مِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ مَا أَخْبَرَ بِه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِهِ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَحْمَدُ، وهذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين.
قوله صلى الله عليه وسلم (صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا) أَيْ سَيَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي.
قوله صلى الله عليه وسلم (قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ) أما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة.
قوله صلى الله عليه وسلم (وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ) أَيْ أَنَّهُنَّ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا لا تَسْتُرُ جَمِيعَ الْعَوْرَةِ، معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها، وقيل معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها، وَأَنَّهُنَّ مَائِلاتٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَيُمِلْنَ غَيْرَهُنَّ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَيْ فَاجِرَاتٌ يَرْمِينَ النَّاسَ فِي الزِّنَى، مائلات أي زائغات عن طاعة الله تعالى وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها ومميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم.

قوله صلى الله عليه وسلم (رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ) أَيْ يَرْفَعْنَ رُؤُوسَهُنَّ لِيُعْجَبَ بِهِنَّ النَّاسُ أَوْ يَمْشِينَ مِشْيَةً خَاصَّةً يُمَيَّزْنَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِنَّ، وَهَذَا حَصَلَ فِي بَعْضِ مَا مَضَى مِنَ الزَّمَنِ فِي بَغْدَادَ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُنْطَبِقًا تَمَامَ الِانْطِبَاقِ عَلَى مُجَرَّدِ اللَّاتِي يَكْشِفْنَ شَيْئًا مِنْ عَوْرَاتِهِنَّ، بَلْ أُولَئِكَ يَزِدْنَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُنَّ زَانِيَاتٌ، أُولَئِكَ يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الإبل البخت، هذا هو المشهور في تفسيره.

ثُمَّ أَخْبَرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَنْهُنَّ فِي تِتِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ (لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) وَهَذَا أَيْضًا حَصَلَ، فقوله (لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ) يتأول على تأويلين أحدهما أنه محمول على من استحلت حراما من ذلك مع علمها بتحريمه، فتكون كافرة مخلدة في النار لا تدخل الجنة أبدا والثاني يحمل على أنها لا تدخلها أول الأمر مع الفائزين، والله تعالى أعلم.