طول الصمت
24 يوليو 2017حديث (رُبَّ أَشعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَينِ مَدفُوعٍ بالأبوابِ لَو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ)
24 يوليو 2017أحباب الله
أحباب الله
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الأسماء الحسنى صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وءال كل والصالحين وسلام الله عليهم أجمعين.
يقولُ اللهُ تعالى (واتَّقُوا اللهَ ويُعلِّمُكُمُ اللهُ وهوَ بكُلِّ شَىءٍ عَلِيم) اتقُوا الله مَعناه اعمَلوا بما فَرَضَ علَيكُم وتجنّبوا ما حَرَّمَ علَيكُم، ومِن جملةِ ما فَرضَ عَلينا تَعلُّم العَقيدة، فمَن تَعلّمَ ما فَرض الله عليه وتجنَّب ما حرّمَ عليه صَارَ مِن أحبابِ الله، أمّا مَن لم يتَعلّم مَهما أتعبَ نفسَه بالعباداتِ لا يَصيرُ مِن أحبابِ الله.
قالَ القُرطبي في تفسيره: وعد من الله تعالى بأنّ مَن اتّقَاهُ عَلّمَه أي يجعَلُ في قَلبِه نُورًا يفهَم به ما يُلقَى إليه، وفَيصَلا يَفصِلُ به بينَ الحقّ والباطِل. اهـ
وقالَ عمرُ بنُ عبد العزيز: إنّما قَصرَ بنا عن عِلم ما جَهلنا تقصِيرُنا في العَملِ بما علِمنَا ولو عمِلنا ببعضِ ما علِمنا لأُورِثْنا عِلمًا لا تَقُومُ به أبدانُنا. هـ
وقالَ السيوطي في الدّر المنثور: وأخرج أبو نُعَيم في الحِلية عن أنسٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن عَمِلَ بما عَلِمَ أَورثَهُ اللهُ عِلمَ مَا لم يَعلَمْ).
فمَن تَعلّم وعمِلَ وزادَ على ذلكَ الإكثارَ من النوافلِ يَصيرُ مِن أحبابِ الله، قبلَ أن يُعرَفَ في الأرضِ يُعرفُ في السّمواتِ السّبع وغيرِها، الله تعالى يقولُ لجبريلَ إنّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّه وأَبْلغِ الملائكةَ أنّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوه، ثم اللهُ تَعالى يضَعُ لهُ القَبُولَ في الأرض، أي يُحبُّه خِيارُ المؤمنينَ الأولياء ولو كرِهَه الفُسّاق، اللهُ يضَعُ في قُلوبِ خِيار عبادِه محبّتَه.
ووَرد في الحديثِ أنّ جبريلَ يقولُ رحمةُ اللهِ علَيه فيقولُ حمَلةُ العرشِ أيضًا رحمةُ اللهِ عليه.
روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذَا أحَبَّ اللهُ العَبدَ نادَى جبريلَ إنّ اللهَ يُحبّ فلانًا فأَحْبِبْهُ فيُحبُّه جبريلُ فيُنادِي جِبريلُ في أهلِ السَّماءِ إنّ اللهَ يُحِبُّ فلانًا فأَحِبُّوه فيُحبُّه أهلُ السّماءِ ثمّ يُوضَعُ لهُ القَبُولُ في الأرضِ (زادَ مسلم في روايته) وإذَا أَبغضَ عَبدًا دعَا جِبريلَ فيقولُ إنّي أُبغِضُ فلانًا فأَبغِضْه فيُبغضونَه ثم تُوضَعُ لهُ البَغضاءُ في الأرضِ.
مِن فَرَحِ جِبريلَ بهِ ومِن فَرَحِ حملةِ العَرشِ به يقولونَ رحمةُ الله علَيه، أمّا مَن لم يتَعلّم فهو محرومٌ، وإنْ كانَ لهُ بينَ الكفّارِ والفُسّاقِ جَاهٌ فهوَ محرومٌ عندَ الملائكةِ وخِيارِ أهلِ الأرضِ الأتقياء.
الأتقياءُ في كلِّ زَمنٍ مَوجُودُونَ بينَ المسلمينَ إلى يومِ القِيامة، ثمّ هؤلاءِ الأتقياءُ كثيرٌ مِنهُم لا يُعرَفونَ بينَ النّاسِ لرَثاثةِ ثِيابهِم، اللهُ أَخفَاهُم، وبعضُهم اللهُ يُظهِرُهم يكونُ لهم عندَ النّاسِ شُهرةً لكنْ أَغلبُهم أخفياءُ وهُم عندَ الله لهم شأنٌ عظِيمٌ.
