اللَّه) وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشَّافعيِّ (رضوان الله عليه)، وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزنيُّ صاحب الشَّافعيِّ (رحمهما اللَّه) أنَّه لا يكفر ولا يقتل بل يُعَزَّر ويحبس حتَّى يصلِّي، احتجَّ من قال بكفره بظاهر الحديث الثَّاني المذكور (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ) وبالقياس على كلمة التَّوحيد، واحتجَّ من قال لا يقتل بحديث (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ) وليس فيه الصَّلاة، واحتجَّ الجمهور على أنَّه لا يكفر بقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء 48، وبقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم (مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّةَ، مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَلْقَى الله تعالى عَبْدٌ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَب عَنِ الجَنَّةِ) وكذلك حديث (حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وغير ذلك، واحتجوا على قتله بقوله تعالى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) التوبة 5، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَيُقِيْمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُم)، وتأوَّلوا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم (بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ الكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ) على معنى أنَّه يستحقُّ بترك الصَّلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنَّه محمول على المستحلِّ أو على أنَّه قد يؤول به إلى الكفر أو أنَّ فعله فعل الكفَّار واللَّه أعلم). اهـ
والله تعالى أعلم.