(كانَ) تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ خَبَرِهَا لاسْمِها
2 نوفمبر 2016من وصايا الإمام الجليل جعفر الصادق رضي الله عنه
2 نوفمبر 2016مَنْ يُسْتَحَبُّ تَقْبِيْلُهُ؟
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
مَنْ يُسْتَحَبُّ تَقْبِيْلُهُ؟
وَرَدَ فيِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ أَنَّ يَهُوْدِيَّيْنِ قَبَّلَا يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا (نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ)، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُمَا عَلَى تَقْبِيْلِهِمَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
وَجَوَازُ هَذَا بَلْ مَشْرُوعِيَّتُهُ أَيْ كَوْنُهُ مُسْتَحْسَنًا فِي الشَّرْعِ هُوَ أَمْرٌ مَعْلُوْمٌ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ سَلَفِهِم وَخَلَفِهِم، فَمَنْ أَنْكَرَ جَوَازَ تَقْبِيْلِ أَيْدِي أَهْلِ الفَضْلِ فِي الدِّيْنِ فَهُوَ مَردُوْدٌ قَوْلُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ حُجَّةٌ فِي شَرْعِ اللهِ.
وَأَمَّا مَا يُرْوَى مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ رَجُلٌ لِيُقَبِّلَهَا فَاجْتَذَبَهَا رَسُولُ اللهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيْثِ، وَإِنَّمَا الشَّىْءُ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ فِي شَرْعِ اللهِ جَوازُهُ بَلِ اسْتِحْبَابُهُ أَنَّ تَقْبِيْلَ يَدِ أَهْلِ الفَضْلِ لِعِلْمٍ وَالِوِلَايَةٍ أَمْرٌ مُسْتَحَبٌّ، سُنَّةٌ، وَغَيْرُ اليَدِ كَذَلِكَ.
وَقَدْ رُويَ أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبَّلَ يَدَ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ عَبْدُ اللهِ صَغِيْرًا مِنْ حَيْثُ السِّنُّ، لَكِنْ قَبَّلَ زَيْدٌ يَدَهُ لِأَنَّهُ شَرِيْفٌ مِنْ ءَالِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا الشَّرِيْفُ الفَاسِقُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَقْبِيْلُ يَدهِ لَكِنْ لَا يَحْرُمُ.
وَكَذَلِكَ تَقبِيْلُ أَيْدِيْ الأَغْنِيَاءِ المُسْلِمِيْنَ مِنْ أَجْلِ غِنَاهُم لَا يَحْرُمُ لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُسْتَقبَحٌ شَرْعًا مكروه لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا عَنِ التَّابِعِيْنَ، فَذَلِكَ مَذْمُوْمٌ لِأَنَّهُ دَلِيْلُ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا وَالشَّرَهِ فِي تَحْصِيْلِهَا، وَقَوْلُ مَنْ حَرَّمَ تَقْبِيْلَ يَدِ الغَنِيِّ لِغِنَاهُ لَا مَعْنَى لَهُ شَاذٌّ.
وَكَذَلِكَ تَقبِيْلُ يَدِ الزَّعِيْمِ الفَاسِقِ مَكُرْوُهٌ لَيْسَ حَرَامًا إِلَّا إِذَا كَانَ تَقْبِيْلُهُ هَذَا يُشَجِّعُهُ عَلَى التَّمَادِي فِي الظُّلْمِ وَالفِسْقِ وَالفُجُوْرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْرُمُ تَقْبِيْلُ يَدِ الفَاسِقَ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ تَشْجِيْعٌ لَهُ عَلَى فِسْقِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَأَمَّا تَقْبِيْلُ يَدِ الكَافِرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، سَوَاءٌ كَانَ مُرْتَدًّا أَوْ غَيْرَهُ، فَالأَبُ الكَافِرُ وَالأُمُّ الكَافِرةُ لَا يَجُوْزُ تَقْبِيْلُ أَيْدِيْهِمَا، لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الكَبَائِرِ بَلْ مِنَ الصَّغَائِرِ.
وَأَمَّا الوَالِدَانِ المُسْلِمَانِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْسَنُ أَنْ يُقْبِلَ الوَلَدُ عَلَيْهِمَا بِتَقْبِيْلِ أَيْدِيْهِمَا لِتَعْظِيْمِهِمَا وَلَو كَانَ هُوَ كَبِيْرًا فِي السِّنِّ، وَقَدْ حَصَلَ أَنَّ أحد كبار الأولياء رَحِمَهُ اللهُ جَاءَ مَرَّةً إِلَى الحَجِّ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ جَاوَزَ عُمُرُهُ السِّتِيْنَ، فَقِيْلَ لَهُ أُمُّكَ فِي الحَجِّ، فَذَهَبَ لِزِيَارَتِهَا وَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا بَقِيَ وَاقِفًا أَدَبًا مَعَهَا حَتَّى قِيْلَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَانْتَبَهَتْ وَقَالَتْ له اجْلِس، فَجَلَسَ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ يَجُوْزُ تَكْرِيمًا لَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الإِمَامَ أَحْمَدَ اسْتِحْبَابُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْمُصْحَفَ كُلَّ غَدَاةٍ وَيُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ عَهْدُ رَبِّي وَمَنْشُورُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَبِّلُ الْمُصْحَفَ وَيَمْسَحُهُ عَلَى وَجْهِهِ أَيْضًا.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا اتِّبَاعَ سُنَّةِ نَبِّيِّكَ مُحَمَّدٍ حَقَّ الاتِّبَاعِ وَارْزُقْنَا اللَّهُمَّ زِيَارَتَهُ وَشَفَاعَتَهُ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.