فقد روى الحاكم في مستدركه وصححه أن عمر (بن الخطاب رضي الله عنه) خرج إلى المسجد يوما (مسجدِ رسولِ الله) فوجد معاذ بن جبل عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقالَ ما يُبكِيكَ يا مُعاذُ ؟ قال: يبكيني حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اليسيرُ مِنَ الرِّياءِ شِركٌ، ومن عادى أولياء الله فقد بارز اللهَ بالمحاربة، إنَّ اللهَ يحبُّ الأبرارَ الأتقياءَ الأخفياءَ الذين إنْ غابُوا لم يُفتَقدُوا، وإن حضروا لم يُعرَفُوا، قلوبُهم مصابيحُ الهدى، يَخرُجُون من كلِّ غبراءَ مُظلمة).
هذا الحديثُ فيهِ أنّ منَ الأولياءِ مَن لا يُعرفونَ إذا حَضروا مجالِسَ النّاسِ، وإن غَابُوا لا يُسأَلُ عنهُم، لذلك إذا رأيتَ مُسلِمًا فحَسّن الظّنَّ به قُل لعَلَّه أحسَنُ منّي، مَطلُوبٌ أنْ تُحِبّه وتحتَرِمَه ولو كانت هَيأتُه رثّةً وشعَرُه مُغْبَرًّا، ثمّ إذا رأيتَ مِنه ما يُخالِفُ الشّرعَ تُعامِلُه على حَسبِ الشّرعِ، تُرشِدُه إلى الصّوابِ، وإن وجَدْتَه على حَالَةٍ حَسنَةٍ تَستَفِيدُ منه، تَكتَسِبُ مِنهُ وتَقتَدِي به.
وروى البخاري وغيرُه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال (إنّ للهِ عِبادًا لَو أَقسَمُوا على اللهِ لأَبَرَّهُم) أي يُعطيهِم ويُحقِّقُ مُرادَهم كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيرُه (رُبَّ أَشعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَينِ مَدفُوعٍ بالأبوابِ لَو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ) مَعناه كثيرٌ منَ المؤمنينَ أَشعَثُ أي لا يتَمكّنُ مِن خِدمةِ جَسدِه، مِن شِدّةِ البؤسِ والفَقر يَترُكُ شَعَره مُنتَفِشًا لا يُسرّحُه، لا يتَمكّنُ مِن تَسريحِه على حَسبِ العادةِ، وقولُه أغْبرَ أي ثِيابُه لا يَستَطيعُ أن يَتعَهّدَها بالغَسلِ والتّنظِيف من شِدّةِ البؤسِ والفَقرِ بل تَعلُوهَا الغبَرةُ، وقولُه ذِي طِمرَينِ أي يَلبَسُ طِمرينِ أي ثَوبَينِ ثَوبًا للنّصفِ الأعلَى وثوبًا للنِّصفِ الأسفَل، وقولُه مَدفُوعٍ بالأبوابِ معناه الناسُ لا يُقدّرونَه يُدفَع بالأبواب، إذا جاءَ لحاجةٍ إلى بابِ إنسانٍ يُدفَع مِن رثَاثةِ ثيابهِ وهيئتِه ولا يُمكّنُ منَ الدُّخُولِ لأنَّ شَعَرَهُ أَشعثَ وثيابَه مُغبرّة، هذا العَبدُ لهُ عندَ اللهِ مَنـزلةٌ عَالية بحيثُ لو أَقسَم على اللهِ لأبَرَّه، أي لو قالَ يا ربّ أُقسِمُ علَيكَ أن تَفعلَ بي كَذا أو أن تفعلَ بفلان كذا يُنفّذُ له إقسَامَه أي يُعطِيْه مُرادَه، لكنْ هؤلاءِ قُلوبُهم متعلّقةٌ بالآخرة، قَلّ أن يَطلُبوا أمرًا دُنيَويّا يتعَلّقُ بالمعيشةِ، فهؤلاء لو أَقسَمُوا على الله فهو لمصلحَةٍ دِينيّة لا لشَهواتِ أَنفُسِهم